التأشيرةُ المُوَحَّدة لدولِ مجلسِ التعاون تُعَزِّزُ السياحةَ في الخليج

محمّد العارضي*

تَمتَّعت دولُ مجلسِ التعاونِ الخليجي –الإمارات العربية المتحدة، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت– دائمًا بشراكاتٍ وصداقاتٍ مُتآزرةٍ مَكَّنَت منطقةَ الخليج كَكُل. في الآونةِ الأخيرة، أعلنَ المجلس عن تأشيرةِ “جولات الخليج الكبرى” (Gulf Grand Tours)، وهي تأشيرةٌ مُوَحَّدة تسمح للمتقدّمين الأجانب بالدخولِ المُتَعَدِّدِ إلى جميعِ بلدان المجلس لمدة تصل إلى 30 يومًا.

وهذه التأشيرةُ مُشابِهة لتأشيرةِ “شنغن” في أوروبا، والتي تسمح بالدخول إلى بلدانٍ مختلفة بحيث يتمتّعُ الزوّارُ من جميع أنحاءِ العالم بسهولةِ التقديم والدفع للحصولِ على تأشيرةٍ واحدةٍ والتخطيطِ للرحلات التي تمتدُّ عبر الحدود.

ستكونُ تأشيرةُ “جولات الخليج الكبرى” مُتاحَةً بحلول نهاية العام. وهي تتويجٌ لعقودٍ عديدةٍ من الجهود التي بذلتها جميع دول مجلس التعاون الخليجي لتنويعِ اقتصاداتها، مع التركيزِ بشكلٍ خاص على تنميةِ قطاعاتها السياحية.

لقد تطوَّرت البلدان والمدن في دول مجلس التعاون الخليجي حيث أصبحت وجهاتٍ من الدرجةِ الأولى، ليس فقط للسفر الترفيهي ولكن أيضًا للأعمال التجارية. رَسَّخَت المنطقةُ مكانتها كبوّابةٍ بين الشرق والغرب، حيث استضافت المؤتمرات والفعاليات الصناعية التي تجتذبُ الزعماء والمسؤولين من جميع أنحاء العالم. وكان هذا النمو نتيجةً مباشرة لالتزامِ القادة الخليجيين بتنويعِ المصالح الاقتصادية خارج نطاق النفط وإنشاء مصادر مُستدامة للدَخلِ من أجلِ مُستَقبلٍ آمن.

على نحوٍ متزايد، على مدى السنوات القليلة الماضية، وخصوصًا في ضوءِ استجابات دول مجلس التعاون الخليجي الفعّالة لوباء كوفيد-19، كانَ هناكَ اهتمامٌ متزايد من المستثمرين الأجانب. لقد وجدت دول مجلس التعاون نفسها الآن، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، في دائرةِ الضوءِ من وجهاتِ نظرٍ مختلفة. ولكن لا ينبغي لنا أن نعتبرَ ذلكَ أمرًا مفروغًا منه؛ ينبغي أن تستمر الجهود المبذولة للحفاظ على تلك المكانة والارتقاء بها.

ولا يمكننا أن نشكَّ في أنَّ المنطقةَ حقّقت نموًا مضطردًا، بفضلِ القيادة الحكيمة المتَّسقة. وكانت مساهمات المواطنين والمُقيمين، الذين أصبحوا أكثر تعليمًا ومشاركة من أي وقتٍ مضى، كبيرة أيضًا. لقد تطوَّرَ المشهدُ السياحي الإقليمي بسرعة، ولا شكَّ أنَّ التأشيرةَ المُوَحَّدة ستفتحُ آفاقًا جديدةً للنموِّ والتعاونِ عبر البلدان.

أصبحَ لدى المُشَغِّلين والعاملين في الصناعات السياحية في البلدان الأعضاء الآن فرصةً للعمل معًا لتخطيط وتجميع الصفقات للزوّار لتشجيعِ تجربةٍ أوسع وأكثر إثراءً. هناكَ أيضًا فُرَصٌ للابتكارِ داخل القطاع وإنشاء جولات مُتخصّصة تستهدفُ مجموعاتٍ سكّانية مختلفة من المسافرين حتى يتمكّنوا من زيارةِ عددٍ من الوجهاتِ وتَذَوُّقِ التنوّعِ والوحدة التي تُعَدُّ من السمات المُمَيّزة لمنطقة الخليج.

تأتي التأشيرةُ المُوَحَّدة في الوقت الذي نقوم بإعادةِ بناءِ اقتصاداتنا بعد سنواتٍ قليلة مليئةٍ بالتحدّيات، وهي حافزٌ تشتدُّ الحاجةُ إليه لمختلفِ الشركات الراسخة وكذلك رواد الأعمال الطموحين للتفكير خارج الصندوق ومعرفة كيف يمكنهم خلق فُرَصٍ جديدة لتنمية مصادر الإيرادات الحالية، والعثور على مصادر جديدة، وإعادة التفكير في شبكاتهم للتعاون بشكلٍ أكثر كفاءة.

تُمثّلُ تأشيرةُ “جولات الخليج الكبرى” قوّةَ العلاقات الودّية والعلاقات الاقتصادية ذات المنفعة المُتبادَلة مع الحلفاء – وهي دروسٌ مهمّة من التاريخ عزّزت الأمن والاستقرار داخل المنطقة، وهي بمثابةِ معيارٍ للدول في جميع أنحاء العالم.

يجب أن نبقى متفائلين بشأن الفوائد التي ستتمتّعُ بها المنطقة نتيجةً للتأشيرةِ المُوَحَّدة، وليس هناك حقًا وقتٌ أفضل من الآن لمؤسّساتِ القطاعَين العام والخاص في جميع أنحاء المنطقة لبدءِ التخطيط. يُعَدُّ التآزرُ أمرًا حيويًا، ليس فقط بين الدول الأعضاء، ولكن أيضًا داخل كيانات القطاعَين العام والخاص العاملة في كل دولةٍ عضو.

وأعتَقِدُ أنهُ من المُهِمّ أيضًا أن تتفاعلَ المؤسّسات مع المُقيمين وكذلك المسافرين -الجمهور المُستَهدَف- وتطلبُ منهم مشاركة اقتراحاتهم حول كيفية تطويرِ العروض السياحية في منطقة الخليج في هذه المرحلة الجديدة والمُثيرة. لتعزيزِ تجربةِ السائح بشكلٍ مستمر، يجب علينا أن نسعى باستمرار إلى الحصولِ على مساهمات ومشاركات الجميع وسماع احتياجاتهم وأفكارهم حول الفجوات التي يجب سدُّها.

يجب علينا أيضًا أن نرى التزامًا مُتجدّدًا من المؤسّسات التعليمية لإطلاعِ الطلّاب على القطاعاتِ السياحية المُتنامية، وإمكانية التعامل مع الشركات حتى تتمكّن من زيادةِ الاهتمام من خلال تقديم ورش العمل والتدريب الداخلي والتدريب المهني لعقولنا الشابة المشرقة. إن شبابَ دول مجلس التعاون الخليجي هم المستقبل ويجب علينا تمكينهم حتى يتمكّنوا من تحقيقِ إمكاناتهم والمساهمة في تحقيقِ مستقبلٍ مُزدهرٍ اقتصاديًا وأكثر أمانًا.

ستكونُ لدى “جولات الخليج الكبرى” إمكاناتٌ كبيرة لزيادة السياحة. يجب أن نستمرَّ في إبقاءِ أعيننا على الجائزة وألّا نغفل أبدًا عن العمل الجاد والتحالف والتعاون الذي أوصلنا إلى هذه النقطة في المقام الأول. إنَّ التمسُّكَ بالعناصرِ الأساسيّة التي ساهمت في تحقيق النموِّ حتى الآن، والبناء عليها في المستقبل، سيؤدّي بلا شك إلى تحقيقِ التقدّم الاقتصادي والاستقرار الذي ترغب الدول الأعضاء في الاستمرار في رؤيته في المنطقة.

  • محمد العارضي هو رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لإنفستكورب ورئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي في سلطنة عُمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى