لماذا الحرب الشاملة بين إسرائيل و”حزب الله” ليست حتمية

لينا الخطيب*

كلُّ صراعٍ يُولِّدُ اهتمامَ الرأي العام يُثيرُ تكهُّناتٍ حول ما قد يَحدُثُ جَرّاءه وبعده. يَعرُضُ البعضُ سيناريواتٍ مُرعِبة؛ ويستخدمُ آخرون التخويف كتكتيكٍ ديبلوماسي على أملِ أن يؤدّي عَرضُ أسوَإِ السيناريوات على صُنّاعِ القرار في المجتمع الدولي إلى حثِّ هؤلاء القادة على التحرّك لعمل شيءٍ ما.

بعدَ التصعيدِ الأخير بين “حزب الله” وإسرائيل، هناكَ مَيلٌ لدى مراقبين دوليين عديدين إلى الإفتراضِ بأنَّ الحربَ الشاملة باتت وشيكة. لكنَّ مَيلي في هذا الوضع مُغايرٌ: التصعيدُ لا يعني تلقائيًا أنَّ الحربَ الشاملة حتمية.

إنَّ إحدى المآسي في لعبة “هل سيفعلون أم لا” التي تدور بين إسرائيل و”حزب الله” هي أنها تُحَوِّلُ الانتباهَ عن فلسطين. إنَّ معركةَ “حزب الله” مع إسرائيل لا تدور حول مساعدة الفلسطينيين، أو حتى “حماس”، بل إنها تدورُ حولَ السعي إلى الحفاظ على ذاته. كان بوسع الجماعة أن تتدخَّلَ على نطاقٍ واسع في تشرين الأول (أكتوبر) قبل أن تُضعِفَ إسرائيل بشكلٍ كبيرٍ القدرة العسكرية ل”حماس”، لكنها لم تفعل. إنَّ “حزب الله” لن ينخرطَ في حرب شاملة مع إسرائيل إلّا إذا شعَرَ بأنه يواجه تهديدًا وجوديًا (وهو ما لا يحدث في الوقت الحالي). لن يُضَحّي “حزب الله” بنفسه من أجل فلسطين.

هناكَ حاجةٌ مُلِحّة للتعامُل مع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بطريقةٍ واضحة، دقيقة ومدروسة. إنَّ التركيزَ على مسألةِ ما إذا كان التصعيدُ سيؤدّي إلى حربٍ شاملةٍ يخفي الحقائق على الأرض. وكما هي الحال في العديد من المناطق التي مزّقتها الصراعات، فإنَّ الشرق الأوسط غالبًا ما يكون غير قابلٍ للتنبُّؤ أو التَكَهُّن. تميلُ وسائل الإعلام الدولية إلى الميل نحو السيناريوات القصوى –مثل الانزلاق إلى حربٍ إقليمية– كوسيلةٍ لاستباقِ عدم القدرة على التكَهُّن. لكن هذا يمكن أن يؤدّي بنا أيضًا إلى تفويت الشرارة التي أشعلت نارَ قصصٍ كبرى أخرى، مثل الانتفاضات التي بلغت ذروتها في “الربيع العربي”. فبدلًا من الاهتمام بتفاصيل الصراعات والخلافات، ينتهي الأمر بالناس إلى التحريض على الحربِ عن غيرِ قصد.

ولا يساعدُ على ذلك قيامُ إسرائيل و”حزب الله” بحملاتٍ دعائية تُبالِغُ في تصرّفاتهما ونواياهما. وكثيرًا ما تَنقُلُ التصريحات من الجانبين تهديداتٍ مُتصاعِدة تُشيرُ إلى أنَّ الحربَ واسعة النطاق مطروحةٌ على الطاولة. وكثيرون يتذكّرون أيضًا حربَ لبنان في العام 2006 بين “حزب الله” والقوات الإسرائيلية، ويبدو أن بعضهم قد استندَ في فهمهِ للتصعيد الحالي إلى السيناريو السابق، الذي بدأ بعمليةٍ عسكرية ل”حزب الله” وتصاعَدَ إلى صراعٍ واسع النطاق.

لقد عملت إسرائيل مع “حزب الله” على إعادةِ تعريفِ قواعد الاشتباك التي وضعاها ضمنًا بعد العام 2006. وكلٌّ منهما يضربُ في عُمقِ أراضي الآخر. لكن هذا لا يعني أنهما يَتَّجهان نحو اندلاعِ حربٍ إقليمية. إنَّ التصوُّرَ بأنَّ الحربَ الشاملة في الشرق الأوسط يُمكِنُ أن تَندَلِعَ في أيِّ وقتٍ يعكسُ قلقًا أعمق وأصيلًا بشأن ارتباط المنطقة بالصراعات التي تجرُّ بقية العالم (على سبيل المثال، صعود تنظيم “القاعدة” أو تنظيم “الدولة الإسلامية”). في الغرب على وجه الخصوص، يمكن أن يكون القلق بشأن الشرق الأوسط تعبيرًا عن القلق بشأن اضطرار الغرب إلى التدخُّل.

وبينما يمكن أن تحدثَ أخطاءٌ حتى في الأنشطة العسكرية المُنَظَّمة والمُنضَبِطة للغاية، فإنَّ الظروفَ على الأرض تُشيرُ إلى أنَّ احتمالَ اندلاعِ حربٍ شاملة بين “حزب الله” وإسرائيل ــ وخصوصًا الحرب التي من شأنها أن تجرَّ أطرافًا أخرى ــ مُنخَفِضٌ للغاية. في العام 2006، راهَنَ “حزب الله” على أنَّ الحربَ مع إسرائيل من شأنها أن تُفيدَ مكانته السياسية في لبنان، بعد أن اتهمه خصومه السياسيون بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005. في ذلك الوقت، كان لبنان يتمتّعُ أيضًا بدعمٍ اقتصادي من غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، والتي ساعدت على تمويل إعادة الإعمار بعد حرب العام 2006.

“حزب الله” هو اليوم الحزب السياسي الأكثر قوة ونفوذًا في لبنان. إنه لا يحتاجُ إلى حربٍ لتعزيزِ مكانته. ولبنان بدوره يُعاني من أزمةٍ مالية واقتصادية واجتماعية حادة، في حين لم يَعُد جيرانه في الخليج على استعدادٍ لتقديمِ مساعداتٍ له غير مشروطة. وبالتالي فإنَّ الحرب الشاملة مع إسرائيل ستكون مُدمِّرة للغاية ل”حزب الله”. لذا، تُحاولُ المجموعة تجنُّبَ التوجّه في هذا الاتجاه، لكنها في الوقت نفسه تشعر بالضغط للاحتفاظ بمصداقيتها كجهةٍ فاعلةٍ مُعاديةٍ لإسرائيل.

إنَّ الحلَّ الذي اتبعه “حزب الله” لهذه المعضلة كان الانخراط في حربٍ نفسية. قبل عصر وسائل الإعلام الاجتماعية، كانت هذه الحرب النفسية تتخذُ شكلَ تركيبِ لوحاتٍ إعلانية تَعرُضُ رسائلَ تهديدٍ مكتوبة باللغة العبرية على الحدود اللبنانية، على سبيل المثال. اليوم، تُلعَبُ الحربُ النفسية على مسرحٍ عالمي أوسع من أيّ وقتٍ مضى. لقد تبادلَ كلٌّ من “حزب الله” وإسرائيل التهديدات من خلال مقاطع فيديو وتصريحاتٍ تم تداولها عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم.

لكن في السياق الحالي، تُعتَبَرُ الحربُ النفسية بالنسبة إلى “حزب الله” بديلًا مُفَضَّلًا من العمل العسكري. بالنسبة إلى إسرائيل أيضًا، فإنَّ الحرب الشاملة ستكون مُدَمِّرة للغاية وستتسبّبُ في دمارٍ واسع النطاق داخل الدولة العبرية. وهذا هو السبب في امتناع إسرائيل عن التحريض على هذا السيناريو. بدلًا من ذلك، تقوم بهجماتٍ على أهدافٍ ل”حزب الله” لإظهار قدراتها الاستخباراتية والعسكرية المتفوِّقة. وهذا بدوره يعمل كرادعٍ ل”حزب الله”، الذي يعرف أنَّ التعرُّضَ لإسرائيل لن يكونَ مُفيدًا وقد يكون مدمّرًا له إذا كانت هناك حربٌ أوسع.

إنَّ الاحتمالَ المُنخفض للحرب الشاملة لا يعني أننا يجب أن نتجاهلَ أو نُقلّلَ من شأن ما يحدث في الشرق الأوسط. إنَّ بقاءنا مُرَكِّزين على احتمالِ نشوبِ حربٍ أكبر يؤكّدُ أنَّ كلَّ شيءٍ ليس على ما يرام. إنَّ الشرق الأوسط في وضعٍ لا يمكن التنبؤ أو التكهُّنُ بما سيؤول إليه لأنه لا يزالُ يعاني من مشاكل خطيرة، وفلسطين هي قلب هذه المشاكل. وببساطة لا يمكن أن يكون هناك استقرارٌ في المنطقة إلى أن يتمّ حلُّ هذا الصراع.

  • لينا الخطيب هي مديرة قسم الشرق الأوسط في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية التابع لجامعة لندن، وزميلة مشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الأبحاث “تشاتام هاوس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى