بايدن يُدير الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ولا يحلّه

أسامة الشريف*

في مواجهةِ أوّلِ اختبارٍ له في أزمة دولية، سعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى حماية إسرائيل من مواجهة التأنيب والتوبيخ في مجلس الأمن الدولي، واختار بدلاً من ذلك دعم حقّها في الدفاع عن النفس علناً، مع ممارسة الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سرّاً لإنهاء العملية العسكرية في غزة. بعد مواجهةٍ استمرت 11 يوماً بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، نجح بايدن في إقناع نتنياهو بالإلتزام بوقف إطلاق النار، الذي تفاوضت عليه مصر. كما وافقت حركة “حماس” ومعها “الجهاد الإسلامي”، كما يبدو، على هدنةٍ غير مشروطة.

ولكن بعيداً من الصدام الأخير، إتخذت إدارة بايدن عدداً من الخطوات بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني التي اعتُبِرَت أساسية لإعادة تعريف دور الولايات المتحدة كمُحاور. وكانت واشنطن رفضت الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى إخلاء السكان الفلسطينيين من حيّ الشيخ جرّاح في القدس الشرقية المحتلة. كما انتقدت التوغّلات الإسرائيلية المُتكرّرة للمسجد الأقصى وأكّدت على دور الأردن الخاص في الحرم الشريف. حتى قبل اندلاع الحرب على غزة، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تعتبر الضفة الغربية أرضاً محتلة وأن مستقبل القدس لا يزال بدون حلّ.

في الواقع، إستأنفت الولايات المتحدة مساعداتها للمؤسسات الفلسطينية، وأعادت دعمها المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). والأهم من ذلك، أعاد الرئيس بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكين التزام أميركا بحلّ الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود. هذه أمورٌ مُهمّة، على الرغم من أنه في الوقت الحالي لا تزال هناك لفتات رمزية تعكس إلى حد كبير بعض قرارات الرئيس دونالد ترامب أحادية الجانب التي أدّت إلى تعقيد الصراع وشجّعت الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي المحتلة.

يعتقد المراقبون أن الرئيس بايدن وفريق السياسة الخارجية في إدارته أرادا إعادة ضبط موقف الولايات المتحدة من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ليتوافق مع القانون والقرارات الدولية، ولكن من دون التورّط في مبادرة سلام جديدة والقيام بالمهمة الصعبة. لقد كانت هناك ملفات إقليمية أخرى سابقة بما في ذلك سحب القوات الأميركية من أفغانستان وحل الأزمة اليمنية، والأهم من ذلك العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.

لكن الاستفزازات الإسرائيلية في القدس الشرقية واندلاع مواجهة عسكرية أخرى بين إسرائيل والجماعات المسلّحة في غزة أجبرت إدارة بايدن على التدخّل حيث تجد نفسها في قلب فصلٍ مُظلمٍ آخر من صراعٍ مُتَوطِّنٍ ومُزمِن.

الآن الوزير بلينكين ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز موجودان في المنطقة بشكلٍ أساس لتعزيز وقف إطلاق النار ومناقشة سُبُل التخفيف من الأزمة الإنسانية في غزة. سيستمعان إلى قادة المنطقة الذين سيؤكدون على الحاجة إلى استئناف محادثات السلام التي تهدف إلى الوصول إلى حلّ الدولتين. سوف يُجدّدان التزام الولايات المتحدة بدعم هذا الحلّ ولكن من غير المُرجَّح أن يفعل بلينكين أكثر من ذلك. سوف يُجادل بأن الفراغ السياسي في إسرائيل، والذي من المحتمل أن يقود البلاد إلى انتخابات عامة خامسة، لن يسمح بمبادرة سلام جديدة. علاوة على ذلك، قال بايدن في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع أنه “لن يكون هناك سلامٌ” إذا لم تعترف المنطقة “بشكل لا لبس فيه” بالدولة العبرية. وهو مطلبٌ مُثيرٌ للجدل رفضته السلطة الفلسطينية.

أحد الاهتمامات الأساسية للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب هو كيفية إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس بعد سلسلة من الهزائم السياسية التي قوّضت مكانتهما بين الفلسطينيين. خلال الحرب التي استمرت 11 يوماً، أجرى الرئيس بايدن أول مكالمة هاتفية له مع عباس منذ توليه منصبه. يقول البيت الأبيض إن بايدن “أعرب عن دعمه لخطواتٍ لتمكين الشعب الفلسطيني من التمتّع بالكرامة والأمن والحرية والفُرَص الاقتصادية التي يستحقّها” وسلّط الضوء على استئناف المساعدات الأميركية للفلسطينيين تحت إدارته. كما اتصل بلينكين بعباس قبل أن يجتمع معه في رام الله يوم الثلثاء الفائت، ويؤكد له خلال اللقاء أن “تطلعات الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة أمر مشروع كما باقي الشعوب”.

في الشهر الماضي أرجأ عباس الإنتخابات التشريعية إلى أجل غير مسمى وسط انتقادات من جانب الفصائل الفلسطينية. الآن هناك ضغط على عباس لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم “حماس”. إن إنقاذ السلطة الفلسطينية أمرٌ حاسم لإسرائيل وكذلك للولايات المتحدة وحلفائها. لكن عدداً مُتزايداً من الفلسطينيين يعتقدون أن السلطة الفلسطينية فشلت في تحقيق السلام وإنهاء الاحتلال بينما تقوم بقمع الأصوات الفلسطينية وتذهب إلى حد التنسيق مع إسرائيل لملاحقة النشطاء الفلسطينيين.

بينما يستمر عباس وبقية العالم في التمسك بحلّ الدولتين، يؤمن عددٌ أقل وأقل من الإسرائيليين والفلسطينيين بقدرة هذا الحل على البقاء. لقد أظهر استطلاعٌ للرأي، أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية  في رام الله وبرنامج إيفينز للوساطة وإدارة الصراع في جامعة تل أبيب في العام 2019، أن 43 في المئة فقط من الفلسطينيين في الضفة الغربية و42 في المئة من الإسرائيليين يدعمون حلّ الدولتين. كما وجد استطلاعٌ آخر، أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في العام 2020، أن 58 في المئة في الضفة الغربية و 62 في المئة في غزة قالوا إنه حتى لو تم التوصّل إلى حلّ الدولتين، فإن الصراع مع إسرائيل يجب أن يستمر حتى يستعيد الفلسطينيون كل الأراضي.

يعرف بايدن وفريقه أن السياسيين اليمينيين في إسرائيل لن يقبلوا أبداً بحل الدولتين وهم من المرجح أن يشكلوا الحكومة المقبلة في إسرائيل مع نتنياهو أو بدونه. في الوقت الحالي، سيتولّى بايدن إدارة الصراع عن بُعد وبعناية بدلاً من الانخراط بشكلٍ شخصي. إذا كان التغيير سيحدث، فسيتعيّن أن يتم داخل إسرائيل نفسها، ومن غير المُرجَّح أن يحدث ذلك في المستقبل القريب.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلِّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى