اللبنانيون والإنتخابات الرئاسية الأميركية

بقلم السفير يوسف صدقة*

أظهر اللبنانيون، على مختلف مشاربهم، شغفاً كبيراً في متابعة مُجرَيات الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بين المرشح الجمهوري، الرئيس دونالد ترامب، والمرشح الديموقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن. وقد تابعوا بحماسة تقنيات العملية الإنتخابية، من كيفية احتساب أصوات الناخبين الرئيسيين في الولايات، والنتائج الحاسمة للولايات المهمة كأريزونا وجورجيا وفلوريدا وبنسلفانيا…

ومن الطبيعي أن يهتم اللبنانيون بهذه الإنتخابات، نظراً إلى الدور الأساس الذي تلعبه واشنطن في العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط. فمقاربة الإدارة الأميركية الجديدة للملفات في المنطقة، ستؤثر بشكلٍ مباشر وغير مباشر في لبنان؛ ومنها العلاقات الأميركية-الإيرانية، وإمكانية العودة إلى المفاوضات حول الملف النووي، ومسألة سلاح العقوبات المُسَلّط على عددٍ من السياسيين اللبنانيين، ودور واشنطن الراعي لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل…

  • متابعة العملية الانتخابية

على صعيد متابعة الإنتخابات الرئاسية الأميركية، إنقسم اللبنانيون، بين المرشحَين ترامب وبايدن. فالفئة الموالية لفريق 14 آذار، أيّدت ترامب، نظراً إلى مواقفه المتصلّبة من إيران وتمدّدها في المنطقة ودعمها لسلاح “حزب الله”. أما الفئة الموالية لفريق 8 آذار، فقد أيّدت المرشح الديموقراطي جو بايدن، والذي أعلن في حملته الانتخابية، نيته العودة إلى المفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران، بشروطٍ أكثر صرامةً. وقد أُطلِق على المرشح جو بايدن في وسائل التواصل الاجتماعي اسم “يوسف بيضون” على سبيل التندّر.

وقد انشغل الصحافيون والمُنظّرون، في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة في تحليل وتشريح الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان.

وما يُثير الإنتباه زعم عدد من الصحافيين معرفتهم بالإدارة الأميركية وأعضاء من مجلسَي الكونغرس، وقد أعلنوا عن اتصالاتهم بفريق عمل المرشحين وكيفية مقاربتهم للقضية اللبنانية، وهذا ليس غريباً على بعض المُدّعين منهم، والذين يجيدون حياكة الروايات في الإيهام والإبهام والأوهام.

على صعيدٍ آخر، زعم بعض الموالين لرئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه شكّل غرفة عمليات في مقرّ إقامته في “عين التينة”، تهدف إلى المتابعة الدقيقة للإنتخابات الرئاسية الأميركية وتوجيه الناخبين من الجنوب والبقاع المقيمين في ديترويت وديربورن نحو دعم المرشح الديموقراطي جو بايدن.

ويبدو انّ عدداً من اللبنانيين يُبالغون، حول أهمية لبنان بالنسبة إلى الولايات المتحدة وللعالم، مُصدّقين بكل براءة طوباوية مقولة “هالكم أرزة العاجقين الكون”. لذلك، يُظهرون الحماس والشغف في متابعة الإنتخابات وإمكانية التأثير في فريقي عمل المرشحين. وكأني بهم قد تأثروا في لاوعيهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، بنظريات الشاعر والفيلسوف سعيد عقل حول أهمية وعظمة لبنان بين الأمم. حيث كان يؤكد في محاضراته ولقاءاته على العطاءات الكبرى التي قدّمها لبنان للحضارة الإنسانية ومنها:

  • إنشاء نظام المجلسين (النواب والشيوخ) في مدينة بيبلوس الفينيقية (جبيل).
  • اختراع حروف الأبجدية ونشرها في العالم القديم.
  • توصّل العالِم موخوس من صيدون إلى معرفة الذرّة وعلم الجزيئات.
  • عبادة الإله إيل، أي الإله الواحد في فينيقيا، حيث عرف الفينيقيون مبدأ التوحيد، في زمن كانت الأمم والممالك ما زالت تؤمن بتعدد الآلهة ومنها بلاد الإغريق.
  •  تماهي الانتخابات في أميركا مع الحالة اللبنانية

تابع اللبنانيون بدهشة وشغف مجريات العملية الانتخابية في أميركا وكأنّ بعض الأحداث التي جرت في بعض المدن الأميركية تتماهى مع الأحداث التي تجري في الانتخابات اللبنانية، من حمل مناصري ترامب السلاح في بعض المدن، والمناوشات والعراك بين أنصار بايدن وأنصار ترامب، والقيام بمسيرات سيارة تعبّر عن الانتصار أو الاعتراض على العملية الانتخابية، وتجلّى ذلك في المراكز الانتخابية وأيضاً من انقطاع الكهرباء واتهام فريق ترامب فريق بايدن بالتزوير وتصويت الموتى والخلل التقني في التصويت وكذلك الاحتكاكات العرقية والطبقية.

وقد شاهد اللبنانيون الرئيس ترامب، المسكون بالنرجسية وجنون العظمة، مُحاطاً بأُسرته، حيث مثلت ابنته إيفانكا وصهره كوشنر دوراً أساسياً في السياسة الأميركية الداخلية وعلى الصعيد الدولي. وهذا الدور يحاكي الدور الهام للأبناء والأصهرة في لبنان ودول العالم الثالث.

كما سمع اللبنانيون إمكانية نشوب حرب أهلية بعد اعتراض ترامب على فوز منافسه. وقد راقبوا أيضاً مطالبة الرئيس ترامب بإعادة احتساب الأصوات ووقف العدّ في بعض المراكز الانتخابية، عبر تصعيد الدعاوى والشكاوى القضائية، وعن حديث ترامب عن مؤامرة تهدف إلى الإطاحة به ووقف تصاعد شعبيته الجارفة في المجتمع الأميركي.

  • آمال اللبنانيين بالرئيس الأميركي المنتخب

يعتبر اللبنانيون واشنطن القوة الرئيسة في صياغة النظام الدولي، قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تضاعف حجم التأثير الأميركي في الساحة اللبنانية في السنوات الأخيرة ولا سيما في إطار الحرب المُعلَنة بين واشنطن وطهران على الساحة اللبنانية والعربية. فالمتربع في البيت الأبيض، سيكون له دورٌ أساس في المرحلة المقبلة في مقاربة الوضع اللبناني، ولا سيما في عملية ترسيم الحدود، والعقوبات على “حزب الله” وحلفائه، والتعاطي مع النفوذ الإيراني في لبنان، وكذلك المساعدة على وقف الإنهيار المالي عبر دعم لبنان في المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي…

  • اللبنانيون في أميركا بين ترامب وبايدن

يعيش في الولايات المتحدة حوالي 2,500,000 أميركي من أصل لبناني وينقسمون في الانتخابات بين جمهوريين وديموقراطيين. فالمهاجرون القدامى ينتخبون المُرَشَّحَين ترامب وبايدن على أساس حزبي، أما المهاجرون الجُدد، أي منذ حوالى خمسين سنة، فما زالوا مُرتبطين بلبنان وبأوضاعه السياسية والإقتصادية. ينتخب معظم المهاجرين الرئيس الأميركي وفقاً لمقاربته الوضع اللبناني. فهناك شريحة كبيرة من المسيحيين تؤيد ترامب باعتباره رئيساً حازماً في مواجهة “حزب الله” والتمدّد الإيراني في المنطقة. أما بعض الطوباويين منهم فيؤيدونه لأنه يطبق بفعالية قانون “ماغنتسكي” (Magnitsky) الذي يسمح بمحاربة منظومة الفساد لدى الطبقة الحاكمة في لبنان.

أما الشيعة الذين يسكنون في غالبيتهم في ولاية ميتشيغان، ولاسيما في ديترويت وديربورن، فيؤيدون بايدن باعتباره أقلّ ارتباطاً بإسرائيل ولأنه أعلن تأييده العودة إلى المفاوضات مع إيران حول الملف النووي وهو الأقل تشدداً في محاربة “حزب الله”.

  • اللبنانيون بين الآمال والأحلام

يبقى أنّ اللبنانيين يتعايشون مع الآمال والآلام والأحلام من أجل وطنٍ حر يعيش فيه المواطن اللبناني بحرية وكرامة بعد أن سلبتها منه الطبقة الحاكمة في العقود الثلاثة الماضية، وبعد انهيار النظام الإقتصادي والمالي، ففي قلب المأساة يأمل الشعب اللبناني أن ينقذه النظام الدولي عبر مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو رئيس أميركي جديد يأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي اللبناني المأسوي ويساهم في استقرار لبنان، فلبنان الذي يعيش في دوّامة الأزمات نظراً إلى وضعه الجغرافي الصعب والتحديات التي يُعانيها في الداخل والخارج، يعيش بين الأمل والوهم ولعلّ صرخاته تصل حنايا البيت الأبيض. وأتساءل، هل هناك قيامة للبنان في المستقبل، فقد اعتبر المؤرخ أرنولد توينبي “بأنّ لبنان بلد مؤهل لأن يشكل قوة اقتصادية كبيرة حيث لا يملك قوة عسكرية كبيرة، ففي الزمن الغابر، كانت فينيقيا تنشر تجارتها من جبل طارق إلى ما بعد الأطلسي”. فهل يمكن البناء على نظرية تويني اليوم أم علينا الإنتظار سنوات عديدة لإعادة العافية الاقتصادية إلى لبنان؟

في المحصلة النهائية، فإنّ الأمم الصغيرة، ليس عليها إلاّ أن تعتمد على الديبلوماسية الناعمة (Soft Diplomacy) لتكون لها مكانة بين الأمم. كما على لبنان أن يعتمد على الانتشار اللبناني في العالم، كقوة مساعدة وضامنة للوطن في المجتمع الدولي.

فلنحلم مع الشاعر الكبير سعيد عقل في تكريم عظمة الانتشار اللبناني في العالم:

“ومن الموطن الصغير نرود الارض

نذري في كل شطٍّ قرانا

ونتحدى الدنيا شعوباً وأمصاراً

ونبني أنّى نشأ – لبنانا”.

  • السفير يوسف صدقة هو ديبلوماسي لبناني مُتقاعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى