العلاقات التركية-الليبية: هل تتغيَّر بَعدَ الانتخابات؟
فرحات بولات*
راقب القادة السياسيون الليبيون الانتخابات الرئاسية التركية عن كثب. في طرابلس، كان الرئيس الليبي محمد المنفي ورئيس مجلس الوزراء عبد الحميد الدبيبة من أوائل المسؤولين الذين تقدّموا بالتهنئة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، وقد أعربَ الدبيبة عن أمله بأن تستمرَّ العلاقات الثنائية بين ليبيا وتركيا في النمو والتطوّر.
قد يُنظَرُ إلى تأييد حكومة طرابلس لأردوغان بأنه خطوةٌ استراتيجية لضمان الحصول على مساعداتٍ عسكرية تركية بصورة متواصلة في النزاع المستمر بين حكومة طرابلس والجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر في المنطقة الشرقية. علاوةً على ذلك، في حال فازت المعارضة التركية في الانتخابات، كان ذلك سيتسبب ربما بخللٍ أساس في العلاقات التركية-الليبية. قبل الانتخابات، كرّرَ أونال جفيكوز، وهو أحد المستشارين الأساسيين لمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو لشؤون السياسة الخارجية، القول: إنَّ من شأنِ حكومةٍ يقودها هذا الأخير أن تسحبَ الدعمَ عن حكومة طرابلس وتوقف المساعدات العسكرية.
اتّخذَ أردوغان، منذ فوزه في الانتخابات، خطواتٍ للإبقاء على استراتيجيته في السياسة الخارجية، لا سيما تجاه ليبيا. وتشملُ هذه الخطوات تعيين هاكان فيدان وزيرًا للخارجية، وهو رئيس سابق للاستخبارات وشخصية مرموقة في السياسة التركية-الليبية. لقد اضطلع فيدان بدورٍ لافت في سياسة بلاده حيال ليبيا: ففي زيارته إلى هناك في كانون الثاني/يناير 2023، مثلًا، اجتمع بالدبيبة لمناقشة المسائل الديبلوماسية الحسّاسة. وبما أنَّ فيدان مُطّلعٌ عن كثب على شؤون المنطقة، غالب الظن أنَّ الانخراطَ التركي الراسخ مع ليبيا سيتوطّد أكثر فأكثر.
تشمل الأهداف الاستراتيجية لأنقرة في ليبيا تعزيز حضورها في شمال أفريقيا، وصون مصالحها الاقتصادية، وتوسيع نفوذها في المتوسط. وقّعت تركيا وليبيا عددًا من الاتفاقات العسكرية والأمنية في الأعوام الأخيرة، حتى إن طرابلس ساهمت في استقرار الليرة التركية: ففي العام 2020، أودع المصرف المركزي الليبي، بحسب التقارير، 8 مليارات دولار أميركي في المصرف المركزي التركي، من دون فوائد لمدّة أربع سنوات.
عزّزت الدولتان، منذ توقيعهما اتفاقًا بحريًا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 لإعادة ترسيم حدود مياههما الإقليمية في المتوسط، التعاون بينهما في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. تسعى تركيا إلى خفض وارداتها من الطاقة، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022، وقّعت أنقرة وطرابلس مذكرة تفاهم حول التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في شرق المتوسط. وفي حين علّقت محكمة ليبية العمل بالاتفاق في كانون الثاني/يناير، قد تستأنف حكومة طرابلس القرار، وعلى الأرجح أن شركة النفط الوطنية التركية ستطلق قريبًا مسوحات في المياه الليبية.
تمتد العلاقات الاقتصادية التركية-الليبية أيضًا إلى قطاع البناء والإنشاءات الذي كانت للحرب الأهلية في البلاد تداعيات شديدة عليه. وفقًا لمرتضى قرنفيل، رئيس مجلس الأعمال التركي-الليبي في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، بلغت قيمة تجارة البناء التركية في ليبيا 29 مليار دولار أميركي في العام 2010، ثم تراجعت كثيرًا في السنوات اللاحقة. في الآونة الأخيرة، بدأت حكومة طرابلس بمنح عقود للشركات التركية: ففي العام 2020، مثلًا، شيّدت شركات البناء التركية ثلاثة آلاف منزل جاهز في طرابلس. لذلك ستحاول تركيا على الأرجح، خلال ولاية أردوغان الجديدة، توسيع مشاريع البناء وتعزيز مصالحها الاقتصادية في ليبيا.
على الرُغمِ من مجالات التعاون الوثيق الآنفة الذكر بين أنقرة وطرابلس، قد تسعى تركيا أيضًا إلى المصالحة مع الحكومة في شرق ليبيا. فالاجتماع لذي عقده أردوغان في آب/أغسطس الماضي مع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق وهو من داعمي حفتر، دليلٌ على استعداد تركيا للانخراط مع المنطقة الشرقية في البلاد، حيث تملك العديد من مشاريع البناء غير المنتهية. وفي مؤشّر أوّل على هذه الجهود، شاركت 38 شركة تركية و65 شخصية تركية من عالم الأعمال في معرض تجاري تركي أُقيم في بنغازي منذ فترة وجيزة.
على الأرجح أن أردوغان سيمشي، خلال ولايته الجديدة، على خيط رفيع، من أجل الحفاظ على العلاقات مع حكومة طرابلس وتوسيعها، في الوقت الذي سيعمل أيضًا على السير قدمًا بالمصالحة مع بنغازي. قد يبدو الأمر مستحيلًا، ولكن في ضوء المصالحة الأخيرة بين تركيا وكل من الإمارات العربية المتحدة ومصر، اللتين لطالما قدّمتا الدعم للحكومة في بنغازي، لا يمكن أن تُستبعَد بالكامل إمكانية حدوث تطبيع تام بين بنغازي وأنقرة. قد يُشجّع ذلك مجموعات المعارضة في ليبيا على إعداد استراتيجية جديدة للخروج من المأزق السياسي، وإنهاء النزاع، وتيسير إجراء الانتخابات على مستوى البلاد.
- فرحات بولات حاصل على منحة Chevening الدراسية المرموقة (2022-2023) وطالب ماجستير في دراسات الشرق الأوسط في جامعة إكستر. وهو أيضًا باحث في مركز أبحاث TRT العالمي، متخصص في الجغرافيا السياسية والأمن في شمال إفريقيا بالتركيز على الشؤون الليبية. يمكن متابعته عبر تويتر على: @Ferhattpol