صحيفة “ديلي ستار” اللبنانية، ما كان يجب أن تنتهي هكذا!

مايكل يونغ*

كان لإغلاق “ديلي ستار”، أقدم صحيفة لبنانية ناطقة باللغة الإنكليزية هذا الشهر، والتي تأسست في العام 1952، شعورٌ بالخيبة والمرارة. مريرٌ، بسبب الطريقة التي تعاملت بها إدارة المطبوعة مع موظفيها في سنواتها الأخيرة؛ حلوٌ، لأن “ديلي ستار” قد اكتسبت سجلّاً حافلاً بال”خبطات” الصحافية ولافتاً بالمستوى التحريري الجيد منذ إعادة افتتاحها في العام 1996، في خضم إعادة إعمار لبنان بعد الحرب، ولفترة من الوقت عكست التفاؤل في نهضة البلاد.

كان من حسن حظّي أن أكون المحرّر المسؤول عن صفحة الرأي في الصحيفة بين العامين 2003 و2016، ما سمح لي برؤية كيف يمكن لمؤسسة إخبارية جذب المواهب العظيمة، قبل أن تتصيّدهم وتسرقهم وسائل إعلام أخرى أكثر بروزاً كما تشاء. وقد أكد هذا على مشكلة مُزمنة تمثّلت بعدم قدرة المطبوعة على أن تضع نفسها على أساس مؤسّسي مستقر وأن تحتفظ بالموظفين، غالباً بسبب نقص المال.

عندما باع مالك الصحيفة جميل مروة “ديلي ستار” لمجموعة من المستثمرين بقيادة سعد الحريري في العام 2010، كان هناك أملٌ في حلّ صعوباتها المالية. ترَكَت الصحيفة مكاتبها في حي الجميزة البوهيمي العصري إلى منطقة وسط بيروت الأكثر تكلفة والأقل ميلاً إلى المغامرة – وهو نقلٌ مُعبّر ربما يعكس رؤى مروّة والحريري المتناقضة للنشر.

بحلول العام 2015، تغيّر الوضع إلى الأسوأ، مع احتمالية ضئيلة للتحسّن. سوق الإعلانات كانت في حالة ركود دائم، وأصبحت مشاكل الحريري المالية خطيرة، فيما تدهورت معظم المصالح الإعلامية لرئيس الوزراء السابق. في غضون بضع سنوات تقريباً، أغلقت جميع المطبوعات والمنافذ التي يملكها أو التي كانت لديه حصّة فيها – السفير، والمستقبل، والنهار، وتلفزيون المستقبل – أو واجهت أزمات مالية حادة هدّدت وجودها.

بالنسبة إلى موظفي ال”ديلي ستار”، كان هذا يعني سنوات من دفع الرواتب مرة وتأخّرها أو عدم دفعها مرات، ولكن على ما يبدو لم يتم تسوية المتأخّرات المتراكمة من الأشهر غير المدفوعة. كان على الزملاء اقتراض أموالٍ لتغطية النفقات الأساسية، في حين كانت فرص العمل المُتاحة لمَن يريدون المغادرة محدودة للغاية.

كانت هذه طريقة قاسية ومُخزية بشكل ملحوظ لمعاملة الموظفين الذين عملوا في ظلِّ ظروفٍ من عدم اليقين حتى يتمكّن الحريري من نشر صحيفة. ربما افترضت الإدارة أن الصحافيين الذين عانوا الكثير من الإهانات يمكن دائماً إجبارهم على ابتلاع المزيد.

في منتصف التسعينات الفائتة كان المزاج أخفّ وأفضل. أعاد مروّة فتح الصحيفة بعد ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان على إعادة فتحها للمرة الأولى في العام 1983. وكان لبنان ما بعد الحرب يمر بولادة جديدة، وأن مروّة سعى مرتين إلى العودة عندما بدا أن حروب لبنان قد انتهت يقول الشيء الكثير عن هذا الرجل. في البداية كانت الجريدة خشنة من أطرافها، لكنها كانت ذات حيوية مُعدية تجذب الشباب الباحثين عن عمل.

من ناحيتي، كانت لدي دائماً حرية كتابة ما أريده في مقالات الرأي الخاصة بي، حتى قبل الانضمام إلى فريق العمل. قد تكون لدى الآخرين تجارب مختلفة، لكن عندما أصبحت مُحرراً، كنت أقدّر أن مروّة سيحل في الغالب الخلافات حول مقالات الرأي المثيرة للجدل من خلال إعادة صياغة النص، بدلاً من نشر المقالات بالكامل. لاحقاً، حتى مع الاحتفاظ بحرية اختيار المقالات، استطعت أن أرى بأن الخطوط الحمراء تضيق.

لكن أبعد من “ديلي ستار”، ما نشهده اليوم هو زوال لبنان كمركز إعلامي للشرق الأوسط. كان هذا الإرث الجليل غير قابل للاستمرار لأسبابٍ عدة، ليس أقلها حقيقة أن الصحف لم تعد تستقطب الجماهير التي كانت تجذبهم من قبل. نظراً إلى تغيّر المشهد الإعلامي مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد انهارت الطريقة القديمة للقيام بالأشياء.

قد لا يكون هذا سيّئاً بالضرورة. نجت معظم الصحف اللبنانية لفترة طويلة من خلال مزيج من الأموال والإعلانات السياسية المحلية والأجنبية. وقد أدّى ذلك إلى تغطية كانت غالباً مُنحازة، لكنها أوجدت أيضاً صحافةً تعدّدية ظهرت فيها الخلافات السياسية على الصفحات الأولى. على الرغم من كل أوجه القصور في مثل هذا النموذج، فقد سمح للقراء، من خلال فك تشفير الخصومات السياسية المطبوعة، بالحصول على فكرة جيدة عما يجري في لبنان.

عندما جفّت الأموال السياسية في العقد الفائت، حاولت القليل من الصحف اللبنانية تطوير نموذج بديل ينطبق على عصر الإنترنت. حاولت “ديلي ستار” الاعتماد على الاشتراكات عبر الإنترنت للقراء في الخارج، لكن الشكل الصارم إلى حدٍّ ما الذي اعتمدته كان محدوداً في جاذبيته. كان هذا عاراً، لأن إعادة هيكلة ملكية الصحيفة، وضخ النقود، واستراتيجية ذكية للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ربما كانت ستنقذها.

لا ينبغي أن تنتهي ديلي ستار بهذا الشكل من الأنين والمعاناة. عبّر العديد من الصحافيين الذين عملوا في الصحيفة أو تابعوها عن حنينهم عندما سمعوا الأخبار السيئة. كان هذا مفهوماً، ولكن ما هو أقل من ذلك هو كيف السماح لمطبوعة كانت تؤرّخ الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان منذ أوائل خمسينات القرن الماضي، أن تموت من دون جنازة رسمية.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى