لماذا التكتم على تحركات داعش المريبة؟

بقلم عرفان نظام الدين*

في غمرة انشغال العالم، والعرب، بويلات جائحة فيروس “كورونا” وتداعياتها وخسائرها المادية والبشرية والسياسية والصحية، شهدنا خلال الأسابيع القليلة الماضية تحرّكات مُريبة وهجمات مُتكرّرة في شمال العراق وسوريا ومدن اجنبية عدة ما دعا الى بروز مخاوف من أمرٍ ما يتم التخطيط له لهجوم أوسع.

فعلى الرغم من مضي سنوات على ظهور ما سُمّي بدولة الخلافة الاسلامية وأشهرٍ عدة على إعلان تصفية زعيمها أبو بكر البغدادي بعد رصده في شمال سوريا، ما زال الغموض يكتنف القصة من ألفها الى يائها وكأن هناك اتفاقاً غير مكتوب للتكتّم على أسرارها وإخفاء معالم الجريمة التي جلبت الويلات والدمار على سوريا والعراق ورصيد العرب والمسلمين، وأسهمت في قدوم جحافل القوى الأجنبية.

الأسئلة كثيرة من البدايات والنهايات وهويات المُحرِّضيين والداعمين والمُستفيدين، وكل من شارك في تسهيل الأمور وتأمين الغطاء السياسي والمادي، لكن الأجوبة عنها تكاد تكون لغزاً من ألغاز ألف مؤامرة ومؤامرة.

مَن وراء البغدادي؟ ومَن أطلق سَراحَ المُعتقلين السياسيين، ومنهم البغدادي نفسه، والمئات من القيادات والأعضاء الذين توزّعوا على سوريا والعراق وأسّسوا منظماتٍ إرهايبة إنطلاقاً من رحم تنظيم “القاعدة” مثل “جبهة النصرة”؟ وكيف وصل الآلاف من الإهاربيين من شتى أنحاء العالم؟ وكيف جُنِّدوا؟ ومَن سهّل لهم السفر ثم العبور عبر تركيا الى العراق وسوريا و عاصمة الخلافة المزعومة في الرقة؟ ومَن أمَّن الدعم اللوجستي والعسكري لعشرات الآلاف؟ ومَن تولّى أمر الإعلام والتدريب وتجنيد الآلاف واستقبالهم بعد أن أتوا من مُعظم دول العالم بشرقه وغربه؟ وكيف تمكّن هؤلاء من إغراء المئات من المواطنين الأوروبين، وبينهم نساء وفتيات واطفال كانوا يعيشون في نعيم التقديمات الاجتماعية والصحية والمادية؟ وكما كانت البدايات جاءت النهايات على شكل أفلام الخيال بلا تفسير منطقي ولا إيضاح للبشر لمعرفة المسؤول عن الكارثة.

وقد أُعلن فجأة أنه قد تم القضاء على تننطيم “الدولة الإسلامية” من ٧٠ دولة، ثم فجأة زُفَّ الخبر وتم محو معالم الجريمة، حيث لا وجود لجثث القتلى ولا أحاديث عن الأسرى وروايات الشهود ومشاهد الدمار. ورغم الاعلان عن نهاية المسرحية وموت أبطالها، فان هناك تقارير إعلامية وأمنية تؤكد وجود جيوب ل”داعش” معروف مكانها وانتشار الالاف، بينهم نساء واطفال تم غسل ادمغتهم، إضافة الى مئات من الإرهابيين في العالم عُرفوا باسم “الذئاب المنفردة” الذين ينامون باطمئنان إلى أن ياتي أمر التحرّك، وكأنهم تُركوا لإقلاق الراحة وتذكير العالم بوجود إرهابيين يُطلق عليهم صفة “الإسلاميين” لغايات في نفوس يعاقيب هذا الزمان.

ألغازٌ وأسرار وغموض تضيع خلالها الاجوبة عن الأسئلة المطروحة مع عدم استبعاد قيام حالات مماثلة ومشابهة لدواعش غبّ الطلب عندما تتطلب الحاجة إليها.

ولاشك أن تقصير الإعلام العربي والأجنبي كبير جداً، فلم نشهد من خلاله ما عرفنا بعد احداث عالمية مماثلة من تحقيقات وتقارير وصحافة استقصائية متواصلة لا تتوقف مع توقف الحدث رغم وجود الكثير من المصادر والشهود والقيادات السياسية والأمنية التي تعرف أسرار اللعبة. وأعود إلى هذه القضية مرة أخرى، ولكني أختم مع رواية مؤكدة لمستشار كبير للزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني، فقد سألته في لقاءٍ خاص عن الأمر، فأكد لي على أن وجود “داعش” كان معروفاً، ورغم رصد تحركات البغدادي منذ بدايتها في الموصل اولاً.

وقال ان السيد مسعود أوفده الى رئيس الوزراء آنذاك نور الدين المالكي مع رسالة عاجلة عن تحرك مشبوه لاحتلال الموصل، فلم يُحرك ساكناً، وقابل الأمر بلا مبالاة. وأكد المستشار انه اوفد مرة ثانية الى المالكي يُحذره من أن الهجوم وشيك ربما خلال أيام،
فحصل الامر ذاته بعد ان أمر الجيش بالإنسحاب، وترك ل”داعش” السيارات الحديثة ذات الدفع الرباعي والأسلحة ومئات الملايين من الدولارات في البنك المركزي وهذه رواية واحدة والمخفي أعظم.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى