عون قد يكونُ رافِعةً للقوى الأجنبية في لبنان، لكن هذا ليس بالأمرِ السَيِّئ الآن

مايكل يونغ*

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية في لبنان مفاجئًا على الإطلاق. في الأشهر الأخيرة، أدّى الوضع السياسي في لبنان وسوريا إلى دفع الدول الإقليمية والدولية الكبرى المهتمّة بشؤون لبنان إلى التوصُّلِ إلى إجماعٍ على أنَّ ما هو مطلوب هو رئيس دولة يعكس الحقائق الجديدة في البلاد.

لا شك أنَّ الرئيس الجديد سيكون لديه الكثير على طبقه. والأهم من ذلك، أنه سيضطر إلى التعامل مع طبقةٍ سياسية تنظر إليه بحذر، نظرًا لأنه يتمتّع بنفوذٍ على المؤسسة الوطنية الوحيدة التي لا يسيطرُ عليها الساسة الطائفيون حقًا: الجيش. وما يقلقهم أكثر هو أن عون سيستفيد أيضًا من نفوذ الدعم العربي والأجنبي.

مع ذلك، هناكَ روايةٌ أوسع نطاقًا رافقت صعود عون وانتخابه، وهي رواية تُخبرنا بالكثير عن لبنان نفسه وخلله الخطير – وهو الخلل الذي قد تكون له في نهاية المطاف آثارٌ وجودية على الدولة اللبنانية.

كان هذا الخلل واضحًا في حقيقةِ أنَّ لبنان يجد نفسه اليوم تحت وصايةٍ أجنبية فعلية. لقد فُرِضَ عون من قبل مجموعة الاتصال المكوَّنة من خمس دول والتي كانت مُنخرطة لمدة عامين في محاولةِ إقناعِ اللبنانيين بانتخاب رئيس. تتكوّن المجموعة من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وقطر ومصر. في الأسبوع الفائت، كان المبعوثون السعوديون والأميركيون والفرنسيون في بيروت يعلنون تأييدهم لانتخاب العماد عون.

في حين كان هناك الكثير من التعليقات حول حقيقة أنَّ رئيس مجلس النواب نبيه بري و”حزب الله”، وكذلك رئيس حزب “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، قد لا يدعمون عون، إلّا أنَّ معظم هذا كان مجرّد ضجيج. كان من الواضح منذ البداية أنه إذا كانت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تدعمان قائد الجيش، فلن يكون هناك الكثير مما يمكن لمنافسيه المحلّيين فعله لمنع انتخابه، نظرًا للنفوذ الذي تتمتع به مجموعة الدول الخمس على لبنان الضعيف. كل ما يمكن للمعارضين فعله هو اللعب بقوة من أجل انتزاع تنازلات للموافقة على انتخاب عون.

لقد كان هذا الضعف اللبناني نتيجةً طبيعية لقادةٍ سياسيين وأحزاب دفعوا بلادهم بشكلٍ مُطرد إلى طريقٍ مسدود وخراب، في حين سمحوا ل”حزب الله” بالدخول في صراعٍ مُدمِّرٍ مع إسرائيل.

كان لبنان مُفلسًا ماليًا واقتصاديًا طيلة السنوات الخمس الماضية، ولم يبذل الحكم آنذاك أيَّ جهدٍ لإدخالِ الإصلاحات، حتى مع حثِّ المنظمات الدولية مرارًا وتكرارًا للسياسيين على القيام بذلك. وحتى لو ظلّت البلاد تحت أعين الأجانب في أبعادها السياسية والأمنية ــسواء من إيران أو مجموعة الدول الخمس ــ فإنَّ اقتصادها كان محلَّ تدقيقٍ من جانب المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وفي هذا السياق، يمكننا أن نفترضَ أنَّ عون، على الرُغم من مصداقيته، سوف يدفع ثمن التخلّي المتهوّر عن سيادته السياسية والمالية. سوف يضطر الرئيس الجديد إلى تنفيذ خريطة طريق سيقدّمها له داعموه الأجانب. وهذا يشمل تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي يدعو إلى نزع سلاح “حزب الله” جنوب نهر الليطاني، وربما قرار الأمم المتحدة رقم 1559، الذي يسعى إلى نزع سلاح جميع الجهات الفاعلة غير الحكومية في لبنان.

وإذا فشل عون في القيام بذلك، فسوف تحتفظ إسرائيل بخيار التدخُّل بنفسها. ولكن كل ما يعنيه هذا هو أنَّ لبنان يظل دولة ضعيفة وتابعة لا تستحق ما هو أفضل من السيطرة الأجنبية بحكم الأمر الواقع. ولا يريد عون ولا الطبقة السياسية أن يحدث ذلك، لأن أكبر مخاوف هذه الطبقة هو رؤية سياسات مفروضة عليها من الخارج تؤدي إلى تآكل سيطرتها.

وفي هذا الصدد، قد لا يكون أمام عون خيار سوى الضغط بقوة أكبر من أجل الإصلاحات الاقتصادية أيضًا. فقد دقت المؤسّسات المالية الدولية ناقوس الخطر بشأن الاقتصاد النقدي في لبنان، وبدون إصلاحات فمن المشكوك فيه أن تساعد دول أخرى في تمويل إعادة إعمار لبنان بعد الصراع مع إسرائيل. ومن غير المرجح أن يقف الجمهور الفقير إلى حد كبير إلى جانب الطبقة السياسية التي منعت جميع التدابير التي تساعد على تعويضهم عن خسائرهم من الانهيار المالي في العام 2019.

إنّ فوزَ عون هو في واقع الأمر فوزٌ للمؤسّسة التي كان يرأسها حتى الأسبوع الماضي: الجيش. وعندما تنظر البلدان إلى لبنان، فإنها ترى مؤسّسة وطنية واحدة تمكّنت إلى حدٍّ ما من مقاومة تعفّن الخدمة المدنية، في حين احتفظت بدعمٍ طائفي واسع النطاق. وربما يفسّر هذا لماذا تم اختيار قائد الجيش آخر مرة أخرى كرئيس، في حين يُنظَر إلى السياسيين المدنيين باعتبارهم مرشحين ضعفاء وأقل قواسم مشتركة للرئاسة.

ماذا يحمل المستقبل للدولة اللبنانية؟ إنَّ النظامَ الذي بدأ بعد الحرب الأهلية في العام 1990 لم يكن في الواقع أكثر من مجرّدِ نقلٍ للهيكل السياسي للحرب الأهلية إلى وقت السلم. وعلى النحو عينه الذي أدار به زعماء الميليشيات لبنان أثناء الصراع، فقد فعلوا ذلك بعد انتهائه ــ في هذه العملية قسّموا فطيرة الدولة في ما بينهم ونهبوا مواردها المحدودة.

قد لا يكون الرئيس الجديد قادرًا على تغيير هذا الواقع بشكلٍ جذري، ولكنه قد يُصبحُ رافعةً تسمحُ للرُعاة الخارجيين الذين أُعيدَ إشراكهم في لبنان بفَرضِ بعضِ التغيير في النظام السياسي والمالي في البلاد. إنَّ نجاحه أو فشله مسألة أخرى، ولكن استمرار وجود لبنان سوف يكون مُهدَّدًا إذا استمرَّ الوضع الراهن. فالبلاد تفقد شبابها بوتيرةٍ مذهلة، وهو نزيفٌ لا يمكن لأيِّ بلد أن يتحمّله طويلًا.

ورُغم أن انتخاب العماد عون كان مشجّعًا، إلّا أنه كشف عن السخط العميق في لبنان. فاليوم لا يوجد في البلاد ما يشبه السيادة، وسوف يتحدّدُ مستقبلها إلى حدٍّ كبير من قبل الغرباء. وبالنسبة إلى العديد من اللبنانيين، قد يكون هذا بمثابة راحة، حيث أنَّ أولئك الذين يسيطرون على السياسة قد استنزفوا موارد البلاد وخيراتها حتى جفّت، وسرقوا مدّخرات الناس، وجرّوا لبنان إلى حروب غير ضرورية. يتعيّن على البلاد أن تجد طريقها للخروج من هذا الوضع المُزري بسرعة إذا كانت تريد البقاء.

هل يستطيع الرئيس عون أن يُحقّقَ هذا؟ نظرًا للعقبات العديدة التي سيواجهها، فلا يسعنا إلّا أن نأمل.

  • مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى