هل يُصبحُ جوزيف عون رئيسًا للجمهورية في لبنانً؟
مايكل يونغ*
في الأسبوع الفائت، أعلنت كتلة “اللقاء الديموقراطي” في البرلمان اللبناني، والتي يقودها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، أنها ستدعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية في لبنان. قبل أسابيع عدة، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنَّ المجلس النيابي سيعقد جلسةً انتخابية في التاسع من كانون الثاني (يناير) 2025 لإنهاءِ الشغور الذي دام 21 شهرًاً في منصب رئاسة الجمهورية.
إذا انتُخِبَ الجنرال عون، فلن يكونَ ذلك مُفاجئًا. فمنذ اللحظة التي تمكّنت فيها الولايات المتحدة من فَرضِ اتفاقِ وقف إطلاق النار في لبنان في تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي كان في الأساس اتفاقَ استسلامٍ فُرِضَ على “حزب الله” لإنهاءِ هجوم إسرائيل على البلاد، أصبح من الواضح أنَّ واشنطن سيكون لها رأيٌ رئيس في كل ما يجري في البلاد في أعقاب ذلك، سواء أرادَ اللبنانيون ذلك أم لا. والجانبُ المركزي من هذا هو اختيارُ رئيسٍ جديد للجمهورية.
إنَّ اتفاقَ وقف إطلاق النار، الذي تفاوض عليه المبعوث الأميركي آموس هوكستين، فَرَضَ آليةَ تنفيذٍ لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي صدر في العام 2006 لإنهاء الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل في ذلك الوقت. وقد وسّعَ الاتفاق اللجنة اللبنانية-الأممية-الإسرائيلية لتشمل أيضًا الولايات المتحدة وفرنسا، ويقودها الآن جنرال أميركي. كما أعطى الاتفاقُ إسرائيل الحقَّ الضمني في ضرب أسلحة “حزب الله” داخل لبنان إذا فشل الجيش اللبناني في نزع سلاح الحزب بناءً على طلبِ اللجنة.
إنَّ النتيجة المنطقية من هيكلِ التنفيذ هذا هي ضمان حصول الجيش اللبناني على الحرّية اللازمة لضمانِ الامتثال للقرار رقم 1701 وملء الفراغ الذي سيتركه “حزب الله” الضعيف. ولعلَّ أفضل طريقة للقيام بذلك، كما يشعر الأميركيون، هي التأكُّد من أنَّ الجنرال عون، الذي تجاوز سن التقاعد (ولكنه شهد تمديد ولايته مرّتين)، سيظلُّ في موقعِ قوّة.
على مرِّ السنين، برز الجيش كمركزٍ نادر للوضع الطبيعي والإجماع في دولةٍ لبنانية مُختَلّة إلى حدٍّ كبير. كان الجنرال جوزيف عون هو أحد الأسباب وراء تحقيق هذا، نظرًا لما يتمتّع به من نزاهةٍ شخصية واستقلاليةٍ ورأيٍ حازم، ولحقيقة أنه يُنظَرُ إليه باعتباره “جنديًا للجندي”.
مع ذلك، فمن الصحيح أيضًا أنَّ الزعماءَ السياسيين الطائفيين، فضلًا عن “حزب الله”، ليسوا حريصين على رؤية مثل هذه الشخصية في السلطة. تقليديًا، كان الساسة في لبنان حذرين من قادة القوات المسلحة، وخصوصًا لأنَّ هؤلاء القادة يمكنهم الاعتماد على الجيش، وهي مؤسسة قوية يُمكن أن تُوازِنَ نفوذ أهل السياسة. ولكن لأنَّ القوات المسلحة تحظى بشعبيةٍ كبيرة، فإنَّ قِلّةً من الساسة أو الأحزاب تُعارضُ القائد علنًا.
علاوةً على ذلك، تنظرُ الأحزاب المارونية الرائدة، وخصوصًا “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، إلى الجنرال عون، باعنباره تهديدًاً. وهي تخشى أن يتمكّنَ الجنرال من التهام قاعدتها الشعبية. ومن المرجح أن يشعر سمير جعجع، زعيم “القوات اللبنانية”، بأنه أقلُّ تهديدًا إلى حدٍّ ما من منافسه جبران باسيل، الذي ترتبط قاعدته السياسية بروابط عضوية أكبر بالجيش، وبالتالي فمن المرجح أن يميلَ نحو تأييد قائد الجيش.
ماذا عن “حزب الله”، الذي طالما كان يُنظَرُ إليه على أنه مُعارِضٌ لرئاسة عون؟ إنَّ ما يُشيرُ إلى تآكل قوة الحزب هو أنه يبدو الآن أكثر استعدادًا لقبول ترشيحه. أخيرًا، التقى أحد مسؤولي الحزب، وفيق صفا، بالقائد، وظهرت نتيجة ذلك روايتان متناقضتَين لما خرج من الاجتماع.
الرواية الأولى، والتي شجّعها القائد نفسه على ما يبدو، كانت أنَّ الاجتماعَ سارَ بشكلٍ سيّئ، وأنَّ الجنرال عون اتّخذ موقفًا مُتشدّدًا مع صفا. لا شك أنَّ القائد كانت له مصلحة في أن تصلَ هذه الرواية إلى آذان الأميركيين، لأنَّ هذا من شأنه أن يُساعدَ على إقناعهم بأنهم يتّخذون الخيار الصحيح في دعمه.
والرواية الثانية، نشرها سياسيون مُقرَّبون من الكتل البرلمانية المُعارضة ل”حزب الله”، أنَّ الاجتماعَ سار على ما يرام وأنَّ “حزب الله” طلب من الجنرال عددًا من الالتزامات، فوافقَ عليها.
من الصعب أن نعرفَ ما حدث بالفعل. لكن من المشكوك فيه أن يكونَ القائد، الذي حافظَ على علاقةٍ جيدة مع “حزب الله”، حتى مع فرضه أولوياته على الحزب عندما تطلّبَ الأمر ذلك، قد عقد اجتماعًا سيّئًا مع صفا. وفي الوقت الذي يحتاج إلى إجماعٍ واسعِ النطاقِ لتعديل الدستور قبل انتخابه (وهو شرطٌ، لأنه موظف حكومي من الدرجة الأولى)، فإنَّ الدخولَ في نزاعٍ مع الحزب لا معنى له الآن.
وقد اقترح المراقبون أنَّ العقبة الوحيدة المُتبَقّية أمام انتخاب القائد هي برّي، الذي يُقال إنه يُعارِضُ هذه الخطوة. وهذا أمرٌ غير مُحتَمَلٍ إلى حدٍّ كبير. يتمتّع بري بالمكر والدهاء السياسيين ويعلمُ أنه إذا دعمت الولايات المتحدة الجنرال عون، الذي يتمتع أيضًا بعلاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية، فإنَّ صفقةً شاملة لجلب الجنرال إلى السلطة ستُفرَضُ على لبنان. كل ما يريد رئيس مجلس النواب ضمانه هو أن يتمكّنَ من انتزاعِ وعود من جانبه لتسهيل انتخاب الجنرال.
علاوةً على ذلك، لم يكن جنبلاط ليؤيد القائد لو كان يعلم أنَّ بري يُعارضه بشدة. لقد حافظ رئيس البرلمان وجنبلاط منذ فترة طويلة على علاقات استراتيجية سياسية، وجنبلاط لن يُعرِّضَ هذه العلاقة للخطر.
من المُبكِر للغاية أن نفترضَ أن فوز الجنرال عون مضمون. فما زالت هناك عقباتٌ تحتاجُ إلى التغلّب عليها، حيث ستسعى كل الأطراف إلى تحقيقِ أقصى استفادة من التوصُّل إلى اتفاقٍ بشأن الرئاسة. لكن ما هو صارخ هو أنه لا يُوجدُ مرشحون آخرون واضحون لديهم القدرة على حشد وضمان الغالبية. ولا يبدو من المناسب، في أعقاب الحرب الأخيرة والتغيّرات الإقليمية الضخمة في الشهرين الماضيين، الاعتماد على مُرشّحِ إجماعٍ ضعيف لن يؤدّي إلّا إلى ضمان استمرار الوضع الراهن في لبنان.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.