هل يَنشَأُ تَحالُفٌ مُناهِضٌ لإيران في الشَرقِ الأَوسَط؟
يُمكِنُ للدول العربية أن تلعبَ دورًا حاسمًا في مَنعِ المزيد من التصعيدِ بين إيران وإسرائيل. إنَّ تعزيزَ خطوطِ الاتصال بين البلدين ــوإنشاء خطوط ساخنة لإدارة الأزمات ــ أصبح أكثر أهمية من أيِّ وقتٍ مضى.
داليا داسا كاي وصَنَم وَكيل*
عندما وَجَّهَت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة مُسيَّرة نحو إسرائيل في 13 نيسان (أبريل)، ساعد الأردن في صَدِّ الهجوم. وأشارت تقاريرٌ إعلامية أوّلية إلى أنَّ دولًا عربية عدة أخرى ساعدت في الدفاع عن إسرائيل، وهي جهودٌ نفتها هذه الدول لاحقًا. ومع ذلك، فَسّرَت مجموعةٌ من القادة الإسرائيليين، وكذلك بعض المراقبين في واشنطن، هذه التصرّفات على أنها علامةٌ على تحوُّلٍ كبير. وذهبت الحجّة إلى أنَّ هذه الدول العربية ستقفُ إلى جانبِ إسرائيل إذا استمرَّ صراعها مع إيران في التصاعد. وأعلن الجنرال هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أنَّ الهجومَ الإيراني “خَلَقَ فُرَصًا جديدة للتعاون في الشرق الأوسط”. وأعلن معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركزُ أبحاثٍ إسرائيلي رائد، أنَّ “التحالفَ الإقليمي والدولي الذي شارك في اعتراضِ عمليّات إطلاق الصواريخ من إيران باتجاه إسرائيل يُظهِرُ إمكانيةَ إنشاءِ تحالُفٍ إقليمي ضدّ إيران”.
بعد أن ردّت إسرائيل على الهجوم الإيراني بضربةٍ محدودة نسبيًا على منشأةٍ عسكرية في إيران، رأى كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس أنَّ إسرائيل “تتصرّفُ كزعيمة تحالف إقليمي ضد إيران”. وكتب أنه من خلال رَدِّها الصامت، “يبدو أنها تزنُ مصالحَ حلفائها في هذا التحالف -المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن- الذين قدموا جميعهم مساعدة هادئة في إسقاط الصواريخ والمُسَيَّرات في نهاية الأسبوع الماضي”. من وجهة نظر إغناتيوس، فإنَّ هذا يُمثّلُ “تحوّلًا نموذجيًا مُحتَمَلًا بالنسبة إلى إسرائيل”، وهو التحوّلُ الذي من شأنه أن يُعطي الشرق الأوسط “شكلًا جديدًا”.
مع ذلك، فإنَّ هذه التقييمات مُتفائلة ومُفرِطة في الحماس وتفشلُ في فَهمِ مدى تعقيد التحدّيات التي تُواجِهُها المنطقة. من المؤكّدِ أنَّ استراتيجيةَ إسرائيل المُستَقبلية ضد إيران قد تأخذُ الأوضاعَ الإقليمية في الاعتبار بشكلٍ أكبر، نظرًا للطبيعة غير المسبوقة للتبادُلات العسكرية في نيسان (إبريل). لكنَّ الحقائقَ في المنطقة التي تمنعُ التعاون العربي-الإسرائيلي لم تتغيَّر كثيرًا. حتى قبل هجوم حركة “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) والحرب الإسرائيلية اللاحقة على غزة، كانت الدول العربية التي وقّعت على اتفاقات أبراهام لعام 2020، والتي طبّعَت علاقاتها مع إسرائيل، تشعر بالإحباط المتزايد إزاء دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتسامحه مع محاولات وزرائه اليمينيين المتطرفين لتقويض الوضع الراهن في القدس. لقد أدّت سلسلةٌ من الهجماتِ القاتلة التي شنّها المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين في بلدات الضفة الغربية في ربيع العام 2023 إلى زيادةِ حدّة التوتّرات الإقليمية. وبعد أن شنّت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، الأمر الذي أدّى إلى موجاتٍ من الاحتجاجات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، أصبح الزعماء العرب أكثر تردُّدًا في دعم إسرائيل علنًا، مع إدراكهم أن التعاونَ المفتوح من شأنه أن يُلحِقَ الضرر بشرعيتهم الداخلية.
لا شيءَ في الردِّ العربي على هذه الجولة من المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية يُشيرُ إلى أنَّ هذه المواقف قد تغيّرت. والواقع أنَّ مجموعةَ الدول التي يُشيرُ إليها العديد من الإسرائيليين بشكلٍ مُختصَرٍ باسم “التحالف السُنّي” لا تزال تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع إيران وإسرائيل، وحماية اقتصاداتها وأمنها، وفي المقام الأول من الأهمية، تجنّب صراعٍ إقليمي أوسع نطاقًا. ومن المرجح أيضًا أن تستمرَّ هذه الدول في إعطاء الأولوية لإنهاء الحرب الكارثية في غزة على مواجهة إيران. ولكن مع تصاعُدِ التوتّرات بين إيران وإسرائيل، فإنَّ حماس الدول العربية لتسريع عملية التكامل الإقليمي مع إسرائيل أصبح مشروطًا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى باستعدادِ إسرائيل للقبول بإقامةِ دولةٍ فلسطينية.
مُخَطَّطُ التوازن
قبلَ الهجومِ الإيراني على إسرائيل في 13 نيسان (أبريل)، تبادلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة معلوماتٍ استخبارية حول الهجوم الوشيك مع الولايات المتحدة. ثم استخدمت القيادة المركزية الأميركية هذه المعلومات لتنسيقِ ردّها مع إسرائيل والشركاء الآخرين. وسمح الأردن للطائرات العسكرية الأميركية والبريطانية بدخول مجاله الجوي لمواجهة الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية المقبلة واعتراض الهجمات الإيرانية مباشرة. وشددت التقارير الإعلامية المُبكرة، وبخاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل، على أنَّ الجهودَ الإقليمية الواسعة النطاق أَحبَطَت هجومَ طهران.
لكن سرعان ما تبيّنَ أنَّ الدور العربي في صدِّ الهجوم الإيراني كان محدودًا. ونفت كلٌّ من السعودية والإمارات صراحةً تقديمَ أيِّ مساهمة عسكرية مباشرة للدفاع عن إسرائيل. ودافع المسؤولون الأردنيون عن مشاركتهم باعتبارها ضرورية لحماية مصالحهم الخاصة. وقد أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أنَّ “أمنَ وسيادة الأردن” يأتيان “فوق كل اعتبار”، مؤكّدًا أنَّ بلاده لم تتحرَّك لمساعدة إسرائيل.
ومن شبه المؤكّد أن الجهودَ التي بذلتها الدول العربية لمواجهة إيران كانت مدفوعةً بالرغبة في الحفاظِ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وليس الانحياز بشكلٍ أوثق إلى إسرائيل. منذُ أن شنّت إسرائيل عمليتها في غزة، فوجئ القادة العرب بأنَّ الرئيس الأميركي جو بايدن لم ييستطع تحقيق المزيد من النجاح في كبح سلوك إسرائيل هناك. لكنهم ما زالوا يسعون إلى تعميق تعاونهم مع واشنطن؛ فهم لا يرون أيَّ مصدرٍ بديل لهذا النوع من الأمن الذي توفّره الولايات المتحدة.
في الأشهرِ الأخيرة، واصلت دول الخليج العربية، وكذلك مصر والأردن، تشجيعَ واشنطن على المساعدة في إدارة الديناميكيات الأمنية في الشرق الأوسط، واحتواءَ أنشطة إيران التخريبية، ومَنعَ نشوبِ حربٍ إقليمية أوسع. ويظلُّ إنهاءُ الحربِ في غزة أولوية إقليمية مُلِحّة، وتعمل الدول العربية على التوصّلِ إلى خطة سلام مع إدارة بايدن. ولا يزال القادة السعوديون يعتقدون أن معاهدة الدفاع الثنائية مع الولايات المتحدة يجب أن تكون جُزءًا من أيِّ اتفاقِ تطبيعٍ مُستَقبلي مع إسرائيل. كما إنَّ الإمارات العربية المتحدة واصلت محاولة التفاوض على اتفاقية الدفاع الخاصة بها مع إدارة بايدن.
لكن في الوقت نفسه، تتعاون دولُ الخليج الآن بشكلٍ أوثق مع طهران. وهي تُدرِكُ جيدًا أنَّ قُربَها من إيران يُعرِّضها للخطر. في العام 2019، بعد انسحابِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي اتفقت عليه الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى مع إيران، نشرت طهران حالةً من عدمِ الاستقرارِ في جميع أنحاء الخليج العربي، وهاجَمَت السفن بالقرب من موانئ الإمارات العربية المتحدة، ولأوّل مرة، شنّت ضرباتٍ دقيقة ضد المنشآت النفطية السعودية. وبعد التوقيع على اتفاقيات أبراهام، حذّرت طهران أيضًا صراحةً البحرين والإمارات من أنَّ الوجود العسكري الإسرائيلي في الخليج العربي سيُشكّلُ خطًا أحمر بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية.
قبلَ هجومِ حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بفترة، كانت الدول العربية عمومًا توصلت إلى قناعة بأنَّ أفضلَ وسيلةٍ لتخفيفِ المخاطر الناجمة عن تزايد عدوانية إيران هي السعي إلى التقارُب معها، وليس الانتقام منها. استعادت الإمارات والسعودية علاقاتهما الديبلوماسية مع إيران في العامين 2021 و2023 على التوالي. ومنذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، قامت هاتان الدولتان، إلى جانب البحرين وسلطنة عُمان، بنقلِ رسائل وتحذيرات بين إيران وإسرائيل واقترحت مسارات خارجية لإدارة التوترات. بعد يومين من الهجوم الإيراني في 13 نيسان (أبريل)، أجرى وزير الخارجية المصري مكالمةً هاتفية مع نظيريه الإيراني والإسرائيلي لمحاولة احتواء الصراع المُتَصاعِد.
مصالح مستقبلية
في الأشهرِ المقبلة، من المرجّح أن تُحاوِلَ الدول العربية الحفاظ على هذا التوازن، من خلال الدعوة إلى ضبط النفس من جميع الأطراف والنأي بنفسها عن المزيد من الأعمال الهجومية الإسرائيلية. وإذا استمرَّ التصعيدُ بين إيران وإسرائيل، فمن المرجح أن تُصبحَ أكثر تردّدًا في دعم العمليات الإسرائيلية. ومن المتوقّع أن ترتفعَ التكاليف المحلّية التي تتحمّلها بسبب دعمها العلني لإسرائيل مع مرور الوقت، خصوصًا إذا انتقلت القوات الإسرائيلية إلى رفح، المدينة الواقعة في جنوب غزة حيث لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين وحيث تدَّعي إسرائيل أن “حماس” تحتفظ بمعقلها ومركزها الرئيس هناك.
تُشارِكُ العديد من الدول العربية إسرائيل مخاوفها بشأن أنشطة إيران الإقليمية، وخصوصًا دعمها للميليشيات غير الحكومية. لكن دول الخليج العربية، على وجه الخصوص، قد حسبت بوضوح أنَّ فتحَ حواراتٍ ديبلوماسية مباشرة، ومُمارَسة الضغط من خلال الحوافز الاقتصادية، ومُمارَسة ديبلوماسية القنوات الخلفية مع طهران هي الطرق الأكثر أمانًا لحمايةِ مصالحها ومنع امتداد الصراع. وبغضِّ النظر عن مدى تصاعد الصراع الإيراني-الإسرائيلي، فمن غير المرجح أن تتراجَعَ الدول العربية عن هذه الأشكال من المشاركة. فقد تسارعت جهودها لتطبيع العلاقات مع إيران منذ بدأت حرب غزة، في حين تعثّرت محاولاتها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وفي محاولةٍ لتحفيزِ إسرائيل على التفكير في ما بعد حرب غزة، واصلت السعودية الترويجَ لاحتمالِ التطبيعِ بشرطِ التزامِ إسرائيل بالمشاركة في عمليةٍ سياسية تهدُفُ إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. ومع ذلك، تجاهلت إسرائيل هذه المُناشدات السعودية، ربما بسبب الثقة المُفرِطة في أنه بعد انتهاء الحرب في غزة، يُمكِنُ لعملية التطبيع أن تبدأ من حيث توقّفت. ومن غير المرجح أن يحدث المزيد من التطبيع العربي-الإسرائيلي في هذا المناخ. وستواصل الدول العربية التعاون مع واشنطن في مجال الدفاع الصاروخي، لكن هذا التعاون لا يتطلّبُ تنسيقًا مباشرًا كبيرًا مع إسرائيل. كما إنها لن تقترب من مستوى التحالف الدفاعي الرسمي في أيِّ وقتٍ قريب. ويتطلّبُ هذا مواءمةً أفضل للأنظمة الدفاعية في الدول العربية، فضلًا عن قدرٍ أكبر من الثقة، وكلاهما مفقودٌ في الشرق الأوسط وسوف يستغرق بناؤهما وقتًا طويلًا.
سوف تُرَحّبُ الدول العربية، وخصوصًا دول الخليج، بجهودِ إسرائيل الرامية إلى إضعاف قدرات وكلاء إيران. لكن من المرجح جدًا أن تُعارضَ أيَّ هجماتٍ مباشرة على إيران من شأنها أن تُزعزِعَ استقرار التوقّعات الاقتصادية الهشّة أصلًا في المنطقة أو تؤدّي إلى ضربةٍ إيرانية مُضادة في الخليج. وعلى الرُغمِ من أنَّ الدولَ العربية تُحافظُ على مصلحةٍ في الحفاظ على علاقاتٍ دفاعية وثيقة مع واشنطن، إلّا أنها لا ترغب في الانضمام إلى كتلةٍ تعملُ بشكلٍ واضحٍ ضدّ إيران وداعميها العالميين، مثل روسيا. إنها تُفضّل تحقيقَ التوازن بين العلاقات الإقليمية والعالمية المتعددة، وليس حرق الجسور.
ولكن على الرُغم من هذه القيود، يمكن للدول العربية أن تلعبَ دورًا حاسمًا في منع المزيد من التصعيد بين إيران وإسرائيل. إنَّ تعزيزَ خطوطِ الاتصال بين البلدين ــوإنشاء خطوطٍ ساخنة لإدارة الأزمات ــ أصبح أكثر أهمية من أيِّ وقت مضى. وعلى وجه التحديد، لأن عددًا من الدول العربية أقامَ علاقاتٍ مع كلٍّ من إيران وإسرائيل، يمكنها الاستفادة من هذه العلاقات لتشجيع ضبط النفس والمساعدة في تمرير الرسائل بين الجانبين، والعمل على منع الصراع أو تخفيف الضرر إذا بدأ الصراع في التصاعد. وفي الأمد البعيد، ومن أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، يتعيَّن على دول الشرق الأوسط أن تعمل على إنشاءِ منصّةٍ خاصة بها للحوار المنتظم الذي يكون مفتوحًا للمشاركة الإيرانية والإسرائيلية. إنَّ الهجماتَ الأخيرة التي دفعت إيران وإسرائيل إلى حافةِ الحرب لا تؤكّد إلّا مدى إلحاح الحاجة إلى مثل هذا الحوار.
لكن يتعيّن على العالم أن يُخَفّفَ من توقّعاته بشأن التعاون الوثيق بين الدول العربية وإسرائيل. من المرجح أن يستمرَّ التعاونُ التقني الدقيق الذي تمتعت به بعض الدول العربية وإسرائيل أخيرًا في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل الطاقة وتغيّر المناخ. ومع ذلك، فإنَّ التجمّعات الإقليمية رفيعة المستوى، التي تُعلِنُ علنًا عن المشاركة السياسية للدول العربية مع إسرائيل، لن تكونَ واردة ما لم تُنهِ إسرائيل حربها على غزة. وحتى ذلك الحين، ستظلُّ جهودُ الدول العربية للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل محدودة أيضًا. إنَّ الإستراتيجية الأكثر واقعية لها في المدى القريب ستُعطي الأولوية لدعم قدرتها على التوسّط –ومنع– الصراعات المستقبلية بين إيران وإسرائيل.
- داليا داسا كاي هي زميلة أولى في مركز بيركل للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا، وهي باحثة زائرة في برنامج فولبرايت شومان في جامعة لوند في السويد. يمكن متابعتها عبر منصة تويتر (X) على: @dassakaye
- صَنَم وَكيل هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الأبحاث البريطاني “تشاتام هاوس”. يمكن متابعتها عبر منصة تويتر (X) على: @SanamVakil
- يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.