أَشهر التماثيل في تاريخ النحت (1 من 2)

تمثال “فينوس وِلِنْدُورف”

هنري زغيب*

أُواصل سلسلة مقالاتي لـ”أَسواق العرب” في الثقافة العامة آدابًا وفنونًا في مختلف العصور والحقبات من تاريخ الفن والأَدب. وأَكتبُ  اليوم موضوعًا في النحت.

العمل في الثلاثة الأَبعاد، زاولَه النحاتون عبر العصور في أَكثر من مادة: الرخام، البرونز، الخشب، وسواها مما لا يحصره تعداد، وبعضُها مما لا يخطر في بال. ومنذ قديم التاريخ يعكس النحت مستوى الثقافة في المجتمع، سواء أَظهر النحتُ رأْسَ قائد عظيم أَو ناحيةً رمزية من العصر. ولا تُحصى التماثيل والأَنصاب الموحية في تاريخ الفن: فمن تمثال “فينوس دو ميلو” المبتورة الذراعَين، إِلى مشهد المحاربين حراس أمبراطور الصين، تطوَّر النحت حتى أَحدث أَعمال العصر الحديث وما فيها من غرابة في الشكل والمقصد، لكنّ الأَعمال الكلاسيكية تبقى نضرة جديدة حديثة في كل عصر.

هنا لمحة عن أَبرز 11 تمثالًا شهدها تاريخ النحت في العالَم، يتبيَّن منها التنوُّعُ الفني الذي لفَتَ المتابعين والمشاهدين عبر التاريخ، وكان سندًا لخلود تلك الأَعمال النحتية في عصرها وفي كل عصر حتى اليوم.

في هذا الجزء الأَول أَعرض بإِيجازٍ خمسة تماثيل، وأَترك الستة للجزء التالي من المقال.

تمثال “نفرتيتي”
  1. فينوس وِلِنْدورْف: وِلِنْدورْف قرية صغيرة في أَقصى الشمال الشرقي من النمسا، على الضفة اليُسرى من نهر الدانوب. اشتهرت عالَميًا منذ سنة 1908 حين اكتشف علماء الآثار تمثالًا يرقى إِلى نحو 30،000 سنة مطمورًا تحت كثافة التراب، وجدَه عمَّال الحفر لِـمدّ سكة الحديد في تلك القرية. التمثال من الحجر الكلسي، عُلُوُّهُ 11 سنتم، يمثِّل امرأَة بدينة، والأَرجح أَنه أَقدم تمثال بل أَقدم عمل فني في التاريخ. ووَفْق شكل المرأَة، بنهدَيها النافرَين وخصرها المستدير وساقَيها الضخمتَين، يرى نقَّاد الفن أَنْ قد يكون رمزًا للخصوبة، من هنا تسميتُهُ “فينوس وِلِنْدُورْف” لكَون فينوس إِلهة الخصوبة والحب. والتمثال موجود حاليًّا لدى “متحف التاريخ الطبيعي” في فيينَّا.
  2. تمثال نفرتيتي: يرقى إِلى السنة 1345 قبل الميلاد. وهو حجرٌ كلسيٌّ مطليٌّ ملوَّنٌ موجود حاليًّا لدى “المتحف الجديد” في برلين. ونفرتيتي هي “الزوجة الملكية العظمى” للفرعون أَخناتون. وُجِد في محترف تحوتمُوسيس النحات الرسمي للقصر الملكي. وهذا التمثال بات على مدى العصور رمز المرأَة المثالية للجمال الأُنثوي. تم اكتشافه نهار 6 كانون الأَول/ديسمبر 1912 في حفريات تل العمارنة (محافظة المنيا شمال صعيد مصر) بفضل بعثة أَثرية أَلمانية كان يقودها العالِم الأَلماني لودفيك بورخارد (1863-1938). وما زالت السلطات المصرية حتى اليوم تطالب الدولة الأَلمانية باستعادة التمثال إِلى أَرضه الأُم.
    تمثال “المحاربون”
  3. المحاربون: مجموعة تماثيل صغيرة بالطين المحروق تعود إِلى القرن الثالث قبل الميلاد. موجودة حاليًّا في مدينة سِيْآن الصينية وهي عاصمة مقاطعة شانْشي شماليّ شرقيّ البلاد، يرقى تاريخها إِلى نحو 3100 سنة وسبق لها أَن كانت هي عاصمة الصين على عهد السلالات “كين” و”هان” و”تانغ”، وهي بين أَكبر عشر مُدُن في البلاد، تضم حاليًّا نحو 8 ملايين نسمة. و”المحاربون” يمثلون جيش “كين شِيْ هْوانْغ”، أَول أَمبراطور على الصين. كانت المجموعة من 8000 جندي، و130 عربة حربية و670 حصانًا. والمجموعة نموذج مذهل للفن الجنائزيّ الموضوع عهدئذٍ لـ”حراسة الأَمبراطور في حياته التالية بعد وفاته”. تم اكتشاف المجموعة سنة 1974 حين كان المزارعون يحفرون بئْرًا على بُعد كيلومتر واحد من ضريح الأَمبراطور. وأَحيانًا تؤْخذ أَقسام من تلك المجموعة إِلى معارض صينية جوَّالة حول العالَم. وكانت منظمة الأُونسكو سنة 1987 أَدرجَت ضريح الأَمبراطور على “لائحة التراث العالَمي”، وكانت المجموعة موضوع أَعمال فنية لاحقة ذات صلة بموضوعها.
  4. تمثال لاوْكُون وولَدَيه: يعود إِلى ما بين السنة 323 قبل الميلاد والسنة 31 للميلاد. ومنذ حفريات القرن السادس عشر بات موضع اهتمام علماء الآثار ونقَّاد الفن ومؤَرِّخيه. التمثال رخامي يرقى إِلى العصر الهيلينستيّ، يمثل ثلاثة أَشخاص في حركة لافتة مستقاة من الميثولوجيا اليونانية التي ورَدَ فيها أَنَّ لاوْكُون كاهن طرواديّ تعرّض مع ولديه آنْتيبانْتِس وتيمبْراوُس لهجوم لاسع من حيَّة البحر الهائلة التي أَرسلها إِليهم أَحد الآلهة. يتميز التمثال بسر مدهش من حيث دقته وكمال تفاصيله وتأْثيره في المتلقِّي. وهو أَوحى لاحقًا للكثير من الأَعمال الفنية حول قصته في العصور الماضية والحالية. اكتُشِف في روما سنة 1506 وهو اليوم في مكان بارز من حاضرة الفاتيكان.
    تمثال “إِلَهة النصر المجنَّحة”
  5. الإِلَهَة الـمُجنَّحة: التمثال حاليًّا في متحف اللوفر، وهو يرقى إِلى نحو السنة 190 قبل الميلاد. له اسمان: “إِلَهَةُ النصر المجنَّحة” و”نايكي ساموتْراس”. و”ساموتْراس” جزيرة صغيرة في بحر إِيجِه، جاء في الميثولوجيا اليونانية أَنها كانت مسكن كبار الآلهة، من هنا طابعُها المقدَّس، وورَدَ اسمها كذلك في “إِلياذة” هوميروس. هذا التمثال من أَبرز نماذج النحت في العصر الهيلينيستي. وهو يمثل “نايكي”، إِلهة النصر اليونانية، وتبدو ملابسُها لصيقة بجسدها، وهي ناهدة إلى أعلى كما لو انها على مقدمة سفينة، وتقود جنودها إلى النصر. النسخة التي في اللوفر هي الوحيدة الباقية من النحت اليوناني تحديدًا لا من الفترة الرومانية اللاحقة. ويرى نقاد الفن أنه من أجمل التماثيل دقَّةً وتفاصيلَ في تاريخ النحت.

تبقى ستة تماثيل خالدة، أَعرضها في الجزء الثاني من هذا المقال.  

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى