التنافُسُ الإماراتي-السعودي يَصِلُ إلى الفضاء… أيضًا!

المُنافَسة الفضائية بين السعودية والإمارات تعكُسُ تنافسًا أوسع بكثير على القيادة والنفوذ في المنطقة، مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية ولكن أيضًا بالفخر الوطني.

الأمير سلطان بن سلمان: كان أول رائد فضاء سعودي، عربي ومسلم ينطلق إلى الفضاء.

عمّار الحلاق وراغب الشيباني*

تَمُرُّ دولُ مجلس التعاون الخليجي بمرحلةٍ تحويلية، حيث تَستفيدُ من قطاعاتٍ مثل الطاقات المُتجدّدة والرياضة والترفيه والسياحة لتنويعِ اقتصاداتها التي تعتمد تقليديًا على النفط والغاز. وقد دفعها هذا المسار بالفعل إلى توسيع آفاقها الديبلوماسية بما يتجاوز حدودها الإقليمية. الآن، مع كون الفضاء هو مشروعها الكبير التالي، فإنه يأخذها إلى ما هو أبعد من حدود الأرض نفسها.

إنَّ برامجَ الفضاء الطموحة لدول مجلس التعاون الخليجي تدفعها طموحاتٌ اقتصادية محلّية ومصالح تجارية، حيث تعتمدُ المشاريع الرئيسة الجارية مثل المدن الذكية المستقبلية في مدينتَي “مصدر” في الإمارات العربية المتحدة و”نيوم” في المملكة العربية السعودية على تطبيقات الفضاء وتقنيات الذكاء الاصطناعي. لكنَّ سباقَ الفضاءِ الناشئ يُشَكّلُ أيضًا مسألةَ فخرٍ وطني. وتهدفُ دولٌ مثل الإمارات والسعودية إلى تطوير برامجهما الفضائية لتعزيز مكانتَيهما العالمية وقوّتَيهما الناعمة. وقد قام كلاهما بتحرّكاتٍ كبيرة في قطاع الفضاء لاستكمالِ رؤيتهما طويلة المدى، ولكن أيضًا كجُزءٍ من منافسة تنافسية بينهما.

عرضت دولة الإمارات طموحاتها المُبكِرة لتكون رائدةً إقليمية في قطاع الفضاء، حيث استضافت برنامج التعاون الفضائي العربي إلى جانب 10 دول أخرى في العام 2019. ومنذُ ذلك الحين، قامت بتخطيطِ العَديدِ من المشاريع التي تدعَمُ طموحاتها الفضائية طويلة المدى. وفي العام 2020، أعلنت عن خطةٍ مدّتها 100 عام لبناء أول مستوطنة بشرية صالحة للسكن على المريخ بحلول العام 2117. وفي العام التالي، وضعت مركبة فضائية في مدار المريخ، حيث بقيت. وتُخطّطُ أبوظبي أيضًا لإطلاقِ “مهمة كويكبات” (asteroid mission) في العام 2028، حيث ستطير مركبة فضائية عبر سبعة كويكبات في حزام الكويكبات الرئيس بحلول العام 2034.

حتى وقتٍ قريب، أهملت السعودية قطاعها الفضائي، على الرُغم من أنَّ أول عربي ومسلم يزور الفضاء على الإطلاق –الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، الذي انضمَّ إلى مهمة ناسا في العام 1985– كان سعوديًا. ومع ذلك، في محاولاتها لإعادة تشكيل اقتصاد البلاد ومجتمعها، سعت الرياض أخيرًا إلى اللحاق بأبو ظبي. تستعد المملكة حاليًا لإطلاق استراتيجيتها الوطنية للفضاء، والتي ستشملُ الاستثمارَ العام والخاص في استكشافِ الفضاء والأدوار النهائية مثل الاتصالات والملاحة ومراقبة الأرض.

في العام 2022، حقّقَ قطاع الفضاء السعودي إيراداتٍ بقيمة 400 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إيراداته إلى 2.2 ملياري دولار بحلول العام 2030. وسيتعيّن عليه زيادة الاستثمار إذا كان يسعى إلى التنافس مع أبو ظبي، التي استثمرت بالفعل أكثر من 6 مليارات دولار في قطاع الفضاء. وبما إنَّ الرياض تقومُ أصلًا بتوسيع محفظتها العامة لتنفيذ رؤيتها 2030، فسوف تضطرُّ إلى الاعتمادِ بشكلٍ أكبر على صندوق الثروة السيادية المملوك للدولة، “صندوق الاستثمارات العامة”، لتمويلِ مشاريعها الطموحة.

لم تكن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى خاملةً أيضًا. في العقد الماضي، اتّخذت قطر والبحرين والكويت خطواتٍ لتعزيزِ قدراتها الفضائية وعملياتها الفضائية الأخرى بدرجاتٍ مُتفاوتة. وأعلنت سلطنة عُمان، موطن محطة مراقبة الأقمار الإصطناعية المتقدّمة، أخيرًا عن خططٍ لبناءِ أول ميناء فضائي تجاري في الشرق الأوسط، يُسَمّى “إطلاق”، تُشرِف عليه شركة بولندية-عُمانية تُدعى “سبايزرز” (Spazers)، بهدفِ إرسالِ وإطلاق الصواريخ إلى الفضاء بحلول العام 2030.

ومن الأهمية بمكان أنَّ دولَ الخليج ترى أنَّ التعاونَ مع الدول الكبرى التي ترتاد الفضاء وأبطال القطاع الخاص أمرٌ حيوي لاكتسابِ الخبرة والحصول على التكنولوجيا وبناء قدراتها الخاصة. في السنوات الأخيرة، كان ذلك يعني إلى حدٍّ كبير إبرامَ صفقاتٍ مع وكالة “ناسا” وعمالقة الفضاء الأميركيين مثل “سبايس X” (SpaceX) و”أكسيوم” (Axiom). وقد أبرَمَت قطر شراكةً مع وكالة “ناسا” لتطوير وإطلاق قمر إصطناعي لدراسة آثار تغيّر المناخ. وفي كانون الثاني (يناير)، أعلنت أبوظبي ووكالة “ناسا” أنَّ مركز محمد بن راشد للفضاء التابع لدولة الإمارات سيُوفّر غرفة معادلة الضغط للبوابة، التي ستكون أول محطة فضائية تدور حول القمر.

كانت الخطوة الرئيسة في تطوير العلاقات مع قطاع الفضاء الأميركي هي الانضمام إلى اتفاقيات “أرتَميس” في واشنطن، وهي سلسلة من الاتفاقيات غير المُلزِمة التي تُوَضّحُ القواعدَ المُتَّفق عليها بشكلٍ مشترك بشأن استكشاف الفضاء، بما في ذلك القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات. وتضم الاتفاقيات 36 شريكًا للولايات المتحدة حول العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا واليابان وأوستراليا وفرنسا.

كانت الإمارات من بين المُوَقِّعين الأصليين على اتفاقيات “أرتميس” عندما تمَّ إطلاقها في العام 2020. وقد سهّل ذلك المشاريع الثنائية ضمن نطاق الشراكة، بما في ذلك إرسال الإمارات رواد فضاء إلى القمر بالتعاون مع وكالة “ناسا”. وقد انضمت السعودية والبحرين بدورهما إلى الاتفاقيات في العام 2022. والجدير بالذكر أنه في العام التالي، انسحبت الرياض من اتفاقية القمر الخاصة بالاتفاقيات، والتي تتكوَّن من قوى أصغر، ومن المحتمل أن تكون بيانًا سياسيًا لطموحاتها للانضمام إلى اللاعبين الكبار في سباق الفضاء، فضلًا عن رغبتها في اللحاق بأبو ظبي.

لتَعزيزِ مكانتها بين القوى الفضائية الناشئة، سَعَت دول الخليج أيضًا إلى بناء شبكاتٍ واسعة من الشركاء خارج الولايات المتحدة. ومع التركيزِ على السياحة الفضائية، من المُقَرَّر أن تستضيفَ السعودية الرحلة التجريبية لشركة “هَلو سبايس” (Halo Space) الإسبانية في حزيران (يونيو) المقبل، والتي سترتفع 20 ميلًا فوق الأرض. وفي حالِ نجاحها، فإنها ستفتح الباب أمام رحلات الفضاء التجارية إلى المملكة ابتداءً من العام 2026، حيث تبدأ تجارب السياحة الفضائية من 164 ألف دولار للشخص الواحد.

من جانبها، عزّزَت أبو ظبي علاقاتها مع المملكة المتحدة بتوقيعِ اتفاقيةِ تعاونٍ في العام الماضي من شأنها تمويل الشركات من قطاع الفضاء في كل دولة لتشكيل “جسر فضائي” بين المملكة المتحدة والخليج، مع مشاركةِ البحرين أيضًا في تلك الاتفاقية. كما دخلت في شراكة مع الهند وإسرائيل لإطلاقِ مشروعٍ فضائي مُشتَرَك من أجل “التعاون في تطبيقات البيانات الفضائية”. وفي وقتٍ لاحق من هذا العام، تُخطّطُ الإمارات وإسرائيل لإطلاقِ مركبةٍ فضائيةٍ مُشتَرَكة إلى القمر.

من ناحيةٍ أُخرى، اجتذبت مُشارَكةُ الصين المتزايدة في استكشاف الفضاء الاهتمام الإقليمي. على الرُغمِ من هَيمَنة وكالة “ناسا” الأميركية الطويلة الأمد في المهمّات الرائدة والتكنولوجيا المبتكرة، فإنَّ وكالةَ الفضاء الصينية تكتسبُ أرضًا بسرعة، مدعومةً باستثماراتِ بكين المُتزايدة في أبحاث الفضاء واستكشافه. وقد أدّى ذلك إلى زيادة شهية دول الخليج لزيادة مشاركتها الفضائية مع بكين.

ويبدو أنَّ الإمارات تَختَبِرُ بالفعل الأجواءَ في ما يتعلّق بالعلاقاتِ الفضائية مع الصين، لا سيما بعد توقيع مذكّرة تفاهم مع بكين في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 تُركّز على التعاون في محطةِ أبحاث الفضاء الدولية الصينية. وبكلِّ المؤشّرات، فإنَّ رغبة أبو ظبي في اتباعِ سياسةٍ خارجية ترتكز على عدم الانحياز تنطبق أيضًا على جهودها الفضائية، والتي تجسّدت في تعاونها المتزايد مع روسيا في مجالاتٍ مختلفة مثل البحث والاستكشاف والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.

في الوَقتِ الحالي، تمنع القوانين الأميركية، مثل قوانين التجارة الدولية للأسلحة، شركات الفضاء الأميركية من تصديرِ بعض التقنيات ذات الاستخدام المزدوج. ونظرًا لهَيمَنة واشنطن التقليدية في قطاع الفضاء، فإنَّ هذا يعني أنَّ دولَ الخليج ستستمرّ في المَيلِ نحو المدار الأميركي، على الأقل في المدى القصير. ومع ذلك، قد تسعى هذه الدول إلى اتباعِ خطى الإمارات من خلال مراقبة فرص التعامل مع الصين عن كثب.

في نهايةِ المطاف، فإنَّ تحرّكات دول الخليج إلى الفضاء لا تقتصر على الأعمال التجارية فحسب. إنها بياناتٌ سياسية تعكُسُ كيفَ تُعيدُ هذه البلدان تصوّر أدوارها في العالم، في حين تسعى جاهدة إلى تنميةِ اقتصاداتها بما يتجاوز النفط. ومن خلال العمل مع لاعبين أكبر في مجال الفضاء، بما في ذلك الصين مع نموِّ نفوذها الفضائي، فإنها تسعى إلى تنمية قدراتها في حين تُبحِرُ بسلاسة في التحوّل نحو نظامٍ عالمي مُتعدّد الأقطاب.

مع ذلك، فإن المنافسة الفضائية بين السعودية والإمارات تعكُسُ تنافسًا أوسع بكثير على القيادة والنفوذ في المنطقة، مدفوعًا بالمصالح الاقتصادية ولكن أيضًا بالفخر الوطني. ومع امتدادِ هذا التنافس الآن إلى برامجهما الفضائية، فإنّهُ يَجعلُ احتمالَ حدوثِ سباقِ فضاء إقليمي أكثر ترجيحًا مع استمرار تزايد وتيرة رغبتهما في الوصول إلى الكون الخارجي.

  • عمّار الحلّاق هو مراسل “أسواق العرب” في دولة الإمارات العربية المتحدة. وراغب الشيباني هو مراسل “أسواق العرب” في المملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى