كَيفَ يُمكِنُ إنقاذُ صفقة إيران النووية

إذا كانت الولايات المتحدة وإيران تأملان في إنقاذ الاتفاق النووي، فسيتعيّن عليهما إظهار الاستعداد لاستكشافِ أفكارٍ جديدة لهذه الخطوة.

الرئيس إبراهيم رئيسي: هل لديه أفكار جديدة لإحياء الإتفاق النووي؟

علي واعظ و والي نصر*

يتخوَّف المسؤولون الغربيون من أن يُقدِمَ الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في نهاية المطاف على نسفِ المحادثات بين بلاده والقوى العالمية الكبرى التي تهدف إلى استعادة الاتفاق النووي لعام 2015. إنهم قلقون من أن رئيسي يؤخّر بالفعل استئناف المفاوضات، وأنه عندما تُستأنف المحادثات أخيراً، ستطرح إدارته مطالب غير عملية.

لكن العقبة الحقيقية التي تُواجه المفاوضات ليست الآراء المُتشَدِّدة لحكومة رئيسي، ولكن فشل واشنطن وطهران في حلّ الخلافات الأساسية التي أحبطت الوصول إلى صفقة في الجولة الأخيرة من المحادثات في فيينا في حزيران (يونيو)، حتى في ظل حكومة حسن روحاني الأكثر اعتدالاً.

في الواقع، يبدو أن الحكومة الإيرانية الجديدة مُصَمِّمة على مواصلة المحادثات، ومن المُرَجّح أن تبدأ من حيث توقّفت سابقتها. لا تزال طهران تطمح لاستثمار التقدّم المُحرَز بين نيسان (أبريل) وحزيران (يونيو) خلال ست جولات من المحادثات هدفت إلى إحياء الاتفاق.

ولكن إذا فشلت الولايات المتحدة وإيران في تكييف مواقفهما لسدّ الفجوة التي تفصل بينهما، فسوف تظلّان في طريق مسدود، مع احتمال حدوث نتائج كارثية لكلا البلدين والشرق الأوسط بأكمله. لذا، في حال كانتا تسعيان إلى نتيجة مختلفة، فإنهما تحتاجان إلى نهجٍ مختلف.

خلاف شديد

في قلب المواجهة تُوجَدُ تصوّرات خاطئة من كلا الجانبين. تعتقد القيادة الإيرانية أن الوقت في صالحها: لقد فرضت واشنطن بالفعل عقوبات على إيران إلى أقصى حد، ومع ذلك فقد نجا الاقتصاد الإيراني وهو يتعافى الآن. بالنظر إلى النمو المُتسارع لبرنامجها النووي، يعتقد المسؤولون في طهران أنهم في وضعٍ جيد لبناء المزيد من النفوذ وانتزاع المزيد من التنازلات من الغرب.

لكن الحقيقة هي أن انهيار “خطة العمل المشتركة الشاملة” سيمثل أسوأ نتائج لكلا البلدين. إذا فشل الطرفان في تغيير المسار عند استئناف المحادثات، فمن المحتم أن تنتهي المفاوضات إلى طريق مسدود. في غياب مسار لإعادة تأسيس الاتفاق النووي، ستواجه إدارة بايدن ضغوطاً سياسية هائلة لمضاعفة سياسة دونالد ترامب في ممارسة “أقصى قدر من الضغط”، والتي عارضتها إدارة بايدن ووصفتها بالفشل الذريع. علاوة على ذلك، ستضطر واشنطن إلى اتخاذ قرارات أكثر صعوبة مع وصول البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة اللاعودة، وتصبح الدعوات الإسرائيلية المتكررة للعمل العسكري أعلى وأكثر صدى.

تشعر إيران فعلياً بميزة في ميزان القوى الإقليمي في أعقاب انتصار طالبان في أفغانستان والنتيجة الفوضوية لأطول حرب للولايات المتحدة. يمكن لإيران أن تُشجّع حلفاءها ووكلاءها في العراق وسوريا على الضغط بقوة أكبر على القوات الأميركية للرحيل.

ومع ذلك، فإن التوتّرات المتصاعدة قد تكون مُكلفة بالنسبة إلى إيران. إن تقدّمها النووي سيُعيد البلاد إلى وضع المنبوذ الدولي: مع تجاوز إيران المزيد من الخطوط الحمراء لخطة العمل الشاملة المشتركة، سيُعيد الأوروبيون فرض عقوبات الأمم المتحدة التي رفعها الاتفاق النووي ويفرضون مجموعتهم الخاصة من العقوبات مُتعدّدة الأطراف.

نتيجة لذلك، ستجد الدول الأخرى صعوبة في الحفاظ على التجارة مع إيران. كل هذا من شأنه أن يلحق المزيد من الألم بالشعب الإيراني الغارق أصلاً في أزماتٍ لا تُعدّ ولا تُحصى، تتراوح من الركود الاقتصادي إلى التدهور البيئي وانتشار جائحة كورونا. كما ستتعرّض طهران لعمليات تخريب لمنشآتها النووية وبنيتها التحتية الحيوية إضافة لاغتيال علمائها النوويين.

التداعيات الإقليمية ستكون خطيرة. مع احتدام الوضع بين طهران وواشنطن، ستغرق المنطقة في صراعٍ أكبر وعدم استقرار، بدلاً من رؤيةِ تقدّمٍ في جهود خفض التصعيد بين إيران وبعض جيرانها العرب. عندها ستنظر واشنطن إلى ممرٍ من الفوضى يمتد من أفغانستان إلى حدود إسرائيل.

بالنسبة إلى إدارة بايدن، فإن فشل محادثات فيينا من شأنه أن يُعرقِلَ أجندة السياسة الخارجية الأوسع التي سعت إلى تحويل التركيز من الشرق الأوسط إلى القضايا العالمية، مثل مكافحة تغيّر المناخ، وخصومات القوى العظمى، بخاصة مع الصين. قد يجد الرئيس جو بايدن نفسه في طريقه إلى تدخّلٍ مسلح آخر في الشرق الأوسط من النوع الذي وعد بقوة بتجنّبه.

الشيطان يكمن في التفاصيل”

التحدّي الذي يواجه واشنطن وطهران هو كيفية استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة في أعقاب الانقطاع الذي أثارته إدارة ترامب. بعد ست جولات من المحادثات، وافقت الولايات المتحدة على رفع معظم، وليس كل، عقوبات عهد ترامب على إيران.

تعتقد طهران أن بعض العقوبات التي ستبقى سارية تنتهك بشكلٍ صارخ الاتفاق النووي الأصلي. على سبيل المثال، بعد أن رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رفضاً قاطعاً قراراً أميركياً لتمديد حظر الأسلحة من الأمم المتحدة، فرضت إدارة ترامب حظراً أحادي الجانب على توفير أو شراء الأسلحة التقليدية من وإلى إيران.

تنظر الجمهورية الإسلامية إلى هذه السياسة على أنها محاولة لإحباط الدول الأخرى من الانخراط في نشاطٍ لم يعد يُحظّره القانون الدولي. لكن بالنظر إلى تورّط إيران في الحروب في سوريا واليمن، وهجمات الشركاء والوكلاء الإيرانيين على المصالح الأميركية في العراق، والمشاجرات البحرية بين إيران وإسرائيل، فإن إدارة بايدن تخشى أن يؤدي رفع الحظر إلى معارضة قوية في الداخل وبين الشركاء الإقليميين.

كما أن الجانبين مُتباعدان كثيراً بشأن تسلسل الخطوات التي سيحتاجان إلى اتخاذها للعودة إلى الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة. نظراً إلى أن الولايات المتحدة هي التي تركت خطة العمل الشاملة المشتركة، تتوقع طهران أن تتخذ واشنطن الخطوة الأولى بإلغاء عقوبات عهد ترامب، ومن ثم منح إيران وقتاً كافياً للتحقّق من تخفيف العقوبات بشكل فعّال.

وقد طالب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بهذا المطلب صراحة. ينبع هذا من عدم ثقة إيران العميق بالوعود الأميركية: يؤكد المسؤولون الإيرانيون أنهم بحاجة إلى رؤية الفوائد الاقتصادية التي تهدف الصفقة إلى توفيرها بدلاً من قبول وعود التجارة والاستثمار التي لا تُثمر أبداً.

يبدو أن المفاوضين الأميركيين على استعدادٍ لتحمّلِ قدرٍ من رفع العقوبات، لكنهم ليسوا مُستعدِّين لرفع جميع العقوبات دفعةً واحدة ثم الانتظار لأسابيع حتى تعود إيران إلى الامتثال بينما يستمر برنامجها النووي في النمو.

بالإضافة إلى ذلك، يسعى كلا الجانبين إلى التزاماتٍ ليست ضمن الإطار الأصلي لخطة العمل الشاملة المشتركة. تُريد واشنطن تعهّداً إيرانياً صريحاً بأنها ستنخرط في مفاوضات متابعة نحو صفقة “أقوى وأوسع” قد تشمل عرض القوة الإقليمية لإيران.

تسعى طهران إلى الحصول على تأكيدات بأن واشنطن لن تنسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة مرة أخرى أو تُقوّضها باستمرار من خلال فرض عقوبات جديدة. بدون التأكد من استمرار تخفيف العقوبات على المدى الطويل، فإن القليل من الشركات الأجنبية ستستثمر في إيران، وستكون مكاسبها الاقتصادية من إحياء الصفقة ضئيلة. مطالب كل جانب مفهومة ولكن من الصعب على الطرف الآخر الموافقة على عدم وجود قرارات سياسية صعبة على أعلى مستوى.

إنقاذ الاتفاق النووي

السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى واشنطن وطهران ليس حتمياً. يحتاج بايدن إلى الانخراط شخصياً في سياسة إيران وقبول الثمن السياسي لدفع المصالح الأميركية الأساسية من خلال إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى دائرة الأمان.

يجب على طهران أيضاً أن تضع جانباً رفضها الرمزي للتفاوض مباشرة مع المحاورين الأميركيين، وهي سياسة أدّت فقط إلى إبطاء عملية المفاوضات وجعلتها عرضةً لسوء التفاهم.

لكسر الجمود، يجب على كلا الجانبين التراجع عن بعض الخطوط الحمراء. لا يوجد سببٌ يدعو إيران إلى رفض المزيد من المحادثات في المستقبل عندما لا يكون الالتزام مُلزِماً قانوناً ولا مُحدّداً زمنياً، وعندما يُمكن للمفاوضات أن تعالج بعض مخاوف طهران بشأن أوجه القصور في تخفيف العقوبات.

وعلى المنوال عينه، ليس من مصلحة الولايات المتحدة تبديد فرصة لتقييد قدرة إيران على تطوير أسلحة غير تقليدية، مقابل فرض حظر على الأسلحة فشل في كبح صناعة الأسلحة المحلية الإيرانية ونقل الأسلحة إلى شركاء طهران الإقليميين. يجب على واشنطن وشركائها الأوروبيين أيضاً أن يتصالحوا مع جدولٍ زمني قصير للاستراحة: إذا كان الجدول الزمني الأصلي لمدة عام واحد بعيد المنال، فيجب أن يستقروا على نافذة استراحة مدتها تسعة أو عشرة شهور.

يجب على طهران أيضاً الرد بسرعة على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم تتم الإجابة عنها في ما يتعلق بالآثار غير المبلغ عنها للمواد النووية التي تم العثور عليها في المواقع النووية الإيرانية التي تعود إلى الأنشطة النووية الإيرانية قبل العام 2003.

خارج المحادثات النووية، يجب على إدارة بايدن تشجيع الحوار بين إيران وجيرانها العرب لمعالجة بعض القضايا العالقة في ما يتعلق بدور طهران في المنطقة. لقد استضافت الحكومة العراقية ثلاث جولات من المفاوضات بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين، بالإضافة إلى قمّة حديثة ضمّت دولاً إقليمية أوسع.

يجب على واشنطن أن تحثّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على إلقاء ثقله وراء مبادرة الحوار الإقليمي التي من شأنها أن تجمع بين إيران والعراق وجيرانهما الخليجيين الستة – البحرين والكويت وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – لمناقشة تدابير بناء الثقة التي يمكن أن تؤدي إلى بنية أمنية مُستدامة لمنطقة الخليج.

لن تكون أيّ من التنازلات المطلوبة لإخراج المفاوضات من حالة الركود سهلة. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة وإيران تأملان في إنقاذ الاتفاق النووي، فسيتعيّن عليهما إظهار الاستعداد لاستكشاف أفكارٍ جديدة لهذه الخطوة. يجب أن تهدف الديبلوماسية إلى اغتنام اللحظة، على أساس الفهم بأن محادثات فيينا يُمكن أن تكون فرصتهم الأخيرة لإنقاذ الصفقة.

  • علي واعظ هو مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية وأستاذ مساعد في جامعة جورج تاون. يمكن متابعته عبر تويتر على: alivaez@. والي نصر هو أستاذ دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز. يمكن متابعته عبر تويترعلى: vali_nasr@.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى