ندى غزال: من رأْس المتن إِلى قلب لندن

“سيدة العام” من الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU

هنري زغيب*

قصصُ النجاح اللبناني في العالم باتت مرادِفةً سطوعَ لبنان وسْعَ أَرجاءِ الدنيا، في كل حقلٍ معرفيٍّ أَو فكريٍّ أَو عالميٍّ أَو فنيٍّ أَو علْميٍّ أَو… جماليّ.

الموعدُ اليوم مع سيِّدة لبنانية سطعَت في لبنان جماليًّا بفن صياغة المجوهرات المغايرة المتفرِّدة الأَنيقة، فحمَلَتْها موهبتُها إِلى أَهمّ المعارض العالَمية لتستقرَّ قبل فترة وجيزة لدى قلب لندن منافِسَةً فيها أَرقى المجوهرات من كل نوع.

خاتم يحتضن صمود بيروت (جائزة معرض لاس فيغاس 2022)

ندى غزال

منذ طفولتها الأُولى في رأْس المتن (بلدة هانئة هادئة في جبل المتن اللبناني)، كان يلمعُ في حَدْقَتَي عينيها السَوداوَيْن الجميلَتَين حلمٌ بعيدٌ، وهي بَعْدُ في السادسة من طفولتها تراقب جَدَّتَها كيف تَغْزل بالصنَّارة والخيطان جمالَ أَشكالٍ وأَلوان، فراحت تغْزل في طموحها ضوءًا غيرَ عاديٍّ لمستقبلٍ غيرِ عادي. وبدأَت تنسج ذاك الحلْم في عمقٍ وصمتٍ وجمال.

غاب والدُها وهيب باكرًا، فنشأَتْ في أُسرةٍ من ثلاث بنات وثلاثة صبيان، متَّخذَةً ديناميةً ومثابَرَةً من والدَتها منى غزال (رئيسة “جمعية سيِّدات رأْس المتن” منذ نحو 40 سنة)، حتى إِذا تخرَّجَت سنة 1992 بتفَوُّقٍ لافتٍ من كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU، فرع التصميم الغرافيكي، توجَّهت منه إِلى فن المجوهرات معتبرة أَنه أَفضل مظهر للفردية والأُنوثة في لغةٍ هي أَقربُ الرموز إِلى الجسد: في العنق أَو الصدر أَو المعصم أَو الأَصابع. وراحت تغزل طموحَها تدريجيًّا من نجاحٍ إِلى نجاح.

خاتم “الخير والشر” (جائزة معرض لندن الدولي للابتكار 2024)

المسيرة المتصاعدة    

انطلقَت أَولًا من دُبَيّ. وسرعان ما تَبَوَّأَتْ سنة 1995 مسؤُولية إِدارية عُليا في مؤَسسة Impact BBDO. ثم انتقلَت سنة 1998 مديرةَ الإِنتاج في شركة Leo Burnett للإِعلانات التلفزيونية، تصمِّم أَفكارًا مبتكَرَةً لإِعلاناتِ كبرى الشركات (كاديلاك، أُودي، بيبسي، طيران الإِمارات، مطار دبي، …). وبعد عقْد من العمل في الابتكار الإِعلاني المتميِّز، عادت إِلى لبنان سنة 2003، وفي نيّتها أَن تُنشئَ مؤَسستها الخاصة، فكان محترفُها في بيروت لصياغة المجوهرات من خيوط الذهب والحجارة الكريمة. شَجَّعها على المواصلة مبيعُ جميع صياغاتها اليدوية (25 قطعة نادرة بالذهب 18 قيراطًا) في معرض أَقامته مع نهاية 2003. وواصلَت حتى افتتحَت محلها الخاص للمجوهرات اليدوية المتفردة في تشرين الأَول/أُكتوبر 2004.

الجوهرة قطعة منحوتة

تكتفي؟ طبعًا لا. طموحُها ليس يُحَدّ. أَخذَت تشكِّل المجوهرات لا بمنطق الزينة والتبرُّج، بل بأَشكالٍ نحتية جميلة ناطقة بالمشاعر والذكريات والذوق الجمالي. وأَخذ طموحُها يُثْمر: أَول محل لها كان في حي الجميزة (بيروت 2006)، ثم في أَسواق بيروت (2010). ثم اشتركت في معرض لدى متحف سرسق (2015)، وبعدها في المعرض التالي 2016). وتُوِّجت تلك المرحلة باختيارها “سيِّدة العام للأَعمال الناجحة” (الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU – بيروت 2017).

خاتم “الشفتان” (جائزة مصمِّمات العرب الشابات – دُبَيّ 2021)

إِلى العالَمية

جاء زمن التوسُّع خارج لبنان. سنة 2020 شاركت بصياغاتها في “أُسبوع نيويورك للأَزياء والمجوهرات”، ونجحَت حتى نالت تنويه مجلَّة فوربس” كــ”أَفضل سيدة ذات تأْثير إِبداعي في المصاغات الشرقية”. وانتقلت من نيويورك إِلى دُبَيّ مفتتحةً أَعمالها ومشارِكةً في “إِكسبو دبي” سنة 2021، توازيًا مع استمرار عرض صياغاتها في نيويورك ولوس أَنجلس.

ومن دُبَيّ إِلى قطَر سنة 2022، ثم إِلى المملكة العربية السعودية سنة 2023. وفي تلك السنة ذاتها شاركت في معرض عالَمي للملابس الثمينة في لاس فيغاس، وأَرسلَت مجوهراتها إِلى معرضَين دُوَليَّين في اليونان وسويسرا.

أَخيرًا… لندن

كان لا بدَّ من لندن، فأَسست محلًّا لها في مجمَّع “هارودز” الشهير سنة 2024. ولم تَغِب عن معرض Bergdorf Goodman في نيويورك. وفي العام الماضي كذلك ظهرَت مجوهراتها جليَّة مع أَكثر من نجمةٍ في الفيلم العالَمي Wicked.

آخر الجديد من ندى غزال: اختيارُها قبل أَشهُر بين “أَشهر خمس مصممات للأَزياء والمجوهرات في لندن”، وافتتاحُها في قلب لندن محلَّها الجديد في منطقة Belgravia اللندنية الباذخة.

هكذا بلغَت ندى غزال شهرتها العالَمية. وهي اليوم تشرفُ على صائغي مؤَسساتها الذين درَّبتْهم في محترفاتها كي يتعاملوا مع الحجارة الثمينة وخيوط الذهب لا كمجوهراتٍ جامدة بل كقطعٍ فنيةٍ تبدأُ حُلمًا في بال سيدة جميلة، حتى يتحقَّق حلمُها بتوقيع عالَمي لمجوهراتِ المبدعة الخلَّاقة التي كانت ذات يومٍ طفلةً تحلُم بمستقبل ساطع، حتى حقَّقَتْهُ بمثابرتها على اجتياز الزمن من رأْس المتن إِلى قلب لندن.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت – دُبَي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى