مُقارَنَةٌ بين “بَيِّ الكلّ” ووالدة “الأمّة الألمانيّة”!

عبد الرحمن عبد المولى الصلح*

بِئس هذه الأيام حين نقرأ ونسمع في العهد الحالي في لبنان أن أسماء الوزراء المسيحيين الذين شاركوا في الحكومة الجديدة هم من حصّة رئيس الجمهوريّة ميشال عون، وأن الوزراء الشيعة من حصّة ثنائي “حزب الله” و”أمل” (رجاء التوقّف عن اعتماد التسمية المذهبية بالقول : “الثنائي الشيعي”) وأن الوزراء السنّة هم من حصّة هذا السياسي السنّي او ذاك. سقى الله زمناً حين انعقد مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة والوزراء جميعاً، وحين طلب رئيس الجمهورية من رئيس وزرائه تسمية مرشّحيه لملء المراكز من الفئة الاولى من الادارة اللبنانية، استعرض رئيس الوزراء الأسماء بادئاً بميشال، حنّا، جورج، بطرس… فوجئَ برئيس الوزراء وقال: سامي بِك شو خلّيتلّي؟! رئيس الجمهورية المعني هو الرئيس الراحل بشارة الخوري الذي آمن بلبنان الواحد الموحّد وان التطرّف والعزف على اوتار الطائفية والمذهبية ليس من مصلحة أحد وأولهم اللبنانيون المسيحيون وأن قدر لبنان هو من قدر العرب. أما سامي بِك، فهو الرئيس الراحل سامي الصلح. كان يكفي أن يُقال سامي بِك، ليعرف السامع أن المعني والمقصود هو الرئيس سامي الصلح! يومها، لم تكن “البكويّة” تُطلّق على الطائفيين، او المذهبيين او الفاسدين. ولم تكن تُطلَق على الذين كانوا يملؤون جيوبهم بأموال من خارج الحدود، معاذ الله. كانت “البكويّة” صفة الاصيل ابن الاصيل. كانت للأكابر…لا بل للكبار، اولاً في تواضعهم وثانياً في وطنيّتهم وحرصهم على مصلحة البلاد ووحدته ونزاهتهم ونظافة كفّهم. سقى الله ايامك سامي بِك. جلسة مجلس الوزراء تلك عقدت في أواخر الأربعينات من القرن الماضي أيام العهد الاستقلالي. لكن يقيني، ان اللبنانيين لا يترحّمون فقط على تلك الايام الخوالي بل أيضاَ على زمن الانتداب الفرنسي ويقولون بأن الفرنسيين لو بقوا عندنا لما وصل الحال بنا إلى ما وصلنا إليه وما شهدنا من مآسٍ في زمن العهد الحالي والذي لُقِّب خطأَ بالعهد القوي!! بِئس هذا الزمن حين يترحّم اللبنانيون على زمن الاجانب الذين حكموا بلادنا!

وعلى سيرة العهد الحالي فلقد فاجأنا رئيس الجمهورية ميشال عون بتصريحٍ لم يُؤخَذ على محمل الجدّ ليس فقط من قِبَل العقلاء بل أيضاً من قِبَل البسطاء من الناس. قال عون بان السنة الأخيرة من عهده سوف تشهد الإصلاحات الحقيقية! والسؤال هو لماذا لا يُقدِم عليها ليس فقط قبل خمس سنوات بل أقلّه قبل عام ونيِّف بُعَيد انفجار المرفأ 4 آب/أغسطس 2020، ولماذا اذا كان حريصاً على الإصلاحات عرقل يومها مع حليفه “حزب الله” سعي الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة أخصّائيين؟ وعلى سيرة أخصّائيين فلقد شهد شاهدٌ من أهله فقال:

” فَبدَل حكومة مصغّرة مستقلّة ذات صلاحيات استثنائية، همّها الوحيد لجنة تدهور وإعادة البلد الى سكّة التعافي كما طالب بها شعبنا كل أطيافه. نجد أنفسنا أمام مجموعة من التعيينات السياسية والطائفية” (النائب شامل روكز من بيانه إثر منح الثقة لحكومة ميقاتي)، أوَلم يكن الإسراع بتطبيق الاصلاحات أجدى وأنفع للبنان واللبنانيين؟! ويا ليته قَرَن القول بالفعل… فلو كان جادّاً بتطبيق الاصلاحات فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن – من جُملة الأسئلة – لماذا التشكيلات القضائية والتي أجراها مجلس القضاء الأعلى منذ حوالي عامين لا تزال حبيسة ادراجه ؟ وكيف يبرّر ان فريقه السياسي بقيادة صهره وزير الطاقة الأبدي جبران باسيل طعن بقانون الشراء العام والذي اجمع الكلّ على فائدته وضرورة تطبيقه؟ حمداً لله أن المجلس الدستوري لم يطعن بكامل القانون بل بمادّة واحدة! يتباهى الرئيس عون بحرصه على تطبيق التحقيق الجنائي لكن الانطباع العام عند العباد أن التحقيق الجنائي لن يؤدّي إلى نتائج يُعوَّلُ عليها بدليل ان باسيل طالب اثناء جلسة منح الثقة بالتحقيق الجنائي في وزارة الطاقة – التي استملكها- (!!) والذي تُعتَبَر احدى محظيّاته! ورُبّ قائل ان لن تكون الاولوية للتعمّق والتمحيص لأي من المسائل التي سوف يتضمنها التقرير الأول للتحقيق الجنائي، لذلك من المرجّح ان يُسدل الستار على التحقيق قبل أن يبدأ!

وخوفي ان العهد القوي سينتهي والناس لن تتذكر من انجازاته سوى جسر جل الديب والاعتراف الدولي بأكاديمية الحوار والتلاقي التي أطلقها رئيس الجمهورية العام الفائت انثاء انعقاد الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك. وما سيذكره الناس أيضاً سابقة لم ولن يشهدها اي عهد ألا وهي تغاضيه عن التعليق على إدخال المازوت الايراني من قبل “حزب الله” عبر المعابر غير الشرعية، وربّ قائل انه تغاضى عن ذلك عمداً لكسب رضى “حزب الله” بهدف تعزيز حظوظ صهره لتوريثه الرئاسة، ولقد أصمّ امين عام “حزب الله” آذاننا بقوله أنه بإدخاله المازوت الايراني كسر محاصرة أميركا. ولعلّه من الأفضل أن نشير للأمين العام أن أميركا لو ارادت منع وصول المازوت الايراني إلى مرفأ بانياس في سوريا واستتباعاً إلى لبنان، لفعلت بدليل أنّها سمحت وتسمح بإدخال النفط من منطقة قسد السورية والتي يسيطر عليها الأكراد إلى مناطق النظام في سوريا.

الخبير الاسرائيلي في شؤون الشرق الاوسط ايال ذيسر صرَّح بأن اسرائيل لا تبالي حيال ادخال المازوت الايراني إلى لبنان لأن اسرائيل تعتبره ليس ذا قيمة استراتيجية وخاصة ان الكميات الايرانية ضئيلة ورمزية ، انّما الخشية من استغلاله كي يشكّل غطاء لعمليات نقل اسلحة لصالح “حزب الله” (ادهم مناصرة مراسل صحيفة “المدن” في الاراضي المحتلة، 23-9-2021).

وليس خافياً ان “حزب الله” لو امتنع عن تهريب المازوت إلى سوريا لما كنا بحاجة إلى المازوت الايراني. صحيح ان هنالك من يعمل على التهريب من الشمال لكن الثابت ان عمليات التهريب تجري بشكل منظّم ومتواصل وبكميّات كبيرة عبر الحدود الشرقية. وبناءً على قاعدة ناقل الكفر ليس بكافر أنقل حرفيّاً ما جاء في تقرير صحفيّ مُوثَّق: ” بعد السيطرة الكاملة على مدينة القصير 2013 والتغيير الديموغرافي الذي حصل ومنع دخول سكانها الاصليين حوّل “حزب الله” المنطقة إلى معبر تهريب تحت إدارته وبالتنسيق مع الفرقة الرابعة التابعة لنهر الأسد ولقد شملت عمليات التهريب الاسلحة المختلفة، الغاز المنزلي، اثاث المنازل، وانتهاءً بالمخدرات والدخان. أضحت القصير لا تتبع لأي عرف او تقليد سوى ما يتم وضعه من قيادات “حزب الله” المسؤولين عن قطاع القُصير. كانت صهاريج كبيرة من البنزين تُنقَل يوميّاً من لبنان إلى سوريا ومنها إلى محافظتي حمص وطرطوس التي كانتا تشتهر بوجود البنزين اللبناني “95 اوكتان” الغير متوفر في سوريا (يزن شهداوي، صحيفة “المدن” تاريخ 9-9-2021) ولعلّه لا يدري أن ما يحاصرنا هو استرهان مستقبل بلدنا الجريح أجندة طهران، وأن مجموعة من اللبنانيين تحاصر نفسها بنفسها إما راضيّة مرضيّة او غصباً عنها!

في تعليقه على دخول المازوت الإيراني قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والذي نتمنّى له كل التوفيق في مهامه الجديدة ونعلّق الآمال على مساعيه وحكمته وحنكته لوقف تدهورنا وانهيارنا بأن إدخال المازوت الإيراني يشكّل انتهاكاً للسيادة اللبنانية. وبالإمكان الإضافة على تعليق ميقاتي بأن إدخال المازوت الايراني يشكل حصاراً جديداً على ما تبقى من السيادة. ولا ضرورة للتذكير بأن من مقوّمات السيادة احتكار الدولة للسلطة والسلاح ، وانصياع كل المواطنين دون استثناء للانظمة التي تقرها الدولة دون تفريق او تمييز وهذا، مع الأسف، ما نفتقده في بلادنا! في محاضرة لرئيس المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات عزمي بشارة “الدولة والأمّة ونظام الحكم، التداخل والتمايز، آذار 2021” ، يورد بشارة مثال بلدان عرفت سلطة فقدت قدرتها على احتكار العنف والتشريع ، وشُلّ جهازها الإداري ولم يبقى لها سوى الشرعية الدولية والمحليّة كما هو الحال مع الكويت خلال الاحتلال العراقي…. ويبدو أن ما سبق ينطبق علينا فلسنا اولياء انفسنا ذلك ان مقومات السيادة قد تلاشت ولم يبق لنا سوى الشرعية الدولية والتي جسّدها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” منذ انفجار المرفأ 4 آب ولحينه ويبدو أن الرئيس الفرنسي بات أكثر حذراً مقارنةً بالماضي ففي خطابه ردّاً على خطاب ميقاتي اثناء اجتماعهما في باريس اشار ماكرون بشكل مستتر لا بشكل واضح بأن هنالك مطبّات ستحول دون تطبيق الاصلاحات وان هناك من سوف يعمل على افشالها وتجويفها. قال ماكرون: “لنبقى يقظين… فالطريق ستكون صعبة. نعرف اننا معاً ندرك صعوبة هذه الأمور وصعوبة الاصلاحات”.

لقد اضحى ثابتاً ان الاستقرار المحلي لبلاد الأرز مرتبط بالاستقرار الاقليمي ووضع حدّ للصراعات بين دول الاقليم ونأمل أن نبصر قريباً إعادة الودّ والوئام إلى العلاقات السعودية الايرانية فلقد صرّح السفير الايراني في العراق ايريج مسجدي…. ان المباحثات مع السعودية تسير على قدم وساق إلى الامام ونتمنّى ان نتوصّل إلى نتائج مؤكّدة. (“العربي الجديد” 25-9-2021)، وكان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قد أكّد في مقابلةٍ تلفزيونية ان بلاده ترغب في اقامة علاقات طيبة ومميزة مع جارتها ايران مضيفاً انه يريد ايران مزدهرة (BBC” 23-9-2021″)  وفي هذا الصدد لا يسعنا إلا ان نتمنى أن ينزل الوفاق السعودي على بلاد الأرز برداً وسلاماً كي نلتقط انفاسنا ونسترجع قوانا، على أمل أن تتوقف طهران من استرهان لبنان لمصالحها وأهدافها. انقل ما صرَّح به

قائد مقرّ خاتم الانبياء التابع للحرس الثوري اللواء غلا معلي رشيد أن القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني (قُتل في ضربة جوية اميركية 13-1-2020 ) انشأ محوراً من ست جيوش: “حزب الله” في لبنان، حماس في فلسطين، الحوثييون في اليمن، الحشد الشعبي في العراق، اضافة الى الجيش السوري وأنه في حال اراد العدو استهداف ايران فعليه ان يواجه هذه الجيوش اولاً (صحيفة العربي الجديد، 15-9-2021).

افادتنا الانباء مؤخراً ان المستشارة الألمانية انغيلا ميركل قررت عدم الترشح لولاية خامسة وبذلك ستختم 16 عاماً في الحكم. في المقابل بقي حوالي العام على نهاية العهد الحالي والذي وصف بالعهد القوي. بما أن نهاية عهد الرئيس عون أضحت وشيكة وبمناسبة نهاية حكم ميركل …. قد تجوز المقارنة خاصّةً وأن الرئيس عون لُقّب بـ “بَيّ الكل” بينما لقّبت ميركل بوالدة “الأمة الألمانية”، إضافة إلى ان العهد الحالي لُقّب بالعهد القوي في حين منحت مجلة “فورتس” ميركل لقب أقوى امرأة في العالم! في هذا الصدد كتب المؤرّخ ماغنوس بريشتكن من معهد ميونيخ للتاريخ المعاصر …. “على المدى الطويل، سيرى الناس أن 16 عاماً كانت ناجحة تماماً ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل في بناء دول مهيّأة لمستقبل غير سهل”.(“BBC” 24-9-2021). انجازات ميركل على كافة الصعد لم تكن مقتصرة على بلدها ألمانيا بل شملت الاتحاد الاوروبي. في المقابل ماذا يمكن القول عن عهد الرئيس الحالي. جاء في تقرير “للدولية للمعلومات” ان عهد الرئيس عون شَهِد اربع حكومات و 699 يوماً من الفراغ و 40 % من ايام العهد، تُرى، أيُّ عهدٍ هو هذا؟! الفراغ هو نموذج من نماذج متعددة. ثم أننا لم نلمس طيلة حكم العهد القوي مشروع حكم… بل مشروع سلطة! والبون بين الاثنين واضح وجليّ فالأول يتطلّب رويّة ورؤية، حكمة وتبصُّر وحوكمة، وانتظام ووضوح في السلوك والمنهج. اما الثاني فيعني الاستئثار بالسلطة والتسلّط والتصرف كما تهوى النفس دون رادع وتبصر بالنتائج والتداعيات! والأمثلة على ذلك لا تُعدّ ولا تُحصى. ماذا سيكتب المعلّقون وماذا سيقول الناس وقد بقي من زمن العهد الحالي ما يقارب العام؟.. الأرجح انهم سيقولون ليت ذلك العام يمرّ كلمح البصر…!!

  • عبد الرحمن عبد المولى الصلح هو كاتب لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى