… وَلْتَكُن جامعتي شاهدةً علَيَّ

هنري زغيب*

كلمتي عند تَسَلُّمي شهادة “الدكتوراه الفخرية في الآداب الإِنسانية” من الدكتور ميشال معوَّض رئيس “الجامعة اللبنانية الأَميركية” التي مَنَحَتْنيهَا مساءَ الجمعة 14 حزيران (يونيو) الحالي إِبَّان احتفال التخرُّج السنوي التاسع والتسعين..

***

بأَيِّ كلامٍ أَرُدُّ الوفاء، وليس لأَبجدية القلْب حروفٌ أُشكِّل منها كلماتي..

إِن كانَ للحُلْمِ فضاءٌ أَقصى، وللطموح وَسَاعةٌ قُصوى، فهَانيَ الليلةَ بلَغْتُ الأَقصَيَيْن..

كان لي في أُمِّيَ امرأَةٌ وَلَدَتْني ذات يوم قبل خمس وسبعين سنةً، ماتت قبلَها بسنوات وأَموت بعدها بسنوات..

ولي في  LAUجامعةٌ لم تَلِدْني ذاتَ يوم لكنها مَنَحَتْني روحًا لن تنطفئَ ولا أَيَّ يوم ولو انهار بيَ الجسد..

إِن أَيَّ تكريمٍ آخَر، بوسامٍ أَو بأَيِّ شكْلٍ سواه، سيكون من مرجِع رسميٍّ ينقَضي عهدُهُ فَيُمسي بعدَه مرجِعًا سابقًا، إِلَّا هذه “الدرَجَة الأَكاديمية الفخرية في الآداب الإنسانية”: لن تكونَ يومًا من جامعة سابقة..

أَجيْءُ إِليكمُ الليلة، في كَفَّيَّ نصفُ قرنٍ من القمح بدأَتُ أَبْذُرُهُ، ولا أَزال منذ خمسين سنةً، في حقول خصيبةٍ مَلأْتُ بيادرَها سنابلَ شعرٍ وأَدبٍ وتراثٍ وعمَلٍ ثقافي..

وها هي كلُّها الليلةَ أَمامَكم تضجُّ في قلبي، يُتَوِّجُها يوبيل ذهبيٌ لا من معدِنٍ نادر بل من قلوب نادِرة..

الليلةَ الليلةَ يكتملُ اليوبيل..

الليلةَ أَعود إِلى بيتي، أَبُوسُ مؤَلَّفاتي، أُحيِّي آلافَ مقالاتي، أَستعرضُ مئاتِ أَنشطتي الأَدبية والثقافية والتراثية التي شكَّلَت هويتي الأَدبيَّةَ خلال خمسين سنةً من التأْليف والعمل الثقافي، يُتَوِّجُها الليلةَ هذا الوفاءُ تمنَحُنِيهِ عروسٌ مئَويةٌ أُخاصر ربيعَها، وأَمضي مُكْملًا معها رسالتي: نضالًا دَؤُوبًا لإِبراز تراثِ لبنانَ الحضاري والتاريخي والتراثي في جميع حُقُوله وميادينه ومُبْدعيه الخالدين.

فطُوبى لِمَن سَعى ودَعا ورعى هذا التكريم، أَتجدَّد به عافيةً نابضَةً بالعمل اليومي المتواصل، وكتاباتي الوطنية، ومقالاتي الثقافية، ومؤَلَّفاتي الأَدبية..

من الشعر أَجيْءُ وإِليه أَعود.. وبين مجيئي وعَودتي سنواتٌ لي ذهبيةٌ هنا في جامعةٍ تنصَّعَتْ أَن تجعل من طلَّابها وطنًا للمتفوِّقين.. فـقبْل اثنتَين وعشرين سنةً (2002) كانت لي نعمةُ الانتماء إِلى هذه الجامعة الكبرى، مؤَسِّسًا فيها “مركزَ التراث اللبناني”: فريدًا في رسالته بين سائر الجامعات في لبنان.. وما زلتُ عامِلًا على تثْميره، مُزَوَّدًا بثقةٍ من مجلس الأُمناء ورئيس الجامعة ومجلس رئاستها، ومُحاطًا بنُبل مسؤُوليها الزملاء في سائر الدوائر والأَقسام والكلِّيَّات..

ولأَنَّ العمْر لا وقتَ لديه لإِضاعة الوقت، أَضرعُ أَن يَمُدَّ لي الوقتُ بعضًا من عُمْرٍ بَعد، كي أُواصلَ رسالتي في “مركز التراث” ليبقى ذاكرةً نابضةً بالمستقبل تستذكرُ الإِبداع اللبناني ومبدعين لبنانيين يظلُّون حاضرين بيننا ولو غابوا..

وَعْدي أَن أَنْهَضَ بعدُ بـ”المركز” إِلى الأَعلى والأَوسع والأَفضل، لخدمةِ لبنانَ اللبناني تُراثًا وحضارةً، وأَن أَعمَلَ حتى أَشهدَ، ذاتَ ليلةٍ كما الليلة، صفَّ متخرِّجين يتسلَّمون من LAU الغالية شهادتَهم الغالية وعليها عبارة: “بكالوريوس في التراث اللبناني”..

عهدًا عليَّ بصيغة وَعد..

وعلى تَعَهُّدي أُقْسِم، فَلْتَكُن جامعتي شاهدةً عليّ.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى