… ومِنَ الفَنِّ ما أَدهَش

هنري زغيب*
من الفن ما هو في الطبيعة، ومنه ما هو منها، ومنها ما يعود إِليها.
في مدن عدة من العالم مجموعة تماثيل جعل نحاتوها الطبيعةَ مرتعًا لها لأَنها نابعة منها وعائدة إِليها، فانتصبت في الأَماكن العامة والساحات العامة والفسحات العامة بهجةً للناظرين، حوَّلَت الكآبة والوحدة إِلى مناظر نابضة بالحياة بل بالمفاجآت لمرآها مغروزة هنا وهناك كأَنها ولدت من الأَرض أَو انزرعت فيها من زمان بحجمها الكبير، في لمسة إِبداعية تفوق الخيال أَحيانًا، ما يدل على أَن الفن يدهش غالبًا بعبقرية فنانيه.
هنا نماذج من تلك الروائع النحتية الغريبة.

- ملقط الثوب
في باحة واسعة من حديقة عامة في لياج (بلجيكا)، ينتصب تمثال كبير ضخم لملقط الثوب كأَنه، بدل الثوب، يلتقط بين فكَّيه كتلة من الأَرض عالية. وهو من إِبداع النحات التركي محمد علي أُوِيْسال، وهو وُلد سنة 1976 في مدينة ميرسين (تركيا)، خريج معهد الفنون الجميلة في أَنقرة. يتنقل حاليًا بين باريس وأَنقرة، ويشتهر بأَعمالٍ عن المنظور واللا منظور، وعن الزمن وعناصر الطبيعة وقوانينها، وتتميز أَعماله بحجمها الضخم، من هنا أَنها موجودة غالبًا في الساحات العامة. ومن أَبرز أَعماله هذا “الملقط” بفكرته الغريبة أَن يكون شيئًا مهمَلًا في العادة لا ينتبه إِليه أَحد، حوَّلَه هذا الفنان إِلى عمل فني يلفت النظر ويستأْثر بالإِعجاب.
- الكف السخية
هي منحوتة كبيرة جدًّا في مدينة غلاروس السويسرية، وضعها سنة 2004 النحات بِيْت هوبِر (م. 1956) والنحاتة إِيفا أُوِيرْتْلي (م. 1964). وهي كفٌّ صخرية ضخمة بيضاء غارقة في التربة، أَصابعها مرفوعة في الهواء تحتضن في وسطها شجرة عملاقة تبدو كأَنها ليست طالعة من التربة بل من الكفّ ذاتها. وفي رمزيتها أَنها صورة الحنان في العلاقة بين الإِنسان والطبيعة.

- كرة الريشة
لدى متحف نلسون للفنون في مدينة كانساس (ولاية ميزوري الأَميركية)، كرة ريشة ضخمة جدًا هي التي، في حجمها الطبيعي العادي، بلاستيكية يستعملها لاعبان متواجهان يتناقلانها فوق شبكة على طاولة. تمثالها الضخم بالأَلمينيوم وضعه سنة 1994النحاتان: الأَميركي السويدي الأَصل كلايس أُولْدِنْبُرْغ (1929-2022) وزوجته الأَميركية الهولندية الأَصل كوج فان بْرُوغِن (1942-2009). وفي هذه المنحوتة الضخمة تبدو ريشاتها كأَنها مظلَّة كبرى تبلغ الريشة الواحدة منها نحو خمسة أَمتار ونصف المتر، ويبلغ وزنُها نحو 2200 كلغ.

- النافذة والسلَّم في الهواء
منحوتة غريبة فعلًا، وضعها سنة 2008 النحات الأَرجنتيني لياندرو إِرليش (م.1973) لنافذة يرتقي إِليها سلَّم أَبيض يتكئ على جدار قرميدي في الهواء فوق حقل غير واضح المعالم. سماها “النجدة تأَخَّرَت”، وهي موجودة لدى متحف خاص في مدينة نيو أُورلينْزْ (ولاية لويزيانا الأميركية).

- العطاء
منحوتة ضخمة وضعها النحات الإِيطالي لورنزو كوين (م. 1966). وهو ابن الممثل الشهير أَنطوني كوين، بدأَ مع والده في حقل التمثيل لكنه تخلَّى عنه لينصرف إِلى النحت. والمنحوتة هي من كفَّين كبيرتين صخريتين تحتضنان شجرة نابتة صغيرة، ترمز إِلى الحنان الموجود في الطبيعة حيال نبتاتها وأَشجارها وعناصرها الحية التي تحتاج إِلى حنان وعناية.

- المقلاع والمقعد
والمقلاع عادة يكون صغيرًا يلهو به الأَولاد. لكنه مع النحاتة الأَلمانية كورنيليا كونرادس (م. 1957) خرج هائل القياس، لمقعد خشبي يربطه شريطان أَحمران بمقلاع كبير من غصنين سميكين، كأَنه يتهيَّأُ ليقذف بالمقعد بعيدًا.

- الدبُّوس
لدى المتحف الصغير في سان فرنسيسكو منحوتة كبيرة تمثل دبوسًا ضخمًا، وضعها سنة 1999 كلايس أُولْدِنْبُرغ (واضع منحوتة “كرة الريشة أَعلاه)، ما يدل على خياله البعيد في التعبير.

- السحابة
منحوتة كبيرة وضعها النحات الياباني ياسوهيرو سوزوكي (م. 1979)، ترمز إِلى سحابة كبيرة تنفتح على التربة في الأَرض، يبدو منها جاريًا جدول ماء.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.