الوباء يُحوِّل “الحِراكَ” في الجزائر إلى حَرَكَةٍ إلكترونية على الإنترنِت

مع انتشار وباء كورونا المُتَجَدِّد في الجزائر، أُجبِرَ “الحراك” في البلاد على وقف تجمّعاته ومظاهراته، وتكريس معظم طاقته لمقاومة الحملة غير المسبوقة على حرية التعبير.

قطع الإنترنت عن المواقع التي تدعم الحراك

بقلم إلهام رشيدي*

حتى في الوقت الذي أجبرت جائحة كوفيد-19 “الحِراك” في الجزائر وقف التجمّعات الجماهيرية المميزة، فارضةً عليه أن يصبح حركةً إلكترونية إلى حدٍّ كبير، زادت الحكومة الجزائرية من حملتها القمعية على وجود “الحراك” على الإنترنت. وبالتالي، صارت الحركة الآن تُكرِّسُ معظم طاقتها لمقاومة ما يصفه النشطاء بأنه حملة قمع غير مسبوقة على حرية التعبير.

لا تزال حركة “الحراك” ضعيفة التنظيم بلا قيادة وبدون منصّة رسمية. لكن على الرغم من الإيديولوجيات المُتناقضة أحياناً لمُحتَجّيها وأعضائها، فقد نجحت في رفع الوعي السياسي الوطني وتطبيع المعارضة. ونظراً إلى أن “الحراك”، الذي تباطأ نشاطه بسبب الوباء، فاقداً زخمه على ما يبدو، فإن المواطنين الجزائريين يتمسّكون بالتأثير الأكبر للمسيرات: الإهتمام الجديد للمواطنين العاديين بالسياسة وزيادة الثقة في انتقاد قادتهم علانية – بمَن فيهم الجنرالات والشخصيات الذين يدعمون قمع المواطنين. رداً على تأجيج “الحراك” للوضع من خلال الانتقادات الجريئة، فقد استهدفت الحكومة بشكل متزايد الصحافيين والنشطاء. وبحسب “الحراك” والناشط الحقوقي زكي حنّاش، فإن قرابة تسعين شخصاً مسجونون حالياً بسبب تعبيرهم عن دعمهم ل”الحراك”، في غالبية الحالات على فايسبوك. ويُقدّر حنّاش، الذي تابع عمليات الاعتقال المرتبطة ب”الحراك”، أنه بينما تمّ اعتقال أكثر من 1500 شخص، فقد سُجن 150 شخصاً منهم على الأقل في العام 2020.

في 22 نيسان (إبريل) 2020، وجّه البرلمان الجزائري ضربة قاسية لحرية التعبير عندما تبنّى بسرعة مشروعَ قانونٍ يُعاقب على نشر معلوماتٍ كاذبة – الأمر الذي يزيد من احتمالات القمع. والجدير بالذكر أن النظام، حتى الآن، اعتقل وحاكم عشرات المتظاهرين والمواطنين بسبب التعبير عن آرائهم واتّهمهم بموجب القوانين السارية في قانون العقوبات. وقد حُوكِمَ العديد لانتقادهم العلني لرئيس الجمهورية. على سبيل المثال، سُجن وليد كشيدة (25 عاماً)، مؤسس مجموعة “حراك ميمز” على فايسبوك، في 27 نيسان (إبريل) وحُكِمَ عليه بالسجن ثلاث سنوات في 4 كانون الثاني (يناير) 2021، بتهمة “ازدراء وإهانة رئيس الجمهورية”، من بين تُهَمٍ أخرى. كما أمضى عبد الكريم زغيليش، مؤسس إذاعة “سارباكان”، الذي سُجن سابقاً في 2018، ستة أشهر في السجن بتهمة “تشويه صورة الرئيس” و”الإعتداء على الوحدة الوطنية” في مَنشورَين على فايسبوك. على الرغم من إطلاق سراحه في 23 كانون الأول (ديسمبر) الفائت، فإنه اضطر للعودة إلى المحكمة لمواجهة تُهمَتَين أخريين، إحداهما تعود إلى العام 2018 والتي اتُّهم فيها بـ “تشويه صورة الرئيس” – بوتفليقة المخلوع.

كما تعمل السلطات الجزائرية على تكثيف الترهيب المُباشر للصحافيين المُستقلّين والضغط على وسائل الإعلام. على الرغم من ضعف الصحافة المُستقلّة فعلياً طوال فترة حكم بوتفليقة، إلّا أن وقف الوباء لحركة “الحراك” سلّط الضوء على الدور المركزي لوسائل الإعلام المُستقلّة في دعم الحركة. منذ بدء “الحراك”، تم اعتقال ما لا يقل عن 21 صحافياً بسبب تغطيتهم لنشاطاته. كما قامت الحكومة الجزائرية بحجب المواقع الإخبارية المعروفة بتغطيتها للحراك – “أنتيرلينيو” “Interlignes” و”قصبة تريبيون” (Casbah Tribune) و”تي أس آ” (TSA)، من بين مواقع أخرى. هذه المواقع الإخبارية الثلاثة لا يمكن الوصول إليها حالياً إلّا عبر “في بي أن” (VPN). لم يستطع النظام فرض رقابة على الصحافة الإلكترونية بالضغط المالي – كما فعل مع الصحافة التقليدية – لأن المنافذ الإخبارية على الإنترنت لم تتلقَّ إعلانات عامة من خلال المعهد الوطني للنشر والإعلان. وبالتالي، لجأت الحكومة إلى تقييد وصول المواطنين من دون أي مبرر قانوني أو تحذيرات مسبقة. على الرغم من ذلك، استمر العديد من المنافذ الإلكترونية في تغطية نشاطات “الحراك”.

علاوةً على ذلك، منذ بداية حركة “الحراك”، وبشكل أكبر منذ ظهور الوباء، أصبحت عمليات الإعتقال والإحتجاز المتكررة نمطاً مُتكرّراً للصحافيين. قبل سجنه الحالي، كان خالد دراريني، مؤسس الموقع الإخباري “قصبة تريبيون” (Casbah Tribune) ومراسل محطة “تي في 5” الفرنسية الدولية، قد اعتُقل واستُجوِبَ مرّاتٍ عدة. كان الحكم على دراريني بالسجن لمدة عامين في آب (أغسطس) نقطة تحوّلٍ حيث زادت قضيته من الرقابة الذاتية بين زملائه. مثالٌ آخر هو مصطفى بن جامع، رئيس تحرير جريدة “لو بروفنسيال” (Le Provincial)، الذي تم اعتقاله خمس عشرة مرة على الأقل واتُّهم في أربع محاكمات حتى الآن، وكلها تستند إلى منشورات على فايسبوك.

مع مطالبة النيابة العامة بإصدار أحكام بالسجن في قضيتين جاريتين، يقول بن جامع إن هذه اللحظة هي الأكثر خطورة بالنسبة إلى الصحافيين والناشطين المستقلين في الجزائر. يتم اعتقال الصحافيين مرات لا تحصى ويمكن أن تكون ظروفهم في بعض الأحيان مُماثلة لظروف زملائهم المسجونين. ومع ذلك، وعلى الرغم من القمع المتزايد، فإنهم يواصلون التحدّث بصوتٍ عالٍ وشجب الوضع السياسي الراهن.

داخل حركة “الحراك”، يدعو الكثيرون الآن إلى تنظيمٍ رسمي من أجل الحفاظ على الضغط على النظام السياسي الوطني، والنزول إلى الشوارع بمجرد أن تسمح الحالة الصحية بذلك. لقد أدّى انتشار الوباء واعتقال مئات النشطاء إلى تقليص “الحراك” وتحويله إلى حركةٍ تُقاوم الإعتقال السياسي بدلاً من كونه قوة معارضة حقيقية يُمكن أن تطرح بديلاً سياسياً وتمارس مزيداً من الضغط على النظام. علاوة على ذلك، فشلت الأحزاب السياسية الداعمة ل”الحراك” – جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية على سبيل المثال – والمجتمع المدني في البلاد، الذي ضعف بشكل كبير في عهد بوتفليقة، في تحويل الحركة إلى قوة سياسية بديلة. لكن الاستياء الذي أظهره “الحراك” سيزداد بلا شك مع التحدّيات الجديدة المُقبلة، في بلد يصعب فيه الوصول إلى الرعاية الصحية إلّا بشكل محدود، وتزداد فيه عدم المساواة، وينتشر الفساد على نطاق واسع. إن الدوافع التي دفعت المتظاهرين للخروج منذ ما يقرب من عامين لا تزال سائدة وراسخة.

 

  • إلهام رشيدي صحافية مستقلة تُغطي المغرب والجزائر، وتُركّز على الحركات الاحتجاجية وقضايا حقوق الإنسان. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: @Ilhemrachidi

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى