نِهايَةُ الهَيمَنة؟

مايكل يونغ*

بعد انسحابِ سعد الحريري من الحياة السياسية في كانون الثاني (يناير) الفائت، كان الخوف الأكبر في لبنان هو أن الزعماء السنّة البارزين الآخرين سيضطرون إلى فعل الشيء نفسه. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى مُقاطَعةٍ سنّية بحكم الأمر الواقع للانتخابات البرلمانية في أيار (مايو) المقبل. الآن بعد أن أعلن ثلاثة رؤساء وزراء، حالي وسابقَين، (من السنّة حسب العُرفِ السياسي) –نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام– أنهم لن يترشّحوا، فنحن أقرب كثيرًا إلى هذا الاحتمال.

كيف سيكون ردّ فعلِ السنّة على حقيقة أن الحريري وميقاتي وسنيورة وسلام ليسوا مُرَشَّحين؟ الافتراض المعقول هو أن نواب السنّة من الدرجة الثانية الذين كان من الممكن انتخابهم على قوائمهم لن يشاركوا أيضًا. سيؤدّي هذا إلى تفضيل المُرشّحين السنّة الذين يتمتّعون بدعمٍ طائفي أقل، لكنهم قد يدخلون البرلمان لأنهم سيكونون على قوائم يؤيّدها ويدعمها “حزب الله”.

إذا كان الأمرُ كذلك، فمن المُمكن أن يخرجَ “حزب الله” وحلفاؤه من الانتخابات المقبلة بمقاعد أكثر مما لديهم اليوم. لكن مَن سيكون حلفاء “حزب الله” أو خصومه بالضبط هذه المرة؟ هل سيكونُ لأنصارِ سوريا المحلِّيين بالضرورة أجندة “حزب الله” وإيران نفسها؟ قد يكون الواقع أكثر إثارة للاهتمام من ذلك. والذي يساعدنا على فهمٍ أفضل لما قد ينتظر لبنان هي الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة في الأسبوع الماضي.

من وُجهةِ نظر الدول العربية، فإن إعطاءَ سوريا دورٌ في العالم العربي ولا سيما في المشرق العربي، يُنظَر إليه على أنه طريقة للردّ على إيران إقليميًا. وتعتقد أنه إذا تمّ تعزيز النظام السوري فسوف يترك مجالًا أقل لطهران لفرض أجندتها في سوريا ولبنان. في الماضي، سَمَحَ هذا التفكير لنظام الأسد بلعبِ ورقة الدول العربية ضد إيران، والاستفادة من كليهما في هذه العملية. اليوم، يُبحِرُ الأسد في بيئةٍ أكثر تعقيدًا، حيث قام لاعبان إضافيان، روسيا وإسرائيل، بقطع دورٍ لأنفسهما.

هل عودة الهَيمَنة السورية على لبنان واقعية؟ سوف يسخر الكثيرون من مثل هذا السؤال، على افتراض أن النظام السوري أضعف من أن يتحدّى إيران في الداخل أو في لبنان. لكن السخرية تنخفض قليلًا إذا أخذنا في الحسبان روسيا، التي تسعى إلى انفتاحٍ في سوريا ولبنان لتعزيز مصالحها الخاصة. الفكرة ليست أن سوريا وروسيا وإيران ستدخل في مواجهة، لأنها لن تفعل ذلك. بدلًا، لكلٍّ منها أولوياتها التي ستتبعها والتي قد تتعارض مع أولويات الأخرى. ما قد ينتج عن ذلك هو إعادةُ تنظيمٍ للقوى التي لها تأثيرٌ كبيرٌ في المنطقة.

نحنُ نَشهَدُ بشكلٍ سريعٍ ظهورَ علاقات إقليمية يُمكن أن تطرح مشاكل كبيرة لإيران. تتمتّع الدول العربية الكبرى، على الرغم من تحسين علاقاتها مع سوريا والحفاظ على علاقة جيدة مع موسكو، بشكلٍ رسمي أو غير رسمي بعلاقات جيدة مع إسرائيل. وإسرائيل، بدورها، حافظت على قنواتٍ مفتوحة مع روسيا، على خلفية تحسين علاقاتها مع دول الخليج. ما يبدو أنه يتشكّل، إذًا، هو تحالفٌ غير رسمي من مختلف الجهات الفاعلة التي لديها القدرة على وضعِ قيودٍ على توطيد سلطة إيران في سوريا ولبنان.

وبهذه الطريقة، ستستفيد الدول العربية –القوى الخليجية الكبرى، مصر والأردن– من عكس مكاسب إيران الإقليمية. سترى سوريا فرصةً لتأمين التمويل لإعادة الإعمار، والعودة إلى الاتجاه العربي السائد، وإحياء مجال نفوذها في لبنان (لا يختلف عما تسعى إليه روسيا في أوكرانيا). ستُعزّز إسرائيل ترسيم الحدود العربية والروسية لطموحات إيران في لبنان وسوريا بمكوّن عسكري. وستقوم روسيا بإعادة ضبط علاقات قوتها مع إيران ببطء، بينما تلعب دورًا محوريًا بين مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط.

ماذا يعني هذا للبنان؟ بالنسبة إلى المُبتدئين، فإنه يشير إلى أن الانتخابات الرئاسية المُقبلة ستكون على الأرجح أول مؤشّر رئيس إلى الاتجاه الذي تتّخذه هذه الديناميكيات. سوف تريد سوريا سليمان فرنجية رئيسًا للبلاد، وسيكون انتخابه عاملًا مهمًا في إعادة تأكيد نفوذها على البلاد. للحدّ من وصول سوريا، قد يُفضّل “حزب الله” وإيران رئاسة جبران باسيل، ويفعلان كل ما في وسعهما لضمان نجاحه في الانتخابات النيابية المقبلة. إذا أدى ذلك إلى توترات، فقد تختار سوريا وإيران إيجاد حلٍّ وسط مع مرشح ثالث.

إن عدم الاهتمام الذي أبدته الدول العربية بإعطاء التوجيهات للطائفة السنّية داخل لبنان يوحي بأنها قد تسعى للقيام بذلك من دمشق. يبدو هذا غير منطقي، بالنظر إلى العداء الذي يشعر به العديد من السنّة تجاه نظام الأسد. لكن في مواجهة هيمنة إيران و”حزب الله”، من المرجح أن يُفضّلوا سوريا، إذا كانت مدعومة من الدول العربية وروسيا. وإذا كان على “حزب الله” أن يتعامل مع مجتمع سنّي نشط، فقد يضطر إلى تقديم تنازلات.

إن إحياءَ الاتفاق النووي مع طهران لن يؤدي إلّا إلى تسريع مواءمة المصالح بين الدول العربية وروسيا وإسرائيل، بينما تنفصل الولايات المتحدة عن المنطقة وتترك الآخرين لملء الفراغ. لا ينبغي لأحد أن يراهن على صراعٍ مع إيران. ما تريده الدول العربية وروسيا، وبدرجة أقل إسرائيل، هو المناورة بطريقة لا يمكن لإيران إلّا القبول بأن الآخرين لهم مصالح في سوريا ولبنان أيضًا، وأنه يجب احترام هذه المصالح.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى