الأردن، مصر وإسرائيل تعمل على إدارة الصراع الفلسطيني

أسامة الشريف*

تُبَشِّرُ حقبة ما بعد نتنياهو بحالة تقارب بين إسرائيل من جهة والأردن ومصر من جهة أخرى. ويُمكن أن يجلب ذلك أيضاً بعض الفوائد التي تشتدّ الحاجة إليها للسلطة الفلسطينية المُتعَثّرة. منذ أن تمكّن من تشكيل حكومة ائتلافية واسعة في حزيران (يونيو) الفائت، تمكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت من إصلاح العلاقات مع الأردن ومصر المُجاورتين مع إبقاء حلفائه صامتين.

في عهد بنيامين نتنياهو، تراجعت العلاقات مع الأردن إلى مستوى غير مسبوق بينما شهدت العلاقات مع مصر القليل من التحسّن. وعندما تولى دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة، رأى نتنياهو فرصةً لبناءِ تحالفٍ مع دول الخليج على حساب العلاقات الاستراتيجية لإسرائيل مع جارَتَيها العربيتين. وكانت العلاقات مع االمملكة وصلت إلى أدنى مستوياتها عندما أعلن نتنياهو استعداده لضم غور الأردن في العام الماضي. وحذّر الملك عبد الله الثاني من أن معاهدة السلام التي مضى عليها عقدين من الزمن يُمكن أن تتأثر إذا مضت إسرائيل قُدُماً في عملية الضمّ.

توقفت محادثات السلام مع الفلسطينيين لما يقرب من عشر سنين، ورفض كلٌّ من محمود عباس والأردن خطة ترامب المُقترَحة للسلام. لقد شكّل عهد نتنياهو مرحلة قاتمة لاحتمالات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهذا لا يعني أن وصول بينيت سيُحدِثُ فرقاً كبيراً. لكن حلفاءه في الحكومة الائتلافية قد يُغيّرون المسار الحالي. في آب (أغسطس) الفائت، عقد وزير الدفاع الإسرائيلي وشريكه في التحالف بيني غانتس اجتماعاً نادراً مع عباس في رام الله. وهو أول لقاء رسمي بين مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى وعباّس منذ ما يقرب من عشر سنين. وركّز الاجتماع على تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في الضفة الغربية ولم يُغطِّ الجوانب السياسية.

في ثلاث مناسبات مُنفَصِلة، أعلنت إسرائيل أن بينيت والرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ وغانتس زاروا عمّان واجتمعوا مع الملك عبد الله بين شهرَي تموز (يوليو) وآب (أغسطس). ويُشيرُ ذلك إلى تحوّلٍ كبير في العلاقات وحرص إسرائيل على تحسين العلاقات مع الأردن بعد سنواتٍ عديدة من التوترات. وركّزت المحادثات على العلاقات الثنائية، وخصوصاً التعاون الاقتصادي، ودعم السلطة الفلسطينية. وقال لي مصدر مطلع إن الأردن يعتبر الآن علاقاته مع إسرائيل في أفضل حالاتها على الإطلاق.

سعت مصر أيضاً إلى الاستفادة من نجاحها الديبلوماسي في التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في أيار (مايو) الماضي. وقد أدى دورها في الوساطة إلى تحسين وضعها مع إدارة جو بايدن وكذلك مع إسرائيل. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد دعا في الأسبوع الماضي بينيت لزيارة شرم الشيخ. وهي خطوةٌ اعتُبِرَت علامة بارزة في العلاقات الثنائية. وقد ركّزت المحادثات على دور مصر في التوصّل إلى هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل و”حماس” يمكن أن تشمل تبادل الأسرى.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد زار القاهرة قبل ذلك، وأجرى اتصالاً هاتفياً يوم الأحد مع نظيره المصري سامح شكري. وقالت مصر إن المحادثات ركّزت على إحياء محادثات السلام بينما أشار مكتب لبيد إلى عرضٍ للسماح بمشاريع إعادة إعمار غزة الكبرى مقابل الأمن المتبادل.

الأردن ومصر يُنسّقان مواقفهما في ما يتعلق بغزّة والسلطة الفلسطينية. في وقت سابق من هذا الشهر، استضافت مصر كلاً من العاهل الأردني وعباس في محاولة لدعم السلطة الفلسطينية ورئيسها. لكن مصدراً قال لي أن كلا الزعيمين الأردني والمصري مارسا ضغوطاً على عباس لإجراء إصلاحات مطلوبة بشدة وتعيين نائب له. وتراجعت شعبية عباس في أعقاب المواجهة التي حدثت في أيار (مايو) الفائت بين إسرائيل و”حماس” ومقتل ناشط فلسطيني أثناء احتجازه لدى السلطة الفلسطينية. كما أدى تأجيل عباس إلى أجل غير مسمى للانتخابات الرئاسية والتشريعية إلى مزيدٍ من الاستقطاب بين الفلسطينيين. ويبدو أن الجهود المصرية لعقد مصالحة بين “فتح” و”حماس” وصلت إلى طريق مسدود.

بينما يدعو الأردن ومصر علناً إلى استئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، من الواضح أن بينيت ليس في وضعٍ يسمح له بإطلاق مثل هذه العملية. إنه ضد الدولة الفلسطينية إيديولوجياً وسوف ينهار تحالفه إذا بدأ عملية سياسية. من ناحية أخرى، يتّفق هو والإدارة الأميركية على ضرورة تحسين سُبُل العيش اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية. ويدفع لبيد من أجل صفقة للسماح بمشاريع إعادة الإعمار الكبرى في غزة مقابل هدنة طويلة الأمد مع “حماس”. أبعد من ذلك، يأمل هو ورئيسه في تحويل الانتباه من الضفة الغربية إلى غزّة باعتبارها الكيان الفلسطيني المستقبلي.

بالنسبة إلى الأردن ومصر، فإن إدارة الصراع في هذه المرحلة تُشكّل جهداً دقيقاً وحسّاساً. تأمل مصر التقرّب من إدارة بايدن من خلال مساعدة “حماس” وإسرائيل على التوصل إلى هدنة طويلة الأمد يمكن أن تشمل تبادل الأسرى. مثل هذه الصفقة من شأنها أن تُعزّز وضع “حماس” في غزة وبين الفلسطينيين. من ناحية أخرى، جميع الأطراف تُريد صمود وبقاء السلطة الفلسطينية في الوقت الذي يجري الاستعداد لعصر ما بعد عباس.

في حين أن العملية السياسية لا تزال بعيدة المنال في هذه المرحلة، يمكن للفلسطينيين أن يتوقّعوا تحسّناً كبيراً في معيشتهم اليومية. هذا هو أقصى ما يُمكن أن تُقدّمه إسرائيل في هذه المرحلة، وأقل ما يمكن أن يدعمه الأردن ومصر في سعيهما إلى إدارة الصراع في غياب عملية سياسية حقيقية.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى