شخصيات شكسبير من المسرح إِلى اللوحة (2 من 2)

وليام هوغارت: “ديفيد غاريك في دور “ريتشارد الثالث”

هنري زغيب*

في الجزء الأَول من هذا المقال سردتُ ثلاثَ مسرحيات لشكسبير تحوَّلَت شخصياتٌ منها لوحاتٍ استلْهمها رساموها من الجوّ الشكسبيريّ. ففي عادة الآثار الأَدبية الخالدة في التاريخ، أَن تنتقل شخصياتُها وأَحداثُها من الكتاب إِلى دُرَبٍ إِبداعية أُخرى تخلِّدها لجمهورٍ آخر غير القرَّاء، فتتحوَّل مرةً مسرحيةً، ومرةً أُوبرا، ومرةً فيلمًا سينمائيًّا، ومرةً باليه، وقد تُلهم رسامين خلَّاقين فتُصبح تلك الشخصيات أَو تلك الأَحداث لوحاتٍ خالدة في المتاحف العالمية، ما يعطي الشخصية بُعدًا آخَر لا يعطيها إِياه ذكْرُها في الكتاب.

هنا في هذا الجزء الثاني (والأَخير) ما استلهَمَه الرسامون من خمس مسرحيات شكسبيرية أُخرى.

تيودور شاسيريو: “دسدمونا، أُغنية الصفصاف”
  1. الملك لير

هي مأْساة استوحاها شكسبير من “لير” ملك بريطانيا الأُسطوري الذي، في نهاية عهده، شاء أَن يقسم مُلْكه بين بناته الثلاث: غونريل، ريغان، وكورديليا. سوى أَن هذه الأَخيرة رفضَت البوح بحبِّها إِياه لقاءَ نيلها منه ثُلْث الـمُلْك.

من المشهد الأَول في الفصل الأَول، استوحى الرسام الأَميركي إِدوين أَوستن آبي (1852-1911) لوحته “وَدَاع كورديليا” (1898) رسم فيها كورديليا في الوسط مع شقيقَتَيها (إِحداهما بالأَحمر والأُخرى بالأَسْوَد) وهي لابسةٌ ثوبًا أَبيض رمز الطهارة. وهذه خصيصة لدى هذا الرسام أَنه عالج في لوحاته مواضيع تاريخية، وتحديدًا من المسرحيات التاريخية الشكسبيرية.

بنجامان وِسْتْ: “روميو وجولييت”
  1. ريشارد الثالث

تتمحور هذه المسرحية حول ريتشارد الثالث ملك إِنكلترا إِبان حكْمه القصير، وما حدَث من مشاكل على عهده. من النقاد من يعتبر هذه المسرحية تاريخية، ومنهم من يعتبرها مأْساة موضوعة، وهي آخر عمل لشكسبير في مجموعته الرباعية الأُولى.

مرة أخرى دخل إِدوين أَوستن آبي إِلى عالم شكسبير ليضع لوحة “ريتشارد دوق غلوسِسْتر والليدي آنَّا” (1896)  راسمًا فيها الدوق محاولًا مغازلة الليدي آنَّا المترمِّلة حديثًا إِذ كان ريتشارد قتَل زوجها. يجري الحدث في الموكب إِبَّان مراسم دفن عمها (والد زوجها) الملك هنري الرابع الذي هو أَيضًا قتلَه ريتشارد. واعترف للِّيدي آنَّا أَنه تعمَّد قتْل الرجُلَين كي يتقرَّب منها، ما أَثار نقمتها وغضبها أَولًا، لكنها تغيَّرت لاحقًا وتزوَّجتْه فأَصبح ريتشارد بذلك ملك إِنكلترا.

الرسام الإِنكليزي وليام هوغارْتْ (1697-1764) تناول الموضوع راسمًا في لوحته ديفيد غاريك (1717-1779) أَحد أكبر الممثلين في تاريخ إنكلترا، وهو لعب دور “ريتشارد الثالث” في مسرحية شكسبير. رسمَه هوغارت (1745) في الخيمة قبل معركة بوسوورث، مرعوبًا من أَشباح ضحاياه. وفي كتابه “تحليل الجمال” (1753) ذكر هوغارت أَنه تعمَّد رسم غاريك بهذا الشكل المنحني ليُبرز في ملامحه تعابير الرعب.

جون وليام ووترهاوس: “ميرندا في العاصفة”
  1. أوتلُّو

أَحداث هذه المأْساة تجري في القرن السادس عشر إِبَّان الحرب بين العثمانيين والبندقية. وأُوتلُّو كان القائد العسكري العام لجيش البندقية. وفي ثنايا المسرحية مشاهد تجسِّد الغيرة والحسد والشغف والعرقية، لأَن أُوتلو من أَصل بربري.

من هذه المسرحية تناول الرسام الفرنسي تيودور شاسيريُو (1819-1856) موضوعًا من المشهد الثالث في الفصل الرابع، ورسم لوحته “دسدمونا – أُغنية الصفصاف” (1849) وفيها تَظهر دسدمونا في غرفتها مع خادمتها إِميليا. وأَقدم زوجها أوتلو على قتلها بدافع الغيرة، ونرى إِميليا تنسحب إِلى خلفية اللوحة لأَن لها ضلعًا في موت زوجته. والقيثارة في حضن دسدمونا ليست من النص الشكسبيري بل هي من إِضافة الرسام الذي وضع سلسلة من الرُسوم أَصدرها في باريس سنة 1844، واستوحى لاحقًا منها مواضيع لبعض لوحاته.

  1. روميو وجولييت

هذه المأْساة الشكسبيرية (1597) تجسِّد قصة شاب وفتاة في إِيطاليا يحرِّم زواجَهما خصامٌ بين عائلتَيهما. ويرى النقاد ومؤَرخو الفن أَنها أَشهر مسرحيات شكسبير.

الرسام  البريطاني من أَصل أَميركي بنجامان وِسْتْ (1738-1820) اتخذ موضوعه من المسرحية راسمًا لوحته (1778) عن روميو وجولييت في غرفتها، ومعهما خادمتها التي تبدو خائفة من أَن يداهمها طارئ مفاجئ. وفي النافذة المفتوحة وراءَهما تظهر غيوم سوداء كثيفة تُنذر بهبوب عاصفة مرعبة ترمز إِلى قرب المصير الأَسود الذي ينتظر العاشقَين.

كان وست شهيرًا برسمه معارك كبرى، بعضها مستوحى من أَعمال مسرحية كما معظم معاصريه، كي يُظهر أَحداثًا اجتماعية. ويذهب بعض النقاد إِلى اعتبار الخلاف بين العاشقَين رمزًا للجدَل بين بريطانيا والولايات المتحدة عند مطالع الحرب بينهما.

  1. العاصفة

تروي هذه المسرحية أَحداث بروسبيرو، الساحر ودوق ميلانو سابقًا، يعيش معزولًا في جزيرة نائية مع ابنته ميرندا وخادمَيْه كاليبان وآريال. واشتهرت المسرحية بما فيها من موسيقى وأُغنيات تعكس جو الجزيرة.

الرسام الإِنكليزي جون وليام ووترهاوس (1849-1917) وضع لوحته “ميرندا في العاصفة” (1916) تظهر فيها ميرندا مديرةً ظهرها تتأَمل بحزنٍ غرقَ سفينة في قلب العاصفة. وفي السفينة شقيق بروسبيرو الذي كان اغتصب الملك من أَخيه بروسبيرو، ومع الغرق عاد بروسبيرو فاستلَم الحكم من جديد وأَمر بتحطيم السفينة.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى