لماذا يحظى محمّد بن سلمان بشعبيةٍ كبيرة في الشرق الأوسط؟

في بداياته كولي للعهد في المملكة العربية السعودية لم يحظَ الأمير محمد بن سلمان بشعبيةٍ كبيرة في الشرق الأوسط، لكنه عندما رفض تلبية طلبات واشنطن بدأ نجمه يسطع في العالم العربي.

الملك سلمان بن عبد العزيز: وفّر الغطاء اللازم لولي عهده للنجاح.

ستيفن كوك*

على مدار العام الفائت، كان المسؤولون السعوديون والمتحدثون باسمهم يُخبِرون أيَّ شخصٍ يستمع ويُصغي إليهم إلى أن بلادهم هي مركزٌ للاقتصاد العالمي، وقوة جيوسياسية، وديناميكية، وزعيمة بلا منازع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كان الرد على ذلك داخل مجتمع السياسة الخارجية الأميركية، وخصوصًا بين مُحلّلي وخبراء الشرق الأوسط، بالاستهزاء واللا مُبالاة وعدم أخذ هذا الكلام على محمل الجد.

من المؤكد أن السعوديين غارقون بعائدات النفط وأصبحوا مصدر استثمار لمجتمع الأعمال العالمي. طوال العام 2022، شقَّ قادةُ العالم طريقًا إلى باب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بحثًا عن كل شيء بدءًا من عقود الأسلحة ومقايضات العملات إلى زيادة إنتاج النفط.

لكن هذا كان نتيجةَ ظروفٍ سعيدة للسعوديين. لم يُظهروا حكمة فريدة أو بصيرة سياسية. كانوا في المُعادِل الجيوسياسي لكونهم في المكان المناسب في الوقت المناسب، مستفيدين من نهاية عمليات الإغلاق لجائحة كوفيد-19 وغزو روسيا لأوكرانيا، مما أدى إلى حدوث صدمات متتالية في أسواق الطاقة العالمية.

كما أن التفاخرَ السعودي بدا في غير محلّه. بعد كل شيء كانت البلاد في حالة تراجع في جميع أنحاء المنطقة. سعى السعوديون غير القادرين على تخليص أنفسهم من مغامرتهم السيئة في اليمن، للحصول على مساعدة من طهران — ثمنها لبنان وسوريا، حيث أصبح الإيرانيون الآن أحرارًا في تعزيز نفوذهم الكبير أصلًا في البلدين.

الغريب أنه في ظل هذه الخلفية من الحظ والفشل السخيف، تبدو السعودية في صعود، بخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في الواقع، إذا استطاعت دولة أن تحولَ فشلها إلى نجاح وصعود، فإن المملكة تحقق ذلك. أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة غالوب لأشخاص في 13 دولة ذات غالبية مسلمة أن المملكة العربية السعودية كانت أكثر شعبية من إيران. فقط الأتراك، وبدرجة أقل، الفلسطينيون كانا متقدمَين، رُغم أنه حتى بين هاتين المجموعتين، كان السعوديون أكثر شعبية من الإيرانيين.

بالطبع، من الصعب عدم التصديق بأن مؤسسة غالوب غير عادلة. تُعَتبَرُ إيران معيارًا مُنخفِضًا وسيئٍا للحُكم بالنسبة إلى معظم الدول مع استثناءاتٍ قليلة. فهي تضم أطماعًا بالهيمنة في منطقتها وهي مسؤولة عن إراقة كمية كبيرة من الدماء. إبحث ما استطعت، فإنك ستجد بأن الحكومة الإيرانية لا تحصل على الكثير من التغطية الصحافية الجيدة في أي مكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثناء سوريا وأجزاء من لبنان وربما غزة.

حتى مع أخذ كل عجز إيران في الاعتبار، يبدو أن شعبية السعودية حقيقية. وفقًا للباروميتر العربي الذي يحظى باحترامٍ كبير، في الأردن، تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثانية بعد تركيا في رؤية الجمهور الإيجابية. ما يقرب من نصف التونسيين ينظرون إلى السعودية – إلى جانب فرنسا وتركيا – بشكل إيجابي. يفضل العراقيون السعودية أكثر من أي دولة أخرى باستثناء الصين، والأمير محمد بن سلمان زعيمهم المفضل بعد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.

يتعارض هذا النوع من البيانات مع الطريقة التي ينظر بها العديد من النخب الغربية إلى المملكة العربية السعودية، مما يثير سؤالًا مهمًا: لماذا تحظى الرياض بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

لا تُخبِرُ استطلاعاتُ الرأي المُحلِّلين بأيِّ شيءٍ عن سبب إعجاب الناس في المنطقة بالسعوديين، ولكن هناك أدلة من قدر لا بأس به من الأدلة القصصية على أن السياسات الداخلية والخارجية لولي العهد تروق للناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يُشير المحاورون من الشرق الأوسط إلى التغيّرات الاجتماعية الجارية في المملكة، والتي تُعتَبَرُ حقيقية ومهمّة والتي أثرت بشكل إيجابي في حياة العديد من السعوديين. هذا هو الحال، على الرُغم من أن الإصلاح بالكامل هو من الأعلى، فإنه يتم التعامل مع الناشطين المطالبين بالتغيير من أسفل بقسوة، وتكثيف المراقبة المجتمعية.

هذا لا يعني أن الشرق أوسطيين ليسوا على دراية بهذه القضايا، ولكن بشكلٍ عام يبدو أنهم استنتجوا أن السعوديين يتمتّعون بأسلوبِ حياة يحلو لهم. وفقًا لأحد المُقرَّبين الأردنيين، يبحث المهنيون الشباب بشكل متزايد عن فُرَصٍ في الرياض وجدة ونيوم – المدينة المستقبلية ومشروع محمد بن سلمان الذي سيتطلب جيشًا من العمال المهرة وغير المهرة لتحقيقه. بالنسبة إلى هؤلاء الأردنيين، فتحت السعودية ما يكفي، ولكن ليس كثيرًا لأولئك الذين ما زالوا يريدون تشبيه ما يجري في المملكة بدبي.

قد تكون هذه نيّة ولي العهد أو لا، لكنها قد تكون في الواقع ميزة خفية للسعوديين. بينما يركز الغربيون على حقيقة أن جحافل من الأميركيين والبريطانيين والأوستراليين والأوروبيين لن يكونوا مستعدين للانتقال إلى المملكة لأن الكحول والرذائل الأخرى تظل محرمة أو ممنوعة، فإن الأجواء المفتوحة ولكن البعيدة من حفلات السكر والُمجون قد تكون سمة جذابة للحياة في السعودية للشباب العرب الموهوبين.

ومع ذلك، قد تكون شعبية السياسة الخارجية لولي العهد أكثر وضوحًا. بالنظر إلى تدخّل السعودية في اليمن، والذي تم تصوره بشكل سيئ، ودور بن سلمان القيادي في حصار قطر، وإجباره رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة (حقًا واحدة من أغرب الأحداث في سجلات سياسات الشرق الأوسط المعاصرة)، والقتل المروع لجمال خاشقجي في اسطنبول، ليس من المستغرب أن ينظر الكثير من واشنطن إلى ولي العهد البالغ من العمر 37 عامًا على أنه متهوّرٌ وخطير.

ومع ذلك، يبدو أن الشرق أوسطيين لديهم وجهة نظر مختلفة. وبدلًا من كونها مصدرًا لعدم الاستقرار الإقليمي، يُنظر إلى الرياض على أنها قوة للاستقرار. على سبيل المثال، يوفر استثمار المملكة الكبير ومساعدتها المالية للأردن الأمل في أن تتمكن الرياض من إخراج عَمّان من الديون والمساعدة على تأمين مستقبل الأردن.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بالمساعدة والاستقرار اللذين قد تجلبهما. وبحسب الصديق الأردني نفسه، فإن حقيقة أن المملكة العربية السعودية تقدم كميات وفيرة من المساعدات فهي أفضل من المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة. يبدو أن هذا المنظور مُنتَشِرٌ على نطاقٍ واسع، خصوصًا بين الشباب. إنها تنبع من فكرتين أنَّ أيَّ شخص أمضى أي وقت في الشرق الأوسط في السنوات الخمس الماضية سمعها أكثر من مرة. أوّلًا، يرغب العرب في رؤية “فك ارتباط” أميركي. ثانيًا، يريد القادة العرب ورعاياهم تشكيل الشرق الأوسط بدلًا من السماح للأميركيين أو الصينيين أو الروس بالقيام بذلك نيابة عنهم.

لأن الولايات المتحدة كانت القوة المهيمنة في المنطقة، ولأن السعوديين كانوا يتحدّون الولايات المتحدة بحكمة وبطريقة ماهرة، فإن رفض محمد بن سلمان لطلبات واشنطن يُصقل الآن صورة الرياض. على سبيل المثال، عندما قرر السعوديون – على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة – إرسال مساعدات إلى حلب التي يسيطر عليها النظام بعد زلزال 6 شباط (فبراير)، قيل لي إن السوريين يُقدّرون بشدة المساعدة التي تمس الحاجة إليها واستعداد محمد بن سلمان للالتزام بالعملية رُغمَ معارضة واشنطن.

والشيء نفسه مع عودة سوريا الأخيرة إلى جامعة الدول العربية، التي قادها السعوديون. أعز صديقٍ سوري لي، الذي فرَّ من البلاد في العام 2012 – والذي يكره الرئيس السوري بشار الأسد، ليس فقط بسبب الدمار الذي أحدثه بشكل عام في البلاد ولكن أيضًا من أجل دماء أقارب صديقي الذين لقوا حتفهم في سجونه- يعطي بن سلمان علامات عالية لإخراج سوريا من الصقيع. في تقدير هذا الشخص، إنها الطريقة الوحيدة لإنهاء المعاناة والفرصة الوحيدة لإعادة بناء البلاد، والتي ستستغرق أجيالًا.

بشكلٍ عام، يبدو أنه بينما تنتهج المملكة العربية السعودية سياسةً خارجيةً مستقلة عن واشنطن، يرى الناس في المنطقة أن المملكة هي مُحرّكٌ للازدهار والإستقرار الإقليمي. إنها تقريبًا صورة مرآة طبق الأصل لكيفية النظر إلى المملكة في الغرب. سيكون من واجب المسؤولين الأميركيين وصناع القرار أن يأخذوا استطلاعات الرأي والأسباب -مهما كانت قصصية- لشعبية المملكة على محمل الجد.

إذا كانت واشنطن ستتنافس مع بكين وموسكو، وإذا كانت ستحارب المتطرفين، وتجنّب الانتشار النووي، وتساعد الشرق الأوسط على مكافحة تغيّر المناخ، فإن صناع السياسة الأميركيين ستكون لديهم فرصة أكبر للنجاح إذا رَؤوا العالم كما هو وليس كما يريدون أن يرونه. وفي ذلك العالم، تُعتَبَرُ المملكة العربية السعودية لاعبًا اقتصاديًا مهمًا وقوة جيوسياسية وديناميكية وذات شعبية واسعة. مَن كان يظن ذلك؟

  • ستيفن كوك هو كاتب في فورين بوليسي وزميل “إيني إنريكو ماتي” لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “الفجر الكاذب: الاحتجاج والديموقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد”. يمكن متابعته عبر تويتر على:stevenacook@
  • يصدرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالانكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى