… وسوف يكونُ صبْحٌ كثير

هنري زغيب*

بعد صدور مقالي السابق بإِعلان استقالتي من الكتابة عن أَهل السُلطة، انقسم القُرَّاء بين مؤَيدٍ إِياها ومستغربٍ أَن أَنكفئَ عن حملات غضب أَشحن بها القرَّاء منذ فترةٍ ضد أَهل السُلطة البغيضة.

مع شُكريَ أَصحابَ الرأْيين، أُوضح أَنني لم أُلْقِ الشُعلة ولَنْ. إِنما استقلْتُ من المتابعة لا من الكتابة، وانكفأْتُ عن متابعة أَخبار أَهل الحُكْم والتعليق عليها، ورصْدِ تصاريحهم ومقابلاتهم وآرائهم ونظرياتهم، ولم أَستقِلْ من لَعنتهم على ما حَرَمونا منه، وسرَقوه منا، وقرَّروه عنا، وبَثُّوه إِلينا أَكاذيبَ وأَضاليلَ ومعظمُهم مأْجورون ينطقون بلسان أَسيادهم الداخليين والخارجيين ومَن هُم وراءَ أَسيادهم الداخليين والخارجيين.

كيف أَعرف إِن لم أُتابع؟ مش ضروري. مَن هُم مِن طينة شَوهاء لن يُنتجوا إِلَّا نتائجَ شَوهاء، فكيف أُتابعهم ولا يستحقُّون؟ مَن هُم هؤُلاء الثعالب في كروم بلادي؟ مَن هُم هؤُلاء الذئابُ في أَحرام بلادي؟ مَن هُم هؤُلاء الغربان في حدائق بلادي؟ مَن هُم هؤُلاء الكذَّابون يخطبون في جماهير بلادي؟ نحن انتخبناهم في دورات متعاقبة سابقة؟ عال. فلْنَطْردْهم في الانتخابات المقبلة ولو بقيَتْ فُلول منهم في المجلس المقبل، لكنهم سيكونون مكروهين ممجوجين لأَنهم عادوا يكْملون فساد دولة الحقارة في وطن الحضارة.

ومن الحقارة في الحضارة سينشحن شعبنا بالغضب ويتهيَّأُ كي يهُبَّ ثورة حارقة على بقايا خَوَنةٍ يوضاسيين، قادوا بفَشَلِهم لبنانَ الدولة فشوَّهوا لبنانَ الوطن. لذا سيطردُهم شعبنا في الانتخابات المقبلة بكل غضب ونقمة، وسيبقى شعبنا محصَّنًا بهواءَين: بناءُ لبنان الوطن، وهدْمُ فلُول فاسدين دمَّروا الدولة، وحان محْوُ وجوههم وأَحوالهم وأَفعالهم وصفقاتهم وصفاقاتهم.

لم يحدُثْ أَن سمَّيتُ أَحدًا منهم؟ طبعًا. لماذا أُسميهم وهم معروفون مكشوفون سافرون يتناسلون الحكْم مقتسمينَه مقاطعاتٍ ومناطقَ نفوذ، يتناوبون علينا من أَجدادهم لآبائهم ويتعاملون معنا كأَننا أُجَراء في مزارعهم لأَن في شعبنا مَن انقاد لهم عن ضعف أَو حاجة أَو مصلحة!   كيف بعدُ أُعطيهم من وقتي وكلماتي وهُم ماضون في مخططاتهم السياسية لا يحسبون للشعب حسابًا، وليس للبنانَ الثقافة والتراث والإِبداع لأَن بالهم منخور بالحسابات الانتخابية؟ كيف أُؤْمن ببيان وزاري أَخير قبل أَيام، من 4598 كلمة، لم تستغرقْ منه الثقافة سوى سطر ونصف السطر في 23 كلمة باردة مسطَّحة مكَرَّرة لا رؤْيةَ ثقافيةً فيها؟ وهل بثانوية العمل الثقافي والإِبداعي آمل خيرًا من المسيرة الحكومية؟

لذا أُشيح عنهم وأَنصرف إِلى عُظماء بلادي لا إِلى عِظام مومياءَاتها الحية، فأَكتُب عن مثقَّفي لبنان ومبدعيه هنا وفي العالم. ذاكرةُ التاريخ لن تَذْكُر أَحدًا من أَهل هذه السُلطة سابقًا وراهنًا ومستقبلًا. لن تَذكُر سوى مبدعي لبنان من أَهل الفكر والآداب والفنون الخالدين. إِلى لبنان هؤُلاء أَنا أَنتمي، وأَرى متابعة السياسيين كمَن يَفْلَح في الماء، ومياهُهم عكِرة نَتِنة. سأُواصل الكتابة الثقافية كمَن يَبذُر في حقل خصيبِ التربةِ الصالحة، ولا بُدَّ تنبُتُ البذور ولو بعد حين.

هذا هو فعل الكلمة، وهذا دورُ الكاتب المتَّحد بشعبه. أَيُّ قيمةٍ لكاتبٍ منفصل عن شعبه قضايًا وهمومًا، وعن تراثه كنوزًا إِبداعيةً في كل دُربة؟ لذا سأُواصل كشْف مبدعينا، وسيُواصلُهُ معي كُتَّاب زملاءُ منذُورُون لتنصيع صورة لبنان الحقيقية. ولا بُدَّ أَن يبدأَ بالانحسار هذا الظلامُ الكثيفُ فتنكسرَ ظُلْمتُهُ وظَلاميَّتُه ويكونَ غروبٌ للغيوم المسمومة.

وسوف يُشْرقُ شعبُنا.

وسوف يكونُ صبْحٌ كثير.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” توازيًا مع صُدُوره في “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى