بعد اليوم: لُغةٌ مغايرة لتأْليف كُتُب الأَطفال

بقلم هنري زغيب*

الكتابةُ للأَطفال تَعنيني، لأَنها تأْسيسية. من هنا رؤْيتي إِلى الكتابة للأَطفال والناشئة، بعد انحسار جائحة العصر، بأُسلوب آخَر ومواضيع مختلفة ولُغة مغايرة. فلْتكُن كتابةً داهمة لا واهمة، واقعيةً لا خيالية، تعليميةً لا تهويمية، هادفةً إِلى توعية الأَطفال وَفْق مستجدَّات العصر، كما أَشرتُ قبل أُسبوعَين إِلى كتابَين للأَطفال شارحَين وباءَ كورونا وكيفيةَ تفاديه (“أَسواق العرب” – 16 أَيار/مايو 2020).

في هذا السياق من الكتابة الواقعية غير الخيالية، أَمامي ثلاثةُ كتُب للأَطفال والناشئة تنضَح منها العناصر الـمُقْنعة التوعَوية تهيئةً أَذهانَ الصغار على أُمُور حياتية من قلب محيطهم.

الأَول كتاب “الأَطفال هُمُ الرجاء” للبابا فرنسيس: باقةُ 36 صفحةً جميلةَ الرسوم وعباراتٍ قصيرة حانية يتوجَّه بها بابا روما إِلى الصغار في شكل حوارات معهم تُدخلُهم إِلى عالم عذبٍ من الإِيمان والحب والمشاركة والسماح والسلام والكرَم والصلاة والفرح والزهو واللعب في مفرداتٍ سلسة واقعيّة من نسيج يومياتهم فُرادى ومجموعات.

الثاني كتاب “العنصرية كما شرحتُها لابنتي” للكاتب المغربي الطاهر بن جلُّون (1998): رواية في شكل حوار (42 صفحة) بين الكاتب وابنته مريم (10 سنوات) تسأَله عن مسائلَ تسمع عنها ولا تَفهمها فيروح يشرحها لها، بأُسلوب مبسَّط هادئ واضح موضوعي ولغة بسيطة التعابير، كلَّ ما يجب أَن تفهمه وتعرفه وتتلافاه عن التمييز العنصري والشعارات المرفوعة وأَحقاد تنشأ عن جهل الآخر والتعاطي معه وما ينجُم عن جهله من سلوك شاذّ. ويَذكر الكاتب أَن صفحاته نقْلٌ حرفيٌّ لحواراته مع مريم، دوَّنها كما هي ثم قرأَها أَولًا لها ثم ثانيةً لها ولثلاث من رفيقاتها حتى يتأَكَّد أَنْ لا كلمة صعبة فيها ولا معنى صعب التلقِّي.

الثالث كتاب “العبودية كما شرحتُها لابنتي” (2015) لكريستيان تُوبيرَى وزيرة العدل الفرنسية (2012-2016): حواريات في 192 صفحة مع ابنتها (12 سنة) حول الحرية والصراع من أَجل التحرر، والجرائم ضد الإِنسانية، وأَشكال العبودية والاستعمار واستغلال الإِنسان أَخاه الإِنسان، واستعباد الضعفاء والمقهورين، والتمييز العرقيّ. كل ذلك في أَجوبة عن أَسئلة ابنتها واستفهاماتها واستيضاحاتها، في لغةٍ سائغة واضحة مقْنِعةٍ فَتاتَها وأَترابها عن نظام غزا أُوروﭘـا أَربعة عقود وفرنسا عقدَين، إِلى أَن ساد نظام الحقيقة والحرية والمساواة والعدالة والأُخوّة.

الشاهد من الكتب الثلاثة وأَمثالها: وَقْفُ الكتابة للأَطفال والناشئة بأُسلوب خيالي مُنْفَصم عن واقعهم، فيما الحاجة، بعد انقضاء زمن الحجْر، تهيئتُهم للخروج إلى عالم جديد، وتاليًا توعيتُهم على مسائل ومشاكل وإِشكالات لن يتخطَّوها لاحقًا إِن لم يَقرأُوا منذ طفولتهم وصباهم كتبًا تهيِّئُهم لعلاقات اجتماعية على أُسس الانفتاح والإِنسانية والتقارُب الأَخوي اللاتمييزي، وتغذِّي عقولهم بمعلومات توجيهية تعليمية تربوية ثقافية مدنية مواطنية ترفُدُهم بسلوك يجنِّبهم لاحقًا حالاتٍ لن ينفعَهم فيها اطِّلاعُهم على قصص ساذجة خيالية من عالم الخرافات والأَساطير.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه: henrizoghaib.com
  • يَصدُر هذا المقال في “أَسواق العرب” تَوَازيًا مع صُدُوره في صحيفة “النهار” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى