عَمَلِيّةٌ عَسكَرية جديدة في سوريا؟

يبدو أن تركيا لديها عمل غير مُكتَمل عندما يتعلّق الأمر بقتالِ القوات الكردية جنوب حدودها.

أنتوني بلِنكين: ستُعارض الولايات المتحدة أيّ عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا

مارك بيريني وفرانسيسكو سيكاردي*

نفّذت تركيا أربع عمليات عسكرية على طول حدودها مع سوريا بين العامين 2016 و2020. وفي 26 أيار (مايو)، وافق مجلس الأمن القومي التركي على إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا ستجري عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا من أجل “تطهير حدودها الجنوبية من خطر الإرهاب”. وتمّ تسجيل إطلاق نيران للمدفعية التركية في المنطقة منذ مطلع حزيران (يونيو) الجاري، فيما كثّفت روسيا دورياتها العسكرية في مناطق شمال سوريا التي تسيطر عليها. لماذا ستُطلق تركيا مثل هذه العملية الجديدة الآن؟

تُسيطر أنقرة على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي في شمال سوريا، لكن محاولاتها السابقة لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود التركية-السورية بأكملها باءت بالفشل حتى الآن. لا تزال القوات التركية وفروعها غير مُسَيطرة على امتداد حوالي 70 كيلومترًا شرق وغرب مدينة كوباني، فضلًا عن جُزءٍ أكبر من الأراضي المُحيطة بمدينة القامشلي، وصولًا إلى نهر دجلة في الشرق. في هذه المناطق، عرقلت القوات الروسية تركيا بشكلٍ مُتكرّر، في حين تم وضع آلية “دورية مشتركة” بين أنقرة وموسكو.

يبدو أن تركيا تشعرُ حاليًا بثقةٍ أكبر في قدرتها على تجديد محاولتها للسيطرة الكاملة على بعض هذه المناطق، لدرجة أن أردوغان أعلن عن العملية علنًا. وأشار الرئيس التركي إلى أن تركيا ستستهدف مبدئيًا مدينتي منبج وتل رفعت غربي كوباني.

هناك أربعةُ أسبابٍ رئيسة واضحة لهذه العملية. أولًا، السيطرة الكاملة على منطقة آمنة أخرى على طول الحدود التركية-السورية ستكون بمثابة استمرار منطقي للعمليات التركية السابقة في شمال سوريا. كما أنها تتناسب مع موضوع دائم لسياسة أنقرة – محاربة حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره منظمة إرهابية، وفرعه السوري، “وحدات حماية الشعب”. لا جديد هنا، باستثناء خرق الوضع الراهن الذي توصّلت إليه القوات الروسية على الأرض عندما توقفت عملية “نبع السلام” في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

ثانيًا، ربما تحسب أنقرة أن روسيا، خلافًا لذلك، مشغولةٌ بالغزو المُطوَّل لأوكرانيا، وقد لا يكون لديها الوقت والموارد لمنع توغّل تركي جديد، ولا الشرعية السياسية للاعتراض عليه نظرًا إلى عملياتها في دونباس. وتجدر الإشارة إلى أنه بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد عززت روسيا قاعدتها في مطار القامشلي بطائرات ومروحيات وصواريخ مضادة للطائرات. وقال المصدر نفسه إن القوات الأميركية موجودة أيضًا على الحافة الجنوبية لتلك المنطقة.

ثالثًا، من وجهة نظر غربية، هناك حتمًا بُعدٌ سياسي محلّي لمثل هذه العملية، على غرار الاعتراض الذي أعربت عنه تركيا لتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليشمل فنلندا والسويد. مع مواجهة أردوغان لانتخاباتٍ غير مواتية بشكلٍ كبير والوضع الاقتصادي السيئ، بما في ذلك التضخّم المتصاعد وانخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي، فإن إغراءه لحشدِ الناخبين حول العلم وإسكات الانتقادات من تحالف المعارضة بشأن موضوع المصلحة الوطنية أمرٌ واضح. بالإضافة إلى ذلك، كلما زادت انتقادات القوى الأجنبية للعملية، زادت فائدة القيادة التركية التي تحرص دائمًا على تقديم نفسها كقوة مستقلة عن روسيا والغرب.

رابعًا، إذا أثبتت العملية نجاحها واستدامتها، فإنها ستُعزّز خطة أنقرة “لإعادة اللاجئين السوريين طوعًا” من تركيا، وبالتالي تسجيل نقطة أخرى على الساحة السياسية المحلية، وسط تزايد الاستياء من وجود اللاجئين.

المسألة بالنسبة إلى القيادة التركية هي تقييم المخاطر التي تنطوي عليها العملية. ستُعارض الولايات المتحدة أيّ عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا. وقد أعلن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلِنكين ذلك في 1 حزيران (يونيو)، مُضيفًا أن واشنطن “تدعم الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية”. ومن المتوقع أن يتبنّى الاتحاد الأوروبي الموقف نفسه.

تحتفظ الولايات المتحدة بوحدة صغيرة قوامها 900 جندي في شمال شرق سوريا، وذلك بشكلٍ أساسي لمنع عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). كان تعاون واشنطن مع “وحدات حماية الشعب” في هذه المنطقة من أكثر القضايا الشائكة في العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة. من المحتمل أن تتعارض عملية تركية جديدة مع المصالح الأميركية على الأرض، مما يزيد من تفاقم الخلاف الديبلوماسي بين تركيا وحلفائها الغربيين بشأن بيع الطائرات الحربية الأميركية، والعلاقات مع روسيا، وتوسيع الناتو.

بالإضافة إلى ذلك، من غير المُرَجّح أن يحظى أمل تركيا في جذب المساعدة الإنسانية الدولية لإعادة توطين اللاجئين السوريين في المناطق التي تُسيطرُ عليها في شمال سوريا بالكثير من الدعم لأسباب واضحة. العمليات المتتالية في شمال سوريا لا تخضع لأيّ تفويضٍ دولي. هناك أيضًا مؤشّرات إلى حدوث تغيير ديموغرافي هائل، حيث إن غالبية اللاجئين السوريين الموجودين حاليًا في تركيا هم من العرب السنة، لذلك من خلال نقلهم إلى شمال سوريا، ستُحقّق تركيا الهدف الاستراتيجي المُتمثّل في إضعاف السكان الأكراد الذين يعيشون هناك. تأمل أنقرة أن يضمن ذلك أمنها في المدى الطويل. علاوةً، تُظهرُ مناطق سورية أخرى خاضعة فعليًا لسيطرة تركيا علاماتٍ على وجودٍ دائم. يتمُّ تعيين الهياكل الإدارية والأمنية المحلية من قبل أنقرة، وتُدير تركيا الخدمات العامة مثل الصحة ومكاتب البريد، والعملة الفعلية هي الليرة التركية.

في 2 حزيران (يونيو)، أعربت روسيا أيضًا عن معارضتها لمثل هذه العملية بعبارات لا لبس فيها: “نأمل أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهورٍ خطيرٍ للوضع الصعب أصلًا في سوريا”. كما أعلنت موسكو عن تفهّمها “بشأن التهديدات للأمن القومي [لتركيا] المنبثقة من المناطق الحدودية”.

وأشار بيانٌ رسمي من الرئاسة التركية إلى أن العملية المُخَطّط لها في شمال سوريا تمّت مناقشتها بين الرئيسين أردوغان وفلاديمير بوتين في 30 أيار (مايو)، بينما لم يصدر أي بيان مُوازٍ من الكرملين حول هذا الموضوع. في سوريا، تدعم روسيا نظام الأسد وتدعم السيادة الكاملة للبلاد وسلامة أراضيها. على الرغم من الثقة التي عبّرت عنها الدوائر الرسمية في أنقرة، من الصعب التصوّر لماذا، في وقتٍ تواجه الكتلة الغربية بأكملها روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، تسمح موسكو لعضوٍ في الناتو بالتحرّك بحزم ضد سياستها تجاه سوريا. بالنسبة إلى الكرملين، إن أيَّ فشلٍ في حماية مصالحه في المنطقة سوف يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه علامة ضعف.

العلاقة بين أردوغان وبوتين مُعقَّدة، وفي السنوات الأخيرة وقعت حوادث خطيرة للغاية بين جيشيهما على الأراضي السورية وفي مجالها الجوي. ما لم يفترض المرء أن هناك تفاهمًا خفيًا بالفعل، فهذه المرة ستكون المخاطر التي تتعرّض لها أنقرة أعلى من المُعتاد.

  • مارك بيريني هو باحث زائر في كارنيغي أوروبا، حيث تُركّز أبحاثه على التطورات في الشرق الأوسط وتركيا من منظورٍ أوروبي. وفرانسيسكو سيكاردي هو مدير برامج أول في كارنيغي أوروبا.
  • كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى