أَحسَنتَ يا سَيِّد!
راشد فايد*
لافتٌ أن تطوفَ في شوارع بيروت مسيرةُ درّاجات، بطول كيلومتر، وأكثر، تحمل أعلامًا تركية، تعبيرًا عن “فرحٍ لبناني” بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية ثالثة من الحكم، تُضافُ إلى قيادته تركيا، قبل ذلك، رئيسًا لحكومتها، إلى مكانةٍ مُتقدّمة بين الدول، خصوصًا في الترتيبات الإقليمية التي أفرزتها الثورة الشعبية في سوريا، والتي تنعقدُ، حاليًا، على ركام حروبها، و”الربيع العربي”مصالحات عربية وإقليمية.
نجح أردوغان في وضع تركيا ضمن “مجموعة العشرين” الأكثر تقدّمًا إقتصاديًا في العالم، وتبوَّأت بلاده بقيادته، المرتبة الأولى بين دول المجموعة بنسبة نمو 11.4 في المئة في العام 2021، وارتفعت إلى مصاف الدول الكبرى في مجال الصناعات الدفاعية.
بهذه النتيجة حصل أردوغان على تفويضٍ من الشعب التركي لتغيير ملامح النظام السياسي في البلاد للمرة الأولى منذ قيام الجمهورية التركية قبل اكثر من تسعين عامًا.
دخل أردوغان هذه الانتخابات طالبًا حصر معظم السلطات التنفيذية بين يديه، ومنحه صلاحيات غير مسبوقة في النظام السياسي الذي أقره الناخبون الأتراك في تعديلات دستورية أقروها في استفتاء نيسان/إبريل 2017.
شملت تلك التعديلات إلغاء منصب رئيس الوزراء وتعيين الرئيس كبار المسؤولين من وزراء ونواب للرئيس ومنحه حق التدخّل في النظام القانوني للبلاد وفرض حالة الطوارئ.
الآن وقد حسم أمر الانتخابات سيمضي الرئيس العائد في توطيد أركان النظام الرئاسي الجديد، مدعومًا في البرلمان بأغلبية من نواب حزبه “العدالة والتنمية” وحليفه الحركة القومية.
“فرح” الأتراك بانتخاباتهم، وبنسب المشاركة العالية في اقتراعهم، مما لا تشهده دول عريقة في الديموقراطية، يقابله “فرح لبناني” يدفع إلى التساؤل: لماذا هذا الإهتمام بانتخابات لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟
من المفيد العودة إلى المسلسل السياسي اللبناني، منذ الإجتياح الإسرائيلي في الثمانينيات من القرن الماضي، يومها كان إشهار الإنتماء الطائفي والمذهبي “عيبًا” اجتماعيًا لا سيما في عيون العلمانيين واليساريين والقوميين، سوريين وعروبيين، وعلى القلة من أصحاب جمل كـ”بلا زغرة” و “ما تواخذني”.
كان “حزب الله”، حامل السلاح، لا يزال يحبو، وكانت الوصمة المعيبة تحت جلد كثيرين، لكنها كانت مقموعة بالوعي الوطني، بينما هو يغذيها، ويضيف إلى متنها فضائل منحولة، وعادات اجتماعية مشجعة، إدعى استنباطها من بطون الكتب، وعلى ذمته، ودمج السياسة بالدين، وابتدع المناسبات لتسعير الرابط الديني، في الحياة اليومية.
لكن ليس سهلًا أن تكون طائفيًا في مجتمع لا يعوّل على الطائفية، ويرى في العاملين على “تنميتها” متخلّفين بالمفهوم الوطني، لذا كان التشجيع على “التطييف” بتلبّس أي مظهر طائفي هنا كي يبرّر مثاله لدى الآخر، وانتقل الكلام الطائفي على حساب الوطن من “العيب” إلى “الحق”، والمشجّعون من غض الطرف إلى التصفيق، و”التصفيق الحاد”.
لكن الطائفية، بكل ألوانها تحتاج إلى سندٍ خارجي، كما علمتنا الحربان العالميتان، وحروب لبنان: السنّة والشيعة (كانوا معاً) للسلطنة، والمسيحيون الكاثوليك لفرنسا، والأُرثوذكس لروسيا والدروز لبريطانيا، وكل يغذّي جماعته بمصلٍ طائفي يخدم مصالحه.
في الزمن الراهن، استظل حزب السلاح علم ايران، وفاخر بانتمائه لطهران، وعندما تشد المظلة إليك تجبر الآخر على جذبها إليه، أو استحضار مثلها، فهنا وفد مسيحي إلى فرنسا، وزيارات الرئيس الإيراني إلى الضاحية، وعلم تركيا السنية إلى بيروت.
برافو. حقق “السيد” مُراده. صار له شركاء في تحريك العصب الطائفي. صار له شركاء، حتى في السنغال، حيث الإسلام السنّي هو الدين السائد، جابت مواكب العلم التركي الشوارع.
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).