العالم أمام … مجاعة؟

ألكسندر مولِر، فيوليت شيفوتسي وجيس ويجلت*

نظام الغذاء العالمي مُعَطَّل. على الرغم من أنه ينتج سعرات حرارية أكثر من كافية لإطعام الجميع، فإن ما يصل إلى 811 مليون شخص – أكثر من 10 في المئة من سكان العالم – ينامون جائعين كل ليلة. للأسف، لا يزال هناك نقصٌ في الإدارة الفعالة لضمان حصول الجميع على الغذاء. لذلك يجب أن يكون الجهد المُنَسَّق عالميًا لمعالجة الجوانب القصيرة والطويلة الأجل لأزمة الجوع على رأس الأولويات.

اليوم، أصبحت الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي – التوافر، والوصول، والاستقرار، والاستخدام – مُهَدَّدة بالآثار السلبية المشتركة لتغير المناخ، والصراع، وكوفيد-19، والتكلفة. من خلال تعطيل التجارة العالمية ودفع أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع، تخلق هذه العناصر الأربعة تحديًا قصير الأجل يتمثل في زيادة الجوع. في الوقت نفسه، تشكل أزمة المناخ التي هي من صنع الإنسان تهديدًا متوسط إلى طويل الأجل.

بدأ تغيّر المناخ بالفعل التأثير في البيئة التي يمكن إنتاج الغذاء فيها. تُقَوِّضُ موجاتُ الجفاف الاستثنائية وموجات الحرّ والفيضانات الزراعة في مناطق مختلفة مثل القرن الأفريقي والغرب الأوسط للولايات المتحدة. لا يترك تقريرُ التقييم السادس الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أي مجال للشك: ستكون لأزمة المناخ عواقب مُدَمّرة بشكلٍ متزايد على النظم الغذائية في جميع أنحاء العالم.

تؤدي حرب روسيا ضد أوكرانيا إلى تفاقم هذا الوضع المُتردّي أصلًا. كانت النزاعات المسلحة على الدوام من الأسباب الرئيسة للجوع، وعادة على المستوى الإقليمي. لكن حرب أوكرانيا، التي يشارك فيها اثنان من أكبر منتجي السلع الزراعية في العالم، تشوه التجارة العالمية. نتيجة لذلك، سجل مؤشر أسعار الغذاء الذي جمعته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أعلى مستوى له على الإطلاق في آذار (مارس) الفائت.

تضاعفت أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق أو الزيت النباتي ثلاث مرات في بعض المناطق منذ بدء الحرب. يواجه منتجو المواد الغذائية أيضًا ارتفاعًا حادًا في أسعار الأسمدة القائمة على الوقود الأحفوري، والتي تُعَدُّ روسيا واحدة من أكبر مُصدّريها. في البلدان المتضررة بشدة، قد يهدد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاستقرار الاجتماعي. عندما ارتفعت أسعار المواد الغذائية في العام 2008، أبلغت أكثر من 20 دولة عن اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار.

ثم هناك كوفيد-19. وفقًا للأمم المتحدة، تسبب الوباء في إصابة عشرات الملايين من الناس بالجوع. وأدت عمليات الإغلاق التي تهدف إلى مكافحة الفيروس إلى تعطيل سلاسل التوريد، ما زاد الضغط التصاعدي على أسعار المواد الغذائية.

تواجه أنظمتنا الغذائية المزيد من التحديات. أدّى الاستهلاك المُفرِط للسعرات الحرارية الرخيصة، الذي أتاحته التجارة العالمية في السلع الأساسية والمدخلات القائمة على الوقود الأحفوري، إلى انتشار السمنة وتسبب في مشاكل بيئية خطيرة. ولكن غالبًا ما يتم التعامل مع الآثار السلبية لأنظمة الإنتاج على البيئة على أنها عوامل خارجية اقتصادية وبالتالي يتم تجاهلها.

بشكلٍ أكثر عمومية، وبغض النظر عن قمة الأمم المتحدة للنُظُم الغذائية في أيلول (سبتمبر) الماضي، كان هناك عدد قليل جدًا من الأساليب الشاملة لتحويل النظم الغذائية. الزراعة الصناعية لا تزال تسيطر.

هذا يعني أن هناك الكثير مما يتعيَّن القيام به. لكن التهديدات للأمن الغذائي العالمي ستزداد إذا استمر صناع السياسات الذين يحاولون وقف أزمة الجوع الفورية في تجاهل أزمات المناخ والتنوّع البيولوجي وتأخير الخطوات الضرورية لجعل النُظُم الغذائية أكثر استدامة. على سبيل المثال، لن يؤدي تأجيل تنفيذ استراتيجية الاتحاد الأوروبي من المزرعة إلى الشوكة، كما اقترح البعض، إلى توفير كمية الغذاء المطلوبة في الأشهر المقبلة وسيؤدي إلى زيادة تقويض مرونة الزراعة الأوروبية.

مع تصاعد المخاطر على الأمن الغذائي، لا يمكننا استبعاد احتمال أن الإنتاج الزراعي من قطاعات الأغذية والأعلاف والألياف والوقود لن يكون كافياً لتلبية الطلب. ستجبرنا الإمدادات الشحيحة وانقطاع التجارة العالمية على اتخاذ خيارات.

ستتطلب مواجهة آثار حرب أوكرانيا والجوانب الأربعة استجابة مُنَسّقة عالميًا. السؤال الرئيس هو ما إذا كان النظام متعدد الأطراف سيكون قادرًا على توفير منصّة نشطة حيث يمكن للدول وجميع أصحاب المصلحة إدارة هذه التحديات بفعالية. إذا لم تكن الآليات المتعددة الأطراف الحالية على مستوى المهمة، فإن التضامن العالمي يتطلّب استجابة سريعة من قبل مجموعة السبعة.

في الواقع، بدأت مجموعة الدول السبع معالجة الوضع، ويجري تقديم تعهدات جديدة لتجهيز آليات التمويل المتعددة الأطراف لدعم البلدان المحتاجة. علاوة على ذلك، يجب على مجموعة الدول السبع أن تلتزم التزامًا صارمًا بمشاركة الحبوب المستخدمة حاليًا كعلف للحيوانات والوقود الحيوي مع الاقتصادات الأكثر فقرًا.

ستُثبِتُ مثل هذه الخطوة أن العالم الغني قد تعلّمَ درسه من جائحة كوفيد-19، عندما شارك عددًا قليلًا جدًا من الاختبارات واللقاحات والإمدادات الأخرى مع البلدان الفقيرة. ستوفر اتفاقية مجموعة الدول السبع حلًا سريعًا، وتخلق الثقة، وبالتالي يمكن أن تحفز النظام متعدد الأطراف على العمل الآن ولتجنب أزمات الغذاء في المستقبل.

مرة أخرى، من الضروري أن تدعم الاستجابات الفورية لأزمة الجوع الحالية التحوّل طويل الأجل لأنظمتنا الغذائية. يُقال إن ألبرت أينشتاين عرّف الجنون على أنه فعل الشيء نفسه بشكلٍ متكرر وتوقع نتيجة مختلفة. فلماذا نحاول إحياء نظام معطّل في أوقات الأزمات؟ ستنشئ مبادرة مجموعة الدول السبع نقطة انطلاق للتحول الذي تشتد الحاجة إليه في النظم الغذائية في كل مكان. البديل هو زيادة الجوع والمزيد من عدم الاستقرار.

  • ألكسندر مولر هو المدير العام لمجموعة الأبحاث “تي أم جي” (TMG) من أجل الاستدامة. فيوليت شيفوتسي هي مؤسِّسة ومُنسِّقة “Shibuye Community Health Workers. وجيس ويجلت هو رئيس البرامج في مجموعة “تي أم جي” من أجل الاستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى