مجموعةُ السَبع، هل تَدوم؟
كابي طبراني*
عَقَدَت مجموعةُ الدولِ السبع قمّتها الخمسين في مدينة بورجيو الإيطالية يومَي الخميس والجمعة الفائتين. في هذا التجمّع، أكّدَ زعماءُ الولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا واليابان التزامهم الحفاظ على “نظامٍ دولي قائمٍ على القواعد”، وجدّدوا دعمهم للديموقراطيات ضدّ تعدّيات الدول الاستبدادية، وقدّموا تعهّداتٍ جديدة لأوكرانيا في صراعها المُستمرّ ضد العدوان الروسي حيث قرّروا منحها قرضًا مقداره 50 مليار دولار بدعمٍ من عوائد الأصول الروسية المُجَمّدة في الدول السبع والتي تبلغ حوالي 350 مليار دولار. كما تطرّقوا أيضًا إلى التحدّيات التي تُمثّلها الصين في مجال التجارة الدولية وإيران في الشرق الأوسط… ولم تكن شؤون وشجون السياسة الداخلية بعيدة من النقاش، حيث يواجه العديد من القادة انتخابات حاسمة في الأسابيع والأشهر المقبلة. ولأول مرة في تاريخ هذه القمة، شارك البابا فرانسيس حيث ألقى أمام زعمائها كلمةً حذّرَ فيها من الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، داعيًا إلى منع “الأسلحة الفتاكة المستقلّة”.
لا شكَّ أنَّ وصولَه إلى عقد اجتماعه الخمسين يُعَدُّ علامةً فارقةً مهمّة للتجمّع، حيث أصبح الاجتماع السنوي الآن تاريخًا رئيسًا في تقويم جميع زعماء العالم الغربي. بدأت الاجتماعات في أوائل السبعينيات الفائتة، بدءًا من اجتماع “مجموعة المكتبة” غير الرسمي لوزراء المال في فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وما كان يُعرف في ذلك الوقت بألمانيا الغربية. انعقدت هذه المجموعة، التي يشير اسمها إلى اختيارها مكتبة البيت الأبيض كمكانٍ لاجتماعها، في أعقابِ الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن انهيارِ نظام “بريتون وودز” النقدي والحظر النفطي الذي أعلنتهُ منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك). وفي العام 1974 حضر وزير المالية الياباني الاجتماع، وعَقَدَت المجموعة أول قمة رسمية لرؤساء الدول في العام 1975 في “شاتو دو رامبوييه” بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس حيث حضرت إيطاليا ذلك الاجتماع. وأُضيفت كندا في العام التالي، لتُصبحَ مجموعة السبع.
وكما أشارَ الديبلوماسي البريطاني المخضرم والخبير في شؤون مجموعة السبع “نيكولاس باين”، والأكاديمي الأميركي المُتخصّص في السياسة المُقارِنة “روبرت بوتنام” في كتابهما المشترك حول قمم المجموعة، فإنَّ مجموعةَ السبع كانت فريدة من نوعها عندما تم تصوّرها لأول مرة. في ذلك الوقت، كانت هناك هيئاتٌ راسخة، مثل مجلس الأمن الدولي، حيث كان المسؤولون الديبلوماسيون يجتمعون ويتفاعلون بشكلٍ يومي تقريبًا. لكن اجتماعات رؤساء الدول كانت تُعقَدُ لمرةٍ واحدة فقط. وكانت اجتماعاتُ القمّة المنتظمة لمجموعة السبع شيئًا جديدًا، وعلى حدِّ تعبير باين وبوتنام، “غير مسبوقة في الديبلوماسية الحديثة”.
واتِّساقًا مع أصولها الاقتصادية، كانَ أبرزُ إنجازاتها المُبكِرة يتعلّقُ بالتلاعب بسعر الصرف، عندما سهّلت الاجتماعات التنسيق اللازم لتغيير القيمة النسبية للدولار الأميركي. وبلغت هذه الجهود ذروتها في “اتفاقات بلازا” في العام 1985 و”اتفاقات اللوفر” في العام 1987، والتي سعت، على التوالي، إلى إضعافِ ثم تثبيتِ قيمة الدولار.
بدأت النظرة إلى مجموعة السبع باعتبارها مجرَّد هيئةِ تنسيقٍ اقتصادي تتغيّر بعد الحرب الباردة. بحلولِ أوائل التسعينيات الفائتة، أُثيرَت التساؤلات حول استمرار فعالية الهيئة في عالمٍ مُتَغير، حيث رأى البعض، وليس للمرة الأخيرة، أنَّ “مجموعة السبع قد ماتت”. قال جون إيكنبيري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون والذي كان أكمل أخيرًا فترة خدمته في لجنة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأميركية، إنَّ مجموعةَ السبع لا تزال بحاجة إلى رعايةِ الاقتصاد العالمي، حيث كانت الدول الأعضاء فيها تُمثّلُ أكثر من 50% من الناتج القومي الإجمالي في العالم. لكن إيكنبيري أضاف أنَّ مجرّدَ رعايةِ الاقتصاد العالمي لم يَعُد كافيًا. كانت المجموعة بحاجة أيضًا إلى “وَضعِ نظامٍ سياسيٍّ مُستَقرٍّ لعالمِ ما بعدَ الحرب الباردة”.
وهذا الرأي بدوره دَعَمَ ادِّعاء إيكنبيري بأنَّ المؤسّسات الدولية والديبلوماسية يُمكن أن تكون بمثابةِ العمود الفقري ل”النظام الدولي الليبرالي” في مرحلةِ ما بعد الحرب الباردة. ويبدو أن رؤية إيكنبيري لمجموعة السبع قد تحقّقت في العام 1998، عندما انضمّت روسيا رسميًا إلى المجموعة، لتُصبحَ مجموعة الثماني. في الواقع، قد يذهب البعض إلى حدِّ القول بأنَّ القرارَ الأكثر أهمّية والأكثر محوريةً الذي اتخذته المجموعة في الآونة الأخيرة كان التراجع عن هذا الاختراق السياسي من خلال طرد روسيا في العام 2014، بعد أن ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم وبدأت غزوها الخجول والتدرّجي لشرق أوكرانيا في ذلك العام.
كانت مجموعةُ السبع أيضًا رائدةً في الفترة المضطربة من العلاقات الدولية التي بدأها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من العام 2017 إلى العام 2020. وفي اجتماع العام 2018 في كندا، فَشلَ المشاركون في إصدارِ بيانٍ مُشتركٍ لأول مرة في تاريخ المجموعة. كان هذا الفشل، إلى جانبِ الصورة الأيقونية لترامب وهو يجلس بتَحدٍّ أمام المستشارة الألمانية آنذاك أنغيلا ميركل ومُحاطًا ببقية القادة المجتمعين، رمزًا للعداء الذي أظهره ترامب تجاه شركاء وحلفاء الولايات المتحدة التاريخيين.
تظلُّ اجتماعاتُ مجموعة السبع على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية، ولكن ليسَ لأنها تُعتَبَرُ حدثًا بارزًا لتنسيق الاقتصاد العالمي. هذا التمييز ربما صار بخصُّ الآن مجموعة العشرين، وهو التجمّع السنوي لاقتصادات العالم الكبرى. بدلًا من ذلك، تظلُّ اجتماعات مجموعة السبع مهمّة بسبب الطريقة المُقَلِّدة لها التي نشأت بها مجموعة دول “بريكس، التي كانت تتألف في الأصل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ولكنها تضمُّ الآن أعضاءً جددًا: إيران ومصر وإثيوبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي حين أنَّ دولَ “بريكس” قد لا تعمل بشكلٍ صريحٍ على تطويرِ الكتلة إلى “مجموعةٍ مُضادةٍ لمجموعة السبع”، فإنَّ الانتقادات الصريحة للنظام الغربي الصادرة عن القمم السنوية للكتلة تُوَضّحُ أنَّ مجموعةَ السبع تُشَكّلُ نقطة تحّدٍ رئيسة. ورُغمَ أنَّ وجودَ تجمُّع “بريكس” يسبق طرد روسيا من مجموعة الثماني، ليس من الصعب أن نرى كيف استفادت موسكو من تعزيز التجمّع بعد هذا الطرد. في الواقع، حتى عندما اتحدت دول مجموعة السبع لمعارضة موسكو ودعم كييف، دعمت دول “بريكس” روسيا ماديًا وديبلوماسيًا في أعقاب غزوها الشامل لأوكرانيا.
في المقابل، يبدو أن مجموعة السبع قد اعتنقت موقفها كمُحبِطة لمجموعة “بريكس”، أو على الأقل لمُكَوِّنين من المجموعة روسيا والصين. استغلت الدول الأعضاء في قمة 2022 للمجموعة لتنسيق مواقفها لاحتواء روسيا. كان التركيز الرئيس لقمة 2023 هو صياغة خطة لمواجهة شاملة للثقل الاقتصادي والسياسي المتنامي للصين على الساحة العالمية. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ زعيمَي البرازيل والهند كانا من بين زعماء العالم الذين حضروا اجتماع هذا العام، كما حدث في العام الماضي. وكان رئيس جنوب إفريقيا ضيفًا مدعوًا في العام 2022. باختصار، لقد تطورت مجموعة السبع بالفعل مع مرور الوقت، حيث تحوّلت من منتدى اقتصادي للدول الصناعية الرائدة في العالم، إلى منتدى سياسي إلى حدٍّ كبير للدعائم الأساسية للجُزءِ الذي يقوده الغرب من النظام العالمي، فضلًا عن كونها مكانًا لمُغازلة بعض القوى الناشئة المُحاطة بالأسوار في العالم.
على الرُغمِ من أن المجموعة قد تطوّرت، فإنَّ بقاءها في المدى الطويل غير واضح مرة أخرى. هناكَ مخاوف من احتمال عودة ازدراء ترامب للتعاون الدولي في العام 2025 إذا عاد إلى البيت الأبيض. وبدورها، تشهدُ دولٌ في أوروبا، وخصوصًا ألمانيا وفرنسا، عودة اليمين المتطرّف، وهو ما قد يُقوّضُ أيضًا تماسُك مجموعة السبع باعتبارها تجمّعًا للدول الرائدة في العالم الديموقراطي الليبرالي. وفي هذا الصدد، فإنَّ الدولة المُضيفة هذا العام، إيطاليا، تحكمها حاليًا رئيسة الوزراء اليمينية المتطرفة جيورجيا ميلوني، التي ترجع أصول حزبها إلى الحركة الفاشية في البلاد.
من هنا، تنشأ مرة أخرى تساؤلات حول مستقبل القمم، ناهيك عمّا إذا كانت ستنتجُ المزيد من الصور الرمزية والنتائج البالغة الأهمية. باختصار، من غير الواضح ما إذا كانت مجموعة السبع ستنجح في عقد خمسة اجتماعات أخرى، ناهيك عن خمسين اجتماعًا آخر. والله أعلم.
- كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “شتاء الغضب في الخليج” (1991)، “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani