مع لبنان في حالةِ فوضى، إلى أي مدى يَرغَبُ جبران باسيل في الوصول إلى الرئاسة؟

مايكل يونغ*

قبل أيامٍ ثلاثة، في مقابلة مع صحيفة “النهار” اللبنانية، وضع جبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر” وصهر الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، “حزب الله” في موقفٍ صعب. قال للصحيفة إن “حزب الله” لا يستطيع إجباره على التصويت لسليمان فرنجية كرئيسٍ للجمهورية، ولا يعتقد أن فرنجية “يمكنه أن يقود البلاد للخروج من الوضع الذي تعيشه اليوم”.

ما جعل البيان مُهمًّا هو أنه حدث بعدما التقى باسيل الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، الذي طلب منه دعم ترشيح فرنجية. وتُشيرُ التقارير إلى أن الاجتماع كان متوتّرًا بعد أن رفض باسيل الامتثال لطلب نصر الله وتَبِعَ ذلك بمُطالبة زعيم “حزب الله” بتأييد ترشيحه بدلًا من ذلك.

على الرغم من اختلال توازن القوى بين “حزب الله” وحلفائه المسيحيين، فإن الحزب حريصٌ للغاية على عدم اتخاذ خطواتٍ من شأنها أن تُنَفِّرَ باسيل أو فرنجية. في اللعبة الطائفية اللبنانية الغادرة، يَعرِفُ “حزب الله” أن تحالفاته العابرة للطوائف فقط، لا سيما مع عون في العام 2006، هي التي سمحت له باستعادة زمام المبادرة ضد خصومه السياسيين الذين خرجوا بقوة من انتفاضة العام 2005 ضد هيمنة سوريا على لبنان.

علاوة على ذلك، لقد دفع باسيل ثمنًا عاليًا لعلاقاته مع “حزب الله”. في حين أن الولايات المتحدة عاقبته بتهمة الفساد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 بموجب ما يُسمَّى بقانون ماغنتسكي، فبعضهم يعتقد أنه كان هناك بُعدٌ سياسيّ للقرار الأميركي. فقد أعرب المسؤولون الأميركيون على الدوام عن استيائهم من تحالف “التيار الوطني الحر” مع “حزب الله”.

لهذا السبب يبدو أنه يعتقد أن “حزب الله” مُدينٌ له، وطريقة إظهار ذلك هي أن يساعده الحزب على الوصول إلى قصر بعبدا. في العمق، يودّ باسيل  أن يفعل “حزب الله” له ما فعله لعون، أي أن يفرضَ فراغًا حتى تُجبر جميع الجماعات السياسية الأخرى على التصويت له لتولي المنصب. ويشعر أن فوزه ستكون له فائدة إضافية تتمثّل في أنه سيؤدي إلى رفعٍ سريع للعقوبات الأميركية، وهي الفكرة التي عبّر عنها عون لأول مرة في إحدى مقابلاته الأخيرة قبل العودة إلى منزله في الرابية.

ومع ذلك، فإن الأمور ليست بهذه البساطة. الحليف الأساسي لـ”حزب الله” هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو شيعي وخصم سياسي دائم لعون وباسيل. لقد ذهب “حزب الله” بعيدًا في دعم العونيين، لكنه أوضح دائمًا أنه يرسم خطًّا في علاقته مع بري، في المقام الأول للحفاظ على الوحدة السياسية الشيعية.

كان عدم ارتياح “حزب الله” للوضع واضحًا. ولم يُصدر أي بيان عام ردًّا على مقابلة باسيل. الحقيقة أن الحزب ليست لديه حلول جاهزة لمشكلته. يشعر باسيل أن “حزب الله” حاضر لتنفيذِ رغباته، لكن يجب أن يكون حريصًا أيضًا على عدم المبالغة في تقدير نفوذه.

“حزب الله” بحاجة إلى حليف مسيحي قوي. لكنه ليس على استعداد للتضحية بأهدافٍ رئيسة أخرى –الحفاظ على علاقاته مع بري والحفاظ على علاقات هادئة مع الطوائف السنية والطوائف الأخرى– لتلبية رغبات باسيل الشخصية. إن محاولة فرضه كرئيس من شأنه أن يُعرّضَ هذين الهدفين للخطر، ولن يسيرَ الحزب في هذا الطريق.

من ناحية أخرى، يخشى باسيل الآن بعد أن ترك عون منصبه، بأن يكون بقاؤءه السياسي مُعرَّضًا للتهديد. إنه مُحِقٌّ في ذلك، إلى حدٍّ كبير لأنه أثار عداوة الجميع في السنوات الأخيرة، والتي وجد نفسه معزولًا سياسيًا بسببها. كثير من الأفرقاء والناس لديهم حقدٌ على باسيل ويرحّبون بتهميشه.

هذا هو السبب في أن السبيل الوحيد لباسيل للخروج من مأزقه هو أن يأخذ وقته بالنسبة إلى الترشح للرئاسة، والتحلي بالصبر، والبدء في إعادة بناء العلاقات عبر الطَيف السياسي، من خلال المصالحة مع أعدائه، من أجل تثبيت نفسه في نظام ما بعد عون. تكمن المشكلة في أنه مُتَهَوِّرٌ وكان الأمر سهلًا أثناء صعوده السياسي، راكبًا على “ذيل” عون. عليه الآن أن يرسم ويؤسس قاعدة سياسية بمفرده.

يجب أن يبدأ هذا الجهد داخل “التيار الوطني الحر”. على مرِّ السنين، تم إجبار شخصيات بارزة في التيار على المغادرة أو تم طردهم من قبل باسيل، الذي سعى إلى تشكيل التيار الوطني الحر وفقًا لأولوياته الخاصة. وافق عون ضمنيًا على ذلك، الأمر الذي أعطى باسيل مجالًا كبيرًا لمواصلة عمليات التطهير. ولكن، فإن السؤال الرئيس اليوم هو ما إذا كان يمكن للتيار الوطني الحر أن يظل مُوَحَّدًا بعد رحيل عون.

المشكلة هي أن باسيل لا يعمل بشكل جيد من أجل المصالحة. إنه شخصية مثيرة للجدل ومتغطرس بطبيعته، وقراره المحفوف بالمخاطر بوضع “حزب الله” مباشرة على المحك كشف مزاجه. في الواقع، واصل باسيل مهاجمة العديد من الشخصيات السياسية البارزة في لبنان، وسط تقارير تفيد بأن هذه ستكون استراتيجية “التيار الوطني الحر”، من أجل تعبئة التيار خلف زعيمه.

إذا كانت هذه هي خطة اللعبة، فإن باسيل يُخطئ في الحسابات. قد يحتفظ بالدعم من جماعته، لكنه سيكافح للحفاظ على مكانته في النظام السياسي. في الوقت الحالي، العلاقات مع “حزب الله” هي الشيء الوحيد الذي يريده. لكن في مرحلة ما، قريبًا، عليه التفكير في ما هو أبعد من ذلك إذا كان يريد تجنب البقاء معتمدًا كليًّا على الحزب.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى