ما الذي تتطلّبه الصفقة النووية الإيرانية الجديدة حقّاً

ممثلو الدول الموقّعة على الإتفاق النووي: لن يعود الأمر كما كان

 

للحصول على موافقة شركاء واشنطن الخليجيين، يحتاج الرئيس جو بايدن إلى استراتيجية فعلية لحمايتهم وطرق لجعلهم يُساهمون فيها.

 

حادثة بقيق: زادت عدم الثقة بأميركا

بقلم بلال صعب*

هناك العديد من المؤيّدين والمُنتقدين الأميركيين للإتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما في العام 2015 مع إيران. ولكن إذا كان هناك شيءٌ واحدٌ يتّفق عليه الجميع، فهو أن شركاء واشنطن الإقليميين – وبالتحديد، معظم دول الخليج العربية وإسرائيل – يكرهونه تماماً، ولسبب وجيه: لقد فشل في معالجة مخاوفهم الأمنية الإقليمية، والتي تجاوزت قدرات تخصيب إيران النووية.

لم يعتقد مستشارو الرئيس السابق باراك أوباما أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق شامل لأنهم كانوا قلقين من أنه إذا تطرقوا إلى ترسانة طهران الصاروخية وشبكة وكلائها الإقليميين في المحادثات النووية، فإن الإيرانيين سيرفضون وينسحبون. يبدو أن حدسهم كان صحيحاً.

بمجرّد إبرام الصفقة الإيرانية المحدودة، حاول أوباما تقليل الضرر الذي يلحق بشركاء الخليج العرب من خلال عقد قمّتين معهم لمناقشة سبل تعزيز علاقاتهم الدفاعية والأمنية مع الولايات المتحدة – واحدة في كامب ديفيد في العام 2015 وأخرى في الرياض في العام التالي. وقد تم إنشاء خمس مجموعات عمل، وتم إحراز بعض التقدم في مجالات مكافحة الإرهاب والدفاع ضد الصواريخ الباليستية والأمن السيبراني والأمن البحري.

قد تقترح إدارة بايدن، التي عمل العديد من أعضائها مع أوباما في الشرق الأوسط وتحديداً في القضية النووية الإيرانية، أفكارها الخاصة حول كيفية تجديد تلك المناقشات والعمليات، ربما مع بعض التعديلات على الصيغة السابقة.

ويمكنها أيضاً محاولة اتباع نهجٍ أوسع والدفع باتجاه حوار أمني إقليمي، بالتوازي على الأرجح مع المحادثات النووية المُحتَملة. مثل هذا الحوار سيُحدّد بشكلٍ مثالي معايير جديدة للسلوك، ويبدأ تدابير بناء الثقة، ويُخفّض التوتّر السياسي. وتتعاطف معظم القوى في الشرق الأوسط بشكل عام مع مثل هذا الاقتراح. بعد كل شيء، المنطقة هي الوحيدة في العالم التي ليست لديها عملية شاملة مُتعددة الأطراف لدعم الإستقرار، ونظراً إلى مشاكلها المُتوَطِّنة التي لا حدود لها، فهي بحاجة ماسة إلى واحدة.

ومع ذلك، من غير المرجح أن تنجح أيٌّ من الفكرتين بدون ثقة أعمق بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. السبب الرئيس وراء عدم وصول القمّتين في كامب ديفيد والرياض إلى النجاح المطلوب هو أن عرب الخليج إلى جانب إسرائيل فقدوا الثقة، عن حق أو خطأ، في استعداد واشنطن للوقوف إلى جانبهم في أوقات الخطر.

من غير الواضح كيف يُمكن استعادة الثقة اليوم عندما تبدو الفجوة كبيرة. سيستغرق الأمر وقتاً بالتأكيد. ربما يمكن للديبلوماسية الشخصية رفيعة المستوى أن تساعد، والتي يُقدّرها القادة العرب بشكل خاص. ربما يمكن ابتكار مبادرات جديدة في التعاون الأمني ​​لمعالجة مجموعة التهديدات التقليدية وغير التقليدية التي تُشكّلها إيران. ربما تكون المنتديات مؤسسية لمزيد من المشاورات السياسية المنتظمة لتجنب المفاجآت والحد من سوء التفاهم.

ومع ذلك، لا يزال من غير المرجح أن يكون كل هذا كافياً، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن الضربات الإيرانية على منشآت النفط السعودية في بقيق في العام 2019 غيّرت الإتجاه والمضمون. والتصحيح أو التركيز على الهوامش قد لا يفيد. ما دمّره هذا الهجوم غير المسبوق كان أكثر من عدد قليل من منشآت النفط في المملكة. لقد حطّم كل المعتقدات العربية بأن واشنطن شريك أمني موثوق وتسبّب في أضرار جسيمة ل”عقيدة كارتر” (Carter Doctrine)، التي تهدف على وجه التحديد إلى الدفاع والإعتراض أو، في حالة فشل الردع، الردّ الفوري على مثل هذه الهجمات.

إختارت دول الخليج العربية عدم الإفصاح عن مخاوفها العميقة بشأن فشل الردع الأميركي في المقام الأول لتجنّب أزمة سياسية مع الرئيس السابق دونالد ترامب، وبالتالي منح الإيرانيين انتصاراً آخر. لكن في السرّ، كثرت الأسئلة حول الإلتزام الأمني ​​الأميركي في أماكن مثل الرياض وأبو ظبي.

على الرغم من صدمة تلك الحادثة، إلا أن إدارة ترامب وشركاءها العرب لم يفعلوا الكثير حيالها بعد ذلك. أقدمت واشنطن على قتل قاسم سليماني، القائد العسكري الإيراني البارز، في كانون الثاني (يناير) 2020 بواسطة طائرة مُسَيّرة بالقرب من مطار بغداد الدولي. لكن هذا الرد جاء بعد أشهر عدة من حادثة بقيق، ما ألقى بظلالٍ من الشك على النظرية القائلة بأن العملية كانت عقاباً على ما جرى في بقيق. إن الردع يكون ذا مصداقية ومفيداً فقط عندما يكون واضحاً وفورياً وحاسماً. ولم تكن غارة قتل سليماني الأوَّلين بالتأكيد.

سيكون لدى فريق السياسة الخارجية في إدارة بايدن وقادة دول الخليج العربية الكثير من الفُرَص للتشاور حول كيفية مواجهة التحدّي الإيراني في مُجمله. في تلك الأحاديث، ستظهر عملية بقيق – وكيفية منع ضربة أخرى – بالتأكيد. الصدق والصراحة الجريئة من كلا الجانبين حول حدود التزامهما تجاه بعضهما البعض أمران لا بد منهما. إذا كان الإجماع يكمن في العمل معاً حقاً، وإيجاد أرضية مشتركة، وتعزيز الشراكة، فلن تكون مجموعات العمل وإنجازات 2015-2016 كافية.

المطلوب هو خطة عملياتية عسكرية أميركية ملموسة، أو خطط، لمواجهة العدوان التقليدي الإيراني. هذا ما ستطلق عليه القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) اسم “أوبلانز” (OPLANs)، المُصَمَّم لحماية الأصول الحيوية بشكل فعّال في المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو البحرين أو في أي مكان آخر في شبه الجزيرة العربية من صواريخ طهران وغيرها من المقذوفات والصواريخ الفتاكة. صحيح أن هذه الخطط مطلوبة بغض النظر عمّا يحدث على الجبهة النووية، لكن صياغتها ذاتها توفّر تطمينات أمنية مطلوبة بشدة للشركاء الإقليميين والتي يمكن أن توفر لواشنطن مزيداً من الحرية في مفاوضاتها النووية.

قد تكون مثل هذه الخطط موجودة بالفعل لكل بلد ولكن ليست لديها توجيهات استراتيجية أميركية واضحة من القيادة التنفيذية حول متى وأين يتم تنشيطها، أو قد لا تفعل ذلك. كلا السيناريوهين مقلق لشركاء الخليج العرب. وإذا لم تكن موجودة، فمن الأفضل أن تُركّز المحادثات العربية-الأميركية رفيعة المستوى حول الأمن الإقليمي على معايير ما ستلتزم الولايات المتحدة بفعله لحماية شركائها، والأهم من ذلك، كيف يمكن للعرب أن يساهموا بأصول عسكرية يملكونها في هذه الخطط. لكي ينجح هذا، يجب القيام بذلك في شراكة. وعلى عكس عملية عاصفة الصحراء في العام 1990، يمكن للعرب هذه المرة بالتأكيد المشاركة.

  • بلال صعب هو زميل كبير ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ومستشار أول سابق لشؤون الشرق الأوسط في البنتاغون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى