الإنتخاباتُ اللبنانية تَستَبدِلُ مأزقًا بآخر

مايكل يونغ*

مع انتهاءِ الانتخابات البرلمانية في لبنان، سيَتَعيَّن على البلاد التركيز على ثلاثةِ أهدافٍ عامّة. أوّلًا، تشكيل حكومة. ثانيًا: التحضير للانتخابات الرئاسية في أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (أكتوبر). وثالثًا، المضي قُدُمًا في الإصلاحات الاقتصادية الأساسية للتخفيف من معاناة الناس. ومع ذلك، قد تؤدي نتائج الانتخابات أيضًا إلى إعاقةِ تحقيقِ هذه الأهداف إلى أجَلٍ غير مُسَمَّى.

الأولوّية الأولى ستكون لتشكيلِ حكومةٍ جديدة. في ظلِّ ظروفٍ عادية، لا ينبغي أن يُشَكِّلَ هذا الأمرُ تحدِّيًا كبيرًا، إذ أن الحكومة ينبغي أن تبقى في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية فقط. ولكن، إذا لم يكن هناك إجماعٌ حول رئيس الدولة المقبل ودخل لبنان في فراغٍ رئاسي، فستتولى الحكومة مُجتمعة السلطات الرئاسية، وقد تستمرّ في الحكم لفترةٍ أطول بكثير مما كان مُتَوَقَّعًا. وهذا هو السبب في أن المفاوضات حول تشكيلها ستكون مثيرة للانقسام إلى حدٍّ كبير.

كما أن السؤال حول مَن سيخلف الرئيس ميشال عون هو أيضًا مُثيرٌ للجدل. قبل الانتخابات البرلمانية، كان المُرَشَّحان الأوّلان هما جبران باسيل، صهر الرئيس عون، وسليمان فرنجية، رئيس حزب “المردة” الذي كان جده رئيسًا للجمهورية من العام 1970 حتى العام 1976. ولكن، بعد الانتخابات التشريعية صار حزب “القوات اللبنانية” صاحب الكتلة المسيحية الأكبر في البرلمان، والذي يملك زعيمه الدكتور سمير جعجع أيضًا طموحات رئاسية والذي من المتوقع أن ينافس بقوّة باسيل وفرنجية.

لقد خسر باسيل، الذي يرأس حزب “التيار الوطني الحر”، مكانته في الانتخابات التشريعية، بينما كان أداء القائمة المدعومة من قبل فرنجية ضعيفًا نسبيًا. وبالتالي، لن يتمكّن أيٌّ من الرجلين من إثبات مصداقية أنه المرشح المسيحي الماروني الأكثر شرعية للرئاسة. وحقيقة أن “حزب الله” يُعارِضُ بشدّة جعجع تشير إلى أنه لن يكون هناك اتفاقٌ سهلٌ على خليفة عون، وقد تكون النتيجة فراغًا سياسيًا طويلًا، ما لم يتم التوصّل إلى حلٍّ وسط.

تُشيرُ نتائج الانتخابات إلى ظهور كتلتين عريضتين في البرلمان – واحدة بقيادة حزب “القوات اللبنانية” مع حلفائه، ولا سيما من الطائفة السنية؛ وتحالف بقيادة “حزب الله” مع العونيين. وقد يؤدي ذلك إلى فترةٍ من الجمود في المستقبل بسبب الاستقطاب الآخذ في الاتساع في لبنان.

كلّ هذا سيكون له تأثيرٌ جوهري وسلبي للغاية في الإصلاحات الاقتصادية، التي لم يحصل أيّ تقدّمٍ على صعيدها منذ انهيار الاقتصاد في العام 2019. ومع ذلك، مع استمرار المؤشرات الاقتصادية في التدهور وتوقع البنك الدولي نموًا صفريًا في العام 2022، لا يستطيع لبنان تحمّل تبديد مزيدٍ من الوقت.

اتَّهم تقريرٌ أصدره هذا الشهر مبعوث الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر، أوليفييه دي شوتر، الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان بانتهاك حقوق الإنسان لإفقار السكان. وقال التقرير إن المسؤولين اللبنانيين لديهم “إحساسٌ بالإفلات من العقاب” ويبدو أنهم يعيشون “في أرضٍ خيالية”.

اتَّفَقَت الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي أخيرًا على ما يُعرف ب”اتفاقية مُوَظّفين”، حيث قال صندوق النقد الدولي إنه سيُقدّم 3-4 مليارات دولار للبنان إذا نفّذت البلاد الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة وأجرت تدقيقًا في القطاع المصرفي. ومع ذلك، فقد أدى استمرار الشقاق إلى إعاقة التقدّم.

إذا تفاقمت الانقسامات السياسية في الأشهر المقبلة، فإن الاتفاقَ النهائي بشأن برنامج الإصلاح الذي يقوده صندوق النقد الدولي سيكون بعيد الاحتمال للغاية هذا العام. وما يعنيه هذا الأمر هو أنه في أفضل السيناريوهات، يُمكن للبنان أن يبدأ التركيز على الأولويات الاقتصادية فقط بعد أن يتولى رئيسٌ جديدٌ منصبه.

المؤسف في هذا الصدد هو أن الحكومة قد تقدّمت في خطتها الاقتصادية لإخراج لبنان من أزمته. وفي الآونة الأخيرة، صرّح نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، الذي يلعب دورًا رئيسًا في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أنه تمّ الانتهاء من الجوانب الفنية لإصلاح القطاع المصرفي. في حين أن هذه هي أخبارٌ جيدة، إلّا أن أشهرًا أخرى من استمرار الجمود يمكن أن يكون لها تأثيرٌ كارثي على رفاهية اللبنانيين، وعلى البنوك بشكلٍ خاص.

أخيرًا، العامل الرئيس الذي سيساعد على تحديد الفترة المقبلة هو الحسابات الإقليمية. أظهر عددٌ من الدول العربية زخمًا مُتَجَدِّدًا في محاولة احتواء قوة “حزب الله” في لبنان، الأمر الذي جعل الحزب يشعر بالقلق. وهذا المزاج لن تساعده المكاسب التي حققها حزب “القوات اللبنانية” في الانتخابات. وهذا الأخير الذي يتكوَّن من غالبية مسيحية له علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية التي يعتبرها “حزب الله” تهديدًا.

بينما تُعزِّزُ الدول العربية، ولا سيما دول الخليج، حصصها واهتمامها في لبنان، فقد يؤدي ذلك إلى إحدى نتيجتين مُحتَمَلتَين: صراعٌ على النفوذ مع إيران في البلد، الذي من غير المرجح أن يخرجَ منه فائزٌ واضح، حيث يمكن أن يؤدي هذا إلى اتفاقٍ نهائي لمشاركة النفوذ. بدلاً من ذلك، قد يحاول “حزب الله” وإيران بطريقةٍ ما إعادة فرض هيمنتهما. لكن هذا سيكون محفوفًا بالمخاطر، إذ أن قوة تحالفات الحزب العابرة للطوائف قد تآكلت.

النتيجة الأكثر ترجيحًا هي أن لبنان سيبقى في طريق مسدود في الأشهر المقبلة، وربما حتى بعد ذلك، حيث يعمل التحالفان العريضان على إضعاف بعضهما البعض في البرلمان. لن يتمكن أيٌّ من الطرفين من التغلب على الآخر، وسيرغب الطرفان في تجنّب الحرب الأهلية. في غضون ذلك، سيستمر اللبنانيون في المعاناة بينما تسعى أحزابهم السياسية إلى تحقيق أجندات متضاربة، مع القليل من الاهتمام بالناس.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى