شُرَكاءُ نتنياهو من اليمين المُتَطَرِّف في الداخل قد يُخَسِّرونَ إسرائيل أصدقاءها في الخارج

بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، كان تحقيقُ التوازن بين أولويّاته الداخلية وشركاء إسرائيل الإقليميين الجُدد أمرًا صعبًا دائمًا. سيكونُ الأمرُ أكثر خطورةً إذا كانت حكومته مُثقَلة بالمُتطرِّفين الذين تُنَفِّرُ آراؤهم هؤلاء الشركاء.

الشيخ عبدالله بن زايد: حذّر نتنياهو من ضم زعماء حزب الصهيونية الدينية القومي.

لينا الخطيب*

في الأسبوع الفائت، ضمنت الإنتخاباتُ البرلمانية الإسرائيلية الخامسة خلال أربع سنوات عودةً سياسيّة دراماتيكية لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الذي عاد إلى السلطة بعد خسارته أمام ائتلافٍ واسعٍ من جميع الطيف السياسي الإسرائيلي في الانتخابات التي جرت في العام الماضي. من المُقرَّر أن يُشكّلَ نتنياهو حكومةً ستضمّ حزب الصهيونية الدينية القومي المتطرف بقيادة إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وكلاهما يُعتَبَرُ على نطاق واسع من المُتطرّفين اليمينيين. ومن المتوقع أن يتقلّدَ الاثنان مناصب وزارية، الأمر الذي يُثيرُ القلق في إسرائيل وكذلك بين حلفائها وشركائها، ويترك نتنياهو في مواجهة عملية مُوازَنة صعبة عندما يتعلق الأمر بإدارة العلاقات الخارجية وتعزيز الأولويات الداخلية لحكومته.

بفضل المقاعد الـ14 التي فاز بها في انتخابات الأسبوع الماضي، سيكون حزب الصهيونية الدينية ثالث أكبر كتلة في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). بن غفير، أحد أتباع السياسي العنصري القومي المتطرف مئير كاهانا، معروفٌ بخطابهِ المُناهِضِ للعرب وأُدينَ في العام 2007 بالتحريض على العنصرية ودعم منظمةٍ إرهابية. سموتريتش، أيضًا، معروفٌ بآرائه المُعادية للعرب، بعد أن أعرب عن أسفه لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، ديفيد بن غوريون، لم “يُنهِ المُهمّة” بطرد جميع العرب من الأراضي التي أصبحت إسرائيل. يقف كلٌّ من بن غفير وسموتريتش الآن على أعتابِ مناصب وزارية كبرى في الحكومة الجديدة بقيادة نتنياهو.

في الفترة التي سبقت انتخابات الأسبوع الماضي، أفادت الأنباء أن وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبد الله بن زايد، حذّرَ نتنياهو خلال زيارةٍ لتل أبيب من ضمِّ بن غفير وسموتريتش إلى حكومته في حال تكليفه بتشكيل ائتلافٍ بعد انتخابات الأول من تشرين الثاني (نوفمبر). على الرغم من أن مكتب بن زايد لم يؤكّد التقارير، إلّا أنه لم ينفها أيضًا، ما دفع الكثيرين في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى القول أن حكومة نتنياهو الجديدة التي تضمّ بن غفير وسموتريتش ستُسبّب مشاكل في العلاقات الثنائية بين إسرائيل ودولة الإمارات. وكانت العلاقات الديبلوماسية الرسمية بين البلدين أُقيمت قبل عامين بموجب اتفاقات أبراهام، وهو جهدٌ قاده في ذلك الوقت نتنياهو وبن زايد نيابةً عن حكومتيهما. كما وقّع الرجلان الاتفاقية في العام 2020 عندما كان نتنياهو رئيسًا للوزراء.

الإمارات العربية المتحدة ليست الشريك الوحيد لإسرائيل الذي يشعر بالاستياء من شراكة نتنياهو مع حزب الصهيونية الدينية. لقد أعرب بعض الديموقراطيين في واشنطن عن قلقه بشأن بن غفير وسموتريتش، بمن فيهم السيناتور بوب مينينديز، الرئيس المؤثّر للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والمعروف بآرائه القوية المؤيدة لإسرائيل. كما حذّرَ مينينديز نتنياهو في أيلول (سبتمبر) من ضمِّ مُتطرّفين يمينيين في حكومته، وقال له إن ذلك سيضرّ بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن يبدو أن نتنياهو رفض التحذيرات من كلِّ من واشنطن وأبو ظبي، قائلًا في تشرين الأول (أكتوبر): “نحن دولة ديموقراطية وسنُقرّر مَن سيكون في الحكومة المقبلة”.

المخاوف بشأن بن غفير وسموتريتش لا تأتي فقط من الخارج. أعرب العديد من الليبراليين الإسرائيليين عن مخاوفهم من أن الحكومة الجديدة التي تضم اليمين المتطرف في إسرائيل قد تزيد من تأجيج التوترات مع الفلسطينيين في الضفة الغربية. ونتنياهو هو مؤيد قوي لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ويُعارض إنشاء دولة فلسطينية هناك وفي قطاع غزة كحلٍّ للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني — ما يسمى بحلِّ الدولتين الذي يدعمه معظم المجتمع الدولي، بما في ذلك إدارة بايدن. نتنياهو، الذي يُحاكَمُ حاليًا بتهمة الرشوة والاحتيال، يُدينُ بعودته إلى السلطة بشكلٍ كبير لحلفائه اليمينيين المُتطرّفين، الذين يتوقّعون الآن عوائد كبيرة ليس فقط لإعادته إلى السلطة ولكن أيضًا بسبب اتفاقٍ يُقالُ لإلغاء محاكمته.

لكن على الرغم من خطاب نتنياهو قبل الانتخابات الذي أكّدَ على استقلال إسرائيل في مواجهة تحذيرات شركائها الأجانب، فإن المخاوف المحلّية والدولية الواسعة بشأن إدراج عناصر اليمين المتطرف في حكومته تشيرُ إلى تحدّياتٍ خطيرة في المستقبل لن يتمَّ حلّها من خلال الخطاب وحده. من غير المحتمل أن يؤدّي وجود عناصر متطرفة مثل بن غفير وسموتريتش في الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى تفكيك اتفاقات أبراهام في حدّ ذاتها. لكن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- التي وقّعت معها إسرائيل اتفاقات التطبيع لن تنظرَ بإيجابية إلى احتمالات العمل بشكلٍ وثيق مع حكومةٍ تضم مسؤولين مُعادِين للعرب بشكل مسعور، لأن هذا يضرّ بشرعيتها الداخلية ومكانتها في العالم العربي.

على أقل تقدير، قد يشعر المسؤولون العرب بأنهم مُلزَمون بتقليل مدى تفاعلهم العلني مع نظرائهم الإسرائيليين، مما قد يُعقّد خطة إسرائيل لتطبيع العلاقات مع المزيد من الدول العربية. يسعى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى إقامة علاقة تصالحية مع إسرائيل، لكنه قد لا يكون قادرًا على توجيه الرياض نحو التطبيع الكامل إذا نفّذت حكومة نتنياهو سياساتٍ مُتطرَّفة مُعادية للعرب.

في نهاية المطاف، لدى إسرائيل ودول الخليج العربية مخاوف أمنية مشتركة تدفعهما إلى إيجاد طريقة للعمل معًا: إيران. إن تفكك اتفاقات أبراهام من شأنه أن يصبَّ في مصلحة طهران، في وقت تواصل إيران مغامراتها العسكرية عبر الشرق الأوسط، ما يُهدّدُ المصالح الأمنية لإسرائيل ودول الخليج -ناهيك عن الولايات المتحدة- في هذه العملية. كما إنَّ إسرائيل والمملكة العربية السعودية تُعارضان الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وكذلك جهود إدارة بايدن لإحيائه، ولا يريد أيٌّ من البلدين تعريض تحالفهما غير الرسمي ضد طهران للخطر.

في الأسبوع الفائت، قال تساحي هنغبي، الوزير السابق وعضو حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، إن إسرائيل ستُهاجم المنشآت النووية الإيرانية إذا تم استفزازها. لكن إسرائيل لن تكون قادرة على الانخراط في أيِّ عمليات كبرى من هذا القبيل، والتي سيكون لها عواقب إقليمية ودولية، وحدها. للحفاظ على أمنها بشكل مستدام في المنطقة، تحتاج إسرائيل إلى دعم واشنطن وكذلك حلفائها الإقليميين. هذا صحيح بشكلٍ خاص في حالةِ أيِّ عملٍ عسكري واسع النطاق ضد خصم إقليمي، سواء كان إيران أو “حزب الله” في لبنان المجاور.

بالنسبة إلى نتنياهو، كان تحقيقُ التوازن بين أولويّاته الداخلية وشركاء إسرائيل الإقليميين الجدد أمرًا صعبًا دائمًا. سيكون الأمر أكثر خطورة إذا كانت حكومته مُثقَلة بالمُتطرِّفين الذين تُنَفِّرُ آراؤهم هؤلاء الشركاء.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى