الخليج يَدخُلُ عَصرَ الرقائق: كيفَ تُحاوِلُ واشنطن انتزاعَ سباقِ الذكاءِ الاصطناعي من قَبضَةِ بكين
في زيارةٍ وُصِفت بأنها نقطةُ تحوُّل، عاد الرئيس دونالد ترامب من الخليج العربي مُحَمَّلًا بصفقاتِ ذكاءٍ اصطناعي تكشفُ سباقًا عالميًا محمومًا على القوّة الحاسوبية. فدول الخليج، بثرواتها وطاقتها، تتهيّأ لتُصبحَ مركزًا عالميًا ثالثًا في الذكاء الاصطناعي، فيما تسعى واشنطن —بحماسٍ وتَوَجُّسٍ في آن— لتحصين تفوُّقها في وجه الطموحات الصينية المتسارعة.

دانيال بنعيم*
عندما زار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخليج العربي في أيار (مايو) الفائت، لم يَكُن تركيزه مُنصَبًا على غزة أو إيران أو حتى التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. بل تركّزت أولوياته على عقد صفقات تجارية، والأهم من ذلك كله، على الذكاء الاصطناعي. خلال الرحلة، وافق ترامب على بيع رقاقات إلكترونية أميركية مُتَطوِّرة للسعودية ودولة الإمارات، وعلى الاستثمار في مجمّعات ضخمة للذكاء الاصطناعي في الخليج ستستضيفُ شركاتٍ أميركية. أحد هذه المواقع، في أبوظبي، مُرَشَّحٌ ليصبح أكبر مركز تجميعي للقوة الحاسوبية التي تغذي الذكاء الاصطناعي في العالم. وفي المقابل، تعهّدت دول الخليج بضَخِّ عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي، خلال زيارته إلى واشنطن، حصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الموافقة النهائية لاستيراد عشرات الآلاف من أشباه الموصلات الأميركية المتطوّرة، والتي كانت قد وُعِدَت بها الرياض في وقتٍ سابق من هذا العام.
بفضلِ مزيجٍ من الرقائق الإلكترونية المُتطوّرة، والثروات السيادية، والطاقة الوفيرة، تبدو دول الخليج العربية في طريقها إلى تجاوُزِ أوروبا والهند في قدراتها على بناءِ بُنيةٍ تحتية للذكاء الاصطناعي، الأمرُ الذي سيجعلها في نهاية المطاف ثالث أكبر مركز عالمي لقوة الحوسبة في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد الولايات المتحدة والصين. لقد باتت قوة الحاسوبية الآن تقف جنبًا إلى جنب مع النفط الخام كركيزةٍ أساسية في العلاقات الأميركية-الخليجية، لتتحوّل دول الخليج إلى الشريك الأمثل لإدارة ترامب في سباق التكنولوجيا العالمية.
يحمل التعاون الخليجي–الأميركي في مجال الذكاء الاصطناعي فُرَصًا واعدة ذات أثرٍ واسع. فعندما تُدار هذه الصفقات بالشكل الصحيح، يمكن أن تتحوَّلَ الثروة الضخمة لدول الخليج إلى قوّةِ دفعٍ هائلة لشركات الذكاء الاصطناعي الأميركية، فتُوَفِّرُ لها إمكان التوسُّع في أسواقٍ جديدة لطالما واجهت فيها نفوذًا محدودًا أو اختناقات تشغيلية. وبفضل موقع الخليج واتصاله الحيوي بمحيطه، قد يمتد نطاق منظومة الذكاء الاصطناعي الأميركية —بأجهزتها وبرمجياتها— ليغطي مليارات المستخدمين عبر أفريقيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. كما إنَّ هذه الشراكة قد تُتيحُ للولايات المتحدة انتزاع موقع الريادة من الصين كشريكٍ تكنولوجي أول للخليج، وهو مكسبٌ استراتيجي كبير لواشنطن في منافستها مع بكين.
لكن تصدير تكنولوجيا مُتقَدِّمة بهذا المستوى لا يخلو من التحدّيات. فهناك دائمًا خطرُ تسرُّبها إلى جهاتٍ غير موثوقة، أو تأثيرها السلبي في قدرة الشركات الأميركية على العمل داخل أسواقها. ولهذا تبقى التفاصيل هي العامل الحاسم. فقد أعلن فريق ترامب عن هذه الصفقات قبل بلوَرةِ شروطها النهائية، ما يجعل صياغة البنود الدقيقة ضرورة ملحّة. ويقع على واشنطن أن تطلب من شركائها الخليجيين التزام ضمانات صارمة لحماية الابتكارات الأميركية الحساسة، وأن تكون جاهزة لفرضِ شروطِ أيِّ اتفاقٍ نهائي تبرمه.
كابوس صائدِ الرقائق
قبل نحو عشر سنين، وقبل أن يدخل “تشات جي بي تي” (ChatGPT) إلى الوعي العام بوقتٍ طويل، كانَ قادةٌ خليجيون شباب مُتمرِّسون في التكنولوجيا في أبوظبي والرياض يراهنون على أنَّ الذكاء الاصطناعي سيكون مفتاحَ تنويعِ اقتصاداتهم بعيدًا من النفط. ففي العام 2017، أنشأت الإمارات أول وزارة للذكاء الاصطناعي في العالم، وبعدها بعام أطلقت شركة الذكاء الاصطناعي المدعومة من الدولة “مجموعة 42″ (G42). وسرعان ما كانت من أوائل الدول التي دمجت الذكاء الاصطناعي في خدماتها الحكومية، وأنشأت جامعة مُتَخصِّصة به، وطوّرت نماذج لغوية باللغة العربية، وأطلقت صندوقًا استثماريًا ضخمًا مُخَصَّصًا لدعم هذا القطاع. ووفقَ تقريرٍ ل”مايكروسوفت” صدر في تشرين الثاني (نوفمبر)، تتصدّرُ الإمارات اليوم دول العالم في معدّل اعتماد الذكاء الاصطناعي، استنادًا إلى نسبة السكان في سنِّ العمل الذين يستخدمونه شهريًا.
وفي الفترة نفسها، بدأت السعودية في العام 2016 بضخِّ مليارات الدولارات في شركات تكنولوجيا أميركية مثل “أوبر” (Uber)، ثم أخذت تدمج الذكاء الاصطناعي في مشاريعها التنموية الكبرى، من جامعتها البحثية الرائدة إلى شركة النفط الوطنية، لتضع الأُسُس الأولى لاقتصادٍ سعودي أكثر ابتكارًا وارتكازًا على المعرفة.
غير أنّ هذا المسار لم يكن خاليًا من العقبات. فبعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي في العام 2018 على أيدي أجهزة الأمن السعودية، بدأ بعضُ شركات وادي السيليكون يتردّد في التعاون مع حكومات الخليج. وفي الوقت نفسه، اقتحمت الصين السوق بقوة، مُقدِّمةً حلول الجيل الخامس والخدمات السحابية بأسعارٍ مُنافِسة، مُعتمِدةً في ذلك على شرائح “هواوي”، ما جعل هيمنتها على مشهد الذكاء الاصطناعي في المنطقة تبدو وشيكة.
لكن أواخر العام 2022 حملت تحوُّلًا مهمًّا؛ فقد كشف النجاح العالمي لـ”تشات جي بي تي” أنَّ الولايات المتحدة ما تزال في مقدّمة سباق الذكاء الاصطناعي، ما أعادَ جاذبيتها كشريكٍ تكنولوجي أول. وفي العام 2023، فرضت واشنطن قواعدَ أكثر صرامة على تصدير الشرائح/الرقائق المُتقدِّمة، تشترطُ على أيِّ دولة ترغب في الحصول عليها الابتعاد عن الشركات الصينية الخاضعة للعقوبات، وعلى رأسها “هواوي”. وقد استقبلت دول الخليج الرسالة بوضوح، فبدأت “G42” —التي كانت ترتبط سابقًا بشبكة واسعة من الشركات الصينية— تفكيك منظومات “هواوي” واستبدالها تدريجًا.
وقد أعادت صفقات الذكاء الاصطناعي التي دفعت بها إدارة ترامب إشعالَ نقاشٍ واسع في واشنطن حولَ كيفيّة الحفاظ على التفوُّق التكنولوجي الأميركي. فأنصارُ تشديد الضوابط على أشباه الموصلات يجادلون بضرورة حصر تصدير الشرائح المتقدمة بحلفاءٍ موثوقين وشركات أميركية في الخارج فقط، مخافة أن تقعَ التقنيات الحساسة في أيدي خصوم الولايات المتحدة أو تُستَغَلَ من أنظمةٍ استبدادية. كما يُعارضون بيع الرقائق المُتطوّرة إلى الخليج نظرًا للروابط التكنولوجية والعسكرية التي تربط المنطقة بالصين. ووفقًا لأنصار تشديد الضوابط على الرقائق الإلكترونية، يُمكن للولايات المتحدة أن تكونَ انتقائية في صادراتها، لأنَّ الصين لا تستطيع حتى الآن تقديمَ بديلٍ مُجدٍ من الرقائق الأميركية على نطاق واسع.
على الجانب الآخر من النقاش، يقف المُؤيدون لنظرية “الانتشار” (diffusion)، الذين يُؤكّدون أنَّ الفوزَ في سباق الذكاء الاصطناعي يعتمدُ على تبنّي الدول الأخرى لأدوات الحوسبة والسحابة والوكلاء الأميركية وتشغيلها. ويُحذّرُ المُؤيدون من أنَّ الإفراط في تنظيم الذكاء الاصطناعي سيُعيقُ الشركات الأميركية. ويرون أنَّ انتشار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأميركية أمرٌ حتمي ومُرغوبٌ فيه، ويُقلِّلون من مخاطر سرقة الرقائق. تُمثّلُ صفقات ترامب مع دول الخليج فوزًا كبيرًا لمُؤيّدي نظرية الانتشار. على الرُغم من أنَّ صفقات الذكاء الاصطناعي بدأت في عهد إدارة جو بايدن، إلّا أنَّ إدارة ترامب قامت بتضخيمها وتخلّت عن القيود التي فرضتها إدارة بايدن على صادرات أشباه الموصلات.
الشيطان يَكمُنُ في التفاصيل
في هذه المرحلة، تبدو فوائد تعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي مع دول الخليج أكبر بكثير من المخاطر، التي تبقى في معظمها قابلة للإدارة. فهذه الاتفاقيات يمكن أن تدعم مسار التنويع الاقتصادي في السعودية والإمارات، وفي الوقت نفسه تمنح الولايات المتحدة أفضلية استراتيجية في منافسة القوى الكبرى، من خلال تقليص حضور الصين كشريك تكنولوجي أول في المنطقة.
وتبرز أمام واشنطن فرصة إضافية لا تقل أهمية: توسيع نطاق حضورها العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي. فشبكات دول الخليج الممتدة في أفريقيا وآسيا —عبر شراكات مع شركات أميركية أو اعتمادًا على التكنولوجيا الأميركية— قد تفتح أبواب أسواق نادرًا ما تصل إليها الشركات الأميركية بمفردها، سواء بسبب ضعف البنى التحتية الرقمية أو جاذبية العروض الصينية الأرخص (ولو الأقل تطورًا). وقد تخطّت الإمارات بالفعل الصين لتصبح أكبر مستثمر في أفريقيا، ما يتيح للمبادرات الأميركية–الإماراتية المشتركة فرصة لنشر المعايير الأميركية للذكاء الاصطناعي وتوسيع فوائده إلى الأسواق التي لا تحظى بالخدمات الكافية.
لكن مخاطر التسريب تبقى حاضرة، ومن الضروري معالجتها الآن بينما لا تزال تفاصيل الاتفاقيات قيد التفاوض، وكثير من الشحنات ما زال بانتظار موافقة وزارة التجارة الأميركية. وينبغي أن تتضمّن هذه الاتفاقيات بنودًا واضحة تُلزِمُ مشتري الشرائح بحماية التكنولوجيا الأميركية الحساسة ومنع وصولها إلى الأجهزة أو الموظفين المُرتبطين بجهاتٍ مُثيرةٍ للقلق، وعلى رأسها “هواوي”. وتكتسبُ هذه الشروط أهمية خاصة عندما يتعلّق الأمر بشركاتٍ غير أميركية لا تخضع للرقابة نفسها التي تفرضها واشنطن على مؤسّساتها المحلية. كما يتعيّن على الولايات المتحدة توضيح أنَّ أيَّ تعميقٍ للتحالفات العسكرية أو التكنولوجية مع الصين سيُعرِّضُ هذا التعاون المُتقدِّم للخطر المباشر.
من حقّ الولايات المتحدة أن تطلُبَ من شركائها الحدّ من تعاونهم في مجال الذكاء الاصطناعي مع منافسيها، خصوصًا في ما يتعلق بالتقنيات ذات الاستخدام المزدوج —أي الأنظمة التي يمكن توظيفها مدنيًا وعسكريًا في آن، مثل الطائرات المسيّرة والأقمار الاصطناعية. فالولايات المتحدة لا تريد أن تجدَ تقنياتها المُتقدِّمة مُستَخدَمة ضد قواتها في أيِّ نزاعٍ مستقبلي. ومع ذلك، ينبغي أن تُحدَّد هذه القيود بدقة في المجالات التي تُشكِّلُ مصدرَ قلقٍ فعلي، أي تلك التي قد تُضعِفُ التفوُّق العسكري الأميركي، وأن تكون مفهومة بوضوح من الطرفين. كما على صنّاع القرار إدراك المخاطر المُحتَملة الناتجة عن لجوء بعض دول الخليج —بحكم قوانينها وأنظمتها وأولوياتها— إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في القمع الداخلي أو التدخل الخارجي. لكن في النهاية، لا تحتاج هذه الدول إلى شرائح متقدمة للقيام بذلك، وستظلّ واشنطن مضطرة لإدارة هذه الهواجس سياسيًا، تمامًا كما تفعل في مجالات التعاون الأخرى خارج الفضاء الرقمي.
وفي موازاة ذلك، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تُولي اهتمامًا خاصًا لاحتمال إساءة استخدام الحوسبة السحابية. فالمشكلة تنشأ عندما تستأجر جهاتٌ خاضعة للعقوبات الأميركية إمكانية الوصول عن بُعد إلى موارد حوسبية مخصّصة للذكاء الاصطناعي عبر الحوسبة السحابية، غالبًا من خلال واجهاتٍ تُخفي هوية المستخدم، بما يتيح لها تشغيل الرقائق من دون امتلاكها. وهذه ظاهرة عالمية تتطلَّبُ من واشنطن أن تضمنَ تضمين الاتفاقيات بنودًا تُلزِمُ شركات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات الخليجية التي تعتمد على شرائح أميركية بمُراقبة أيِّ نشاطٍ مُريب والإبلاغ عنه بالقدر نفسه من الصرامة والسرعة المُتَوَقَّعة من نظيراتها الأميركية.
تمتلك الولايات المتحدة ما يكفي من النفوذ لفرض هذه الشروط، وعليها أن تكون مستعدة لاستخدامه عند الضرورة. فالرقائق التي تُشغِّل أنظمة الذكاء الاصطناعي تحتاجُ إلى التحديث والاستبدال كل بضع سنوات، ما يمنح واشنطن ورقةَ ضغطٍ قوية. وإذا خالفت السعودية أو الإمارات بنود أيِّ اتفاقٍ نهائي، يمكن للولايات المتحدة ببساطة تعليق شحنات أشباه الموصلات. لكن استخدام هذا الخيار يجب أن يبقى خطوةً أخيرة لا يُلجأ إليها إلّا عند الاستعصاء.
ومن خلال تعيين سفراء في أبوظبي والرياض وباقي عواصم الخليج، تستطيع إدارة ترامب الحفاظ على قنوات اتصال ديبلوماسية تسمح بتبديد الخلافات التقنية قبل تفاقمها. كما سيكون من الضروري توسيع دور مكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة، المسؤول عن الإشراف على صادرات الرقائق، إضافةً إلى تعزيز التعاون بين وكالات الاستخبارات الأميركية وشركات التكنولوجيا —محلّية ودولية— لضمان امتثال الشركاء العالميين للقواعد المُتَّفَق عليها.
أكثر من مجرّد دولٍ نفطية
ولكي تُحقِّقَ اتفاقيات الذكاء الاصطناعي الدولية فائدةً طويلة الأمد للولايات المتحدة، يجب تصميمها بطريقةٍ تُكمل صناعة الذكاء الاصطناعي المحلية ولا تُقوِّضها. وهذا يعني أنَّ على السعودية والإمارات الإسراع في تنفيذ استثماراتهما الموعودة في البنية التحتية الأميركية الخاصة بالذكاء الاصطناعي. ويعني أيضًا أنَّ على واشنطن التحرُّك بسرعة لبناءِ قدراتٍ داخلية مُوازية، من خلالِ تَسهيلِ إجراءات الترخيص وزيادة الإنتاج المحلي للطاقة. فمشاريع الخليج تستفيدُ اليوم من انخفاضِ تكاليف الطاقة وتخفيف القيود، بينما ستعتمدُ قدرةُ الولايات المتحدة على تلبيةِ جُزءٍ كبير من الطلب العالمي على الذكاء الاصطناعي على قدرتها في توليد جيغاوات إضافية من الكهرباء التي تحتاجها هذه التقنيات.
في نهاية المطاف، سيعتمد نجاح أي صفقة في مجال الذكاء الاصطناعي على قدرة صنّاع القرار على كسبِ ثقة الرأي العام الأميركي. فقد أُبرِمَت الاتفاقيات مع السعودية والإمارات على عجل وفي اجتماعاتٍ مُغلقة، في وقتٍ كان بعض أقارب كبار المسؤولين الأميركيين يعقدون صفقاتٍ عقارية ومشاريع مُرتبطة بالعملات المشفّرة مع دول الخليج، ما أثارَ شكوكًا داخل الولايات المتحدة. وإذا بدأ الأميركيون ينظرون إلى هذه الشراكات بوصفها مشبوهة أو ملوّثة بالمصالح الخاصة، فقد يُهدّد ذلك استدامتها ويُغذّي موجةً من الرفض الشعبي للذكاء الاصطناعي ذاته. كما إنَّ الشخصيات المُنخرطة في هذا المسار —من مسؤولين في إدارة ترامب إلى قادةٍ خليجيين ورموز من وادي السيليكون— تُثيرُ انقسامًا واسعًا في الداخل الأميركي. لذا سيكون من الحكمة أن يحرصَ صانعو السياسات على صياغة هذه الاتفاقيات وتنفيذها بعناية، وأن يطرحوا تفاصيلها للرأي العام بشكل شفاف لحشد الدعم الضروري لها.
وتبقى هناك تحديات أخرى على الطريق. فدول الخليج مُطالَبة بإثبات قدرتها على بناء مراكز بيانات عملاقة، وتوفير خدمات ذكاء اصطناعي بأسعارٍ تنافُسية، وخلقِ طلبٍ فعلي على القدرات الحاسوبية التي تُطوِّرها. كما يتعيّنُ عليها اجتياز التقلّبات المُحتَملة في السوق التي قد تُبطئ وتيرة الاستثمار والتشييد في هذا المجال. ومع ذلك، فإن تمكّنت واشنطن مع شركائها الخليجيين من تحقيق مستوى التعاون المنشود في الذكاء الاصطناعي، فقد يضع المنطقة أمامَ نقطةِ تحوُّلٍ تاريخية: انتقالُ دول الخليج العربية من دولٍ تعتمد تقليديًا على النفط إلى دولٍ تلعبُ دورًا عالميًا ورائدًا ومؤثّرًا في التكنولوجيا المتقدّمة. وفي المقابل، يمكن للولايات المتحدة أن تُرَسِّخَ مُجَدَّدًا موقعها بوصفها الشريك الإقليمي المُفضّل في أكثر تقنيات هذا العصر تأثيرًا.
- دانيال بنعيم هو زميل مشارك في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وقد شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية خلال إدارة جو بايدن.
- يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفِّيرز” الأميركية.




يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.