الضربات الإسرائيلية – الإيرانية تُعرقل جهودَ بايدن للانضمامِ إلى الإتفاقِ النووي

أسامة الشريف*

سواء كان هجوماً إلكترونياً أو انفجاراً مُخطّطاً له عن عمد تسبّب في انقطاع التيار الكهربائي في محطة تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في نطنز يوم الأحد الفائت، فمن المرجح أن تكون إسرائيل هي التي نفّذته. لقد ألقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف باللوم على الدولة العبرية في عملية التخريب هذه وتعهّد بـ”الانتقام من الصهاينة” واستبدال أجهزة الطرد المركزي المُتضرّرة في الموقع بأجهزةٍ أفضل. ووصفت إيران الهجوم بأنه “إرهابٌ نووي”.

ذكرت مصادر استخباراتية ل”صحيفة نيويورك تايمز” يوم الاثنين أن الإنفجار وجّه ضربة قاسية لقدرة الجمهورية الإسلامية على تخصيب اليورانيوم، وقد تستغرق عملية استعادة قدرتها السابقة تسعة أشهر على الأقل. واستهدفت إسرائيل البرنامج النووي الإيراني في مناسبات عدة، كان آخرها عملية الاغتيال الجريئة التي راح ضحيتها عالم الطاقة النووي الإيراني محسن فخري زاده في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت.

إن توقيت هذا الهجوم الأخير مثيرٌ للاهتمام. لقد وقع عندما وصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى إسرائيل في أول زيارة يقوم بها عضو بارز في إدارة جو بايدن. في حين كان الهدف المُعلَن للزيارة هو مناقشة سُبُل تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، والقضايا الإقليمية وإمدادات الأسلحة الأميركية لإسرائيل، يعتقد المُحلّلون والخبراء أن أوستن أراد نقل رسالة من البيت الأبيض إلى المسؤولين الإسرائيليين تتعلق بالأسلحة النووية الإيرانية والاتفاق الذي تعارضه إسرائيل بشدة. وكانت جرت محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، برعاية الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الفائت في فيينا حول هذا الإتفاق، ومن المتوقع أن تُستأنف هذا الأسبوع. وقد نُقل عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية قوله إن المحادثات “حقّقت التوقعات” لكنها لم تُهدّئ شكوك واشنطن بشأن استعداد إيران للتفاوض بحسن نية بشأن الاتفاق النووي لعام 2015.

ووقع الهجوم بعد يوم واحد من إطلاق إيران لما وصفته بأجهزة طرد مركزي متطورة لتخصيب اليورانيوم في محطة نطنز بمناسبة اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية. وقال الرئيس حسن روحاني في رسالة إن “جميع أنشطتنا النووية سلمية ولأغراض غير عسكرية”.

على الرغم من العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، فإن إسرائيل، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، ظلت ثابتة في رفضها للاتفاق النووي الموقّع في العام 2015 ودعمت قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب منه. وذهب نتنياهو إلى حد الإزدراء من الرئيس آنذاك باراك أوباما بقبوله دعوة لإلقاء كلمة أمام الكونغرس الأميركي في آذار (مارس) 2015 حيث هاجم فيها الاتفاق النووي مع إيران الذي كان يؤيّده البيت الأبيض يومها بشدّة.

وفي حديثه إلى كبار الضباط العسكريين يوم الأحد الفائت، تفاخر نتنياهو بأن “الحرب ضد إيران ووكلائها … مهمّة ضخمة. إن الطريقة التي تسير بها الأمور الآن لا تعني أنها ستبقى على هذا النحو لاحقاً. من الصعب جداً شرح ما فعلناه هنا في إسرائيل، والانتقال من العجز التام … إلى قوّة عالمية”. وتحدثت مصادر عسكرية إسرائيلية عن تدريبات مقبلة تُحاكي هجوماً على إيران. وإسرائيل ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تشعر بالقلق من نشاط إيران النووي وسلوكها الإقليمي، فغالبية دول الخليج تُشاركها أيضاً في هذه المخاوف.

هذه مشكلة لإدارة بايدن -وحلفائها الأوروبيين- المُتلهّفة لإعادة إيران إلى الاتفاق النووي ولكن ليس من دون إجبار طهران على تقديم تنازلات. تريد الجمهورية الإسلامية من الولايات المتحدة رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب قبل أن تجدد التزامها. لكن واشنطن، على حدّ علمنا، مستعدة للبدء في رفعٍ جزئي للعقوبات المُرتبطة مباشرة ببرنامج إيران النووي. وتتعلّق عقوبات أخرى بأنشطتها الإقليمية وسجلّها في مجال حقوق الإنسان وبرنامجها الباليستي.

يريد الأميركيون وشركاؤهم الأوروبيون التوصّل إلى اتفاقٍ قبل أن تجري إيران انتخاباتها الرئاسية في أقل من 100 يوم. وحذّر روحاني، الذي يُنظَر إليه على أنه براغماتي، الشهر الماضي من أن خصومه المُتشدّدين يعرقلون جهود رفع العقوبات الأميركية القاسية. وجهة النظر من الغرب هي أن روحاني يمكن أن يحل محله مُتشدّد يختاره المرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي.

يجادل الإسرائيليون بأن جهودهم التخريبية تعمل على تأخير وإعاقة برنامج إيران النووي، لكنهم لا يُقدّمون رؤية واقعية لما يمكن أن يحدث بعد ذلك. انخرطت إيران وإسرائيل في حربٍ بحرية بطائرات مُسَيَّرة. في خضم محادثات فيينا في الأسبوع الفائت، إتهمت طهران تل أبيب بمهاجمة ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر. وكانت إسرائيل بدورها وجّهت أصابع الاتهام إلى إيران في هجوم صاروخي أصاب سفينة شحن إسرائيلية في بحر العرب في الشهر الماضي.

وتشن إسرائيل غارات شبه أسبوعية ضد أهداف عسكرية إيرانية في سوريا، وتعهّد نتنياهو باحتواء الوجود العسكري الإيراني في ذلك البلد.

بايدن، الذي شغل منصب نائب الرئيس لأوباما، سيواجه صعوبة في كبح جماح إسرائيل بينما يتفاوض فريقه مع إيران. الضرر الذي تسببه الدولة العبرية يتجاوز بكثير تأخير برنامج إيران النووي. ستُجبر الهجمات إيران على نقل برنامجها إلى مزيد من السرية والخروج من أي شكل من أشكال التفتيش الدولي. حتى في الوقت الذي يقاتل نتنياهو خصومه لتشكيل حكومة، فهو يعلم أنه عندما يتعلّق الأمر بالتهديد الإيراني، فإن جميع خصومه يسيرون معه، وهو  يعرف أكثر أن الجمهوريين في الولايات المتحدة يواصلون دعم سياسة ترامب تجاه إيران.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى