غُرَباءٌ في وطنهم: إيران تَقمَعُ الأقليات الدينية بقبضةٍ حديدية

تسعى إيران للظهور أمام العالم بأنها بَلدٌ يتسامح مع الأقليات الدينية على أراضيه، ولكن الحقيقة تبدو غير ذلك تمامًا، كما يروي التحقيق التالي:

سنّة إيران: يتّهمون النظام بالاضطهاد العرقي والديني

مَرجان كيبور غرينبلات*

منذ آلاف السنين، برزت إيران كثقافةٍ تُقدِّرُ التنوّعَ ومكانًا ازدهرت فيه الأقليات الدينية كمُجتمعاتٍ مُستقلّة. تسعى الجمهورية الإسلامية الآن إلى تغيير ذلك، من خلالِ زرعِ نسائها ورجالها داخل الجماعات الدينية المُختلفة لحماية مصالحها وتعزيزها. يُمكن لهذا النهج أن يَحكُمَ على هذه الأقليات القديمة بمستقبلٍ يتضمّن تقاليد مُتغيِّرة وحتى خطر الاختفاء من إيران تمامًا.

حظّرت الجمهورية الإسلامية رسمياً التحوّل من الإسلام منذ عقود. منعت هذه الأداة القوية مجتمعات الأقليات من النمو إلى ما بعد معدلات الولادة. لكن إيران تلعب اليوم دورًا أكثر فاعلية في شؤون الأقليات الدينية، وتفرض أنظمة غير مُتّسقة، وتستنزف أصولها، وتفرض خلفاءها لإضعاف القيادة التقليدية والسيطرة على هؤلاء السكان. ويُمنَح هؤلاء المؤثّرين عادةً حوافز مثل الأموال والوصول إلى السلطة والأمان وامتيازات أخرى مقابل التعاون مع الحكومة الإيرانية.

ويبدو هذا أنه جُزءٌ من خطة أوسع للتسلّل إلى هذه المجتمعات حتى تتمكّن قيادة الجمهورية الإسلامية من توسيع نفوذها وممارسة سيطرة أكبر عليها. هذا النوع من التعصّب الديني هو خروجٌ صارخٌ عن الممارسات الثقافية الفارسية التقليدية. قبل الثورة الإسلامية في العام 1979، حافظت سلالة بهلوي، التي تعود إلى زمن قورش الكبير، على سياسة السماح للأقليات الدينية بالازدهار. على الرغم من ذلك كان هناك ظلمٌ وتحاملٌ دينيّين نشأا عن جهل، إلّا أنه بموجب القانون، سُمِحَ للأقليات بالعبادة بحرية وممارسة شعائرهم والعيش كمواطنين كاملين. لكن بعد سقوط الشاه، تقبّل العديد من قادة الأقليات الواقع الجديد وأعربوا عن ولائهم للنظام الإسلامي. وشمل ذلك قبول الجنسية من الدرجة الثانية للمسيحيين واليهود والزرادشتيين في البلاد، على النحو المُبَيَّن في الدستور الإيراني الجديد. لقد فعل هؤلاء القادة الدينيون ذلك لضمان بعض الحرية والأمن لمجتمعاتهم، على أمل الحفاظ على تقاليدهم الدينية والثقافية قدر الإمكان. إن الحفاظ على التوازن بين مجتمعهم الديني والحكم الإسلامي الديني، رُغم صعوبة ذلك، سمَحَ لهذا الجيل من القادة الدينيين الاحتفاظ بتقاليدهم ومعتقداتهم.

كما تفرض الجمهورية الإسلامية أيضًا لغةً للتأثير في الأقليات الدينية والسيطرة عليها. على سبيل المثال، يُمنع السنّة من ممارسة العبادة باللغات المحلية الإقليمية مثل الكردية والبلوشية، خوفًا من انتفاضات مُحتَملة أو مؤامرات انفصالية. يُطلَب من المسيحيين أداء الخدمات الكنسية والصلوات باللغات القديمة فقط مثل الآشورية والأرمنية، ولكن ليس باللغة الفارسية، والتي يخشى النظام من أنها ستُسهّل عمليات التحوّل والتغيير الديني. وبينما يُسمح لليهود بالصلاة باللغة العبرية، يُحظَّر عليهم تدريس اللغة المنطوقة خوفًا من اكتساب ما يُسمّى بالصهاينة نفوذًا داخل إيران. من خلال فرض مثل هذه النُظُم العشوائية، تُراقب الحكومة الإيرانية وتعزل وتضطهد الأقليات الدينية، التي تشمل الصوفيين والسنّة والزرادشتيين والمسيحيين واليهود.

في ما يلي بعض الخلفية التاريخية والتحليل للتدابير التمييزية الحالية ضد هذه المجموعات الخمس.

الدراويش الغُوناباديون

يُمثّل دراويش نعمة الله غُونابادي فرعًا صوفيًا مشهورًا منذ قرونٍ من الإسلام الشيعي ويتميزون “بخدمة وحبّ جميع البشر”.

وأفاد حميد غراغوزلو، ممثل المنظمة الدولية لحماية حقوق الإنسان، أن زعيم الدراويش البالغ من العمر 90 عامًا (أو “قطب”)، الدكتور نور علي تابنده، دافع عن مُثُلٍ بدت مخالفة للحكومة الإيرانية. وقال: “بالنسبة إليه، ليس هناك ما هو أهم وأقدس من حياة الإنسان”. نظرًا إلى أن الزعيم الشعبي بات يُمثّل تهديدًا، فقد وضعه المسؤولون رهن الإقامة الجبرية لمدة عامين تقريبًا وأجبروه على اختيار خليفة من قائمة المرشحين التي وافق عليها المرشد الأعلى علي خامنئي. واشتكى الدكتور تابنده أثناء الإقامة الجبرية من تسمّم الطعام. بعد وفاته، زعم قادة الدراويش العثور على أدلّة على وجود لعبة شريرة أدّت إلى حتفه.

وأوضح غراغوزلو أن قائمة الخُلفاء تضمّنت ابن شقيق الدكتور تابنده الثاني رضا تابنده. وهو شابٌ تعلّم في الخارج، كانت لديه أوراق اعتماد سطحية للحصول على لقب “قطب” الموقّر، لكن مثل المرشحين الآخرين، كان من المتوقع أن يضع مصالح الحكومة قبل مصلحة مجتمعه. لتقليل الضرر المُحتَمل للأمر، وافق الدكتور تابنده على مضض على تعيين أكبر شخص في القائمة، علي رضا الجزبي. لسوء الحظ، كانت النتائج في ظل ولاية الجزبي مُقلقة، حيث شهد الغوناباديون تغيّرات جذرية في تقاليدهم القديمة. وأفاد غراغوزلو أنه في السابق كان يمكن لأيّ شخص أن يُصبحَ درويشًا من دون أيّ شروط مُسبقة، لكن القواعد الجديدة للتحويل تتطلّب من الفرد أن يدرس الإسلام أولاً مع مرجع تقليد – وهو رجل دين شيعي رفيع المستوى ينتمي رسميًا للجمهورية الإسلامية. من المتوقع أن يؤدي هذا المطلب/الشرط إلى تقليل حجم المجتمع بشكل كبير، والذي كان شائعًا للغاية بين المتحوّلين. في السنوات الأربعين الماضية منذ الثورة الإسلامية، زاد عدد الأتباع بشكل كبير، وتشير بعض التقديرات إلى أنه يبلغ الآن الملايين. علاوة على ذلك، يخشى المجتمع أن توفر مرحلة “الدراسة” مع رجال الدين المُعتَمَدين من قبل النظام فرصةً لغرسِ قيم الثورة الإسلامية مع تشويه القيم التقليدية لهذا المجتمع.

أهل السنّة

فرضت الجمهورية الإسلامية منذ بداياتها إجراءات قمعية ضد السنّة والتي تصاعدت من التقييد إلى العنف. وفقًا لإبراهيم أحراري خلف، مقدم برنامج “تشيشمانداز” على تلفزيون كلمة وهو مسلمٌ سنّي، “هناك تأثيرٌ مُباشر للنظام بين السنّة”. منذ الثورة الإسلامية، استخدمت الحكومة تدابير رقابية مختلفة للسيطرة على عددِ السكان السنّة، وهو عددٌ كبير يقدر بنحو 10 ملايين شخص في إيران. يتحكّم مكتب المرشد الأعلى في كل جانب من جوانب الحياة السنّية، بما فيها إدارة المدارس، ونشر الكتب، وشؤون المسجد، وأنشطة رجال الدين، وحتى الخطب الأسبوعية التي يُلقيها الأئمة السنّة. يجب إجازة كل صلاة أو خطبة جمعة من قبل مكتب المرشد الأعلى وتحتوي على نقاط الحديث المطلوبة التي تُعِدّها الحكومة.

على مدى عقود، حاول النظام أيضًا جعل طريقة عبادة السكان السنّة مركزية. كانت استراتيجيته الأساسية إنشاء مؤسسات دينية تحت رعاية قمّ، مقر المذهب الشيعي في البلاد. بعد النزاعات مع الأكراد، أنشأ النظام المركز الإسلامي الكبير في “سنندج” ليتولّى تدريجًا الإشراف على جميع جوانب الحياة الدينية في المناطق ذات الغالبية السنّية مثل كردستان وأذربيجان الغربية وكرمانشاه. خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، أصدر النظام “تنظيم المدارس السنّية في إيران”، الذي سيطر على المؤسسات التعليمية السنّية رُغماً عنها. لقد فرض موافقة خاصة على كلِّ إمامٍ سنّي، واغتصب قدرة المجتمع على اختيار رجال الدين والقيادة الروحية. أدّت هذه السياسات تدريجًا إلى مركزية الإشراف على جميع رجال الدين من خلال إنشاءِ نظامٍ للتوظيف وإعدادِ التقارير بحيث يتم التحكّم في أنشطتهم.

كجُزءٍ من هذه الإستراتيجية، تم استبدال الإمام مولوي مخدوني في خراسان بمولوي موسى كرم بور من قبل وزارة المخابرات في العام 1990. وقد تم تنصيب كرم بور في البداية لخلق الانقسام بين السنّة في مشهد، ولكن قدرته في النهاية على توحيد السنّة في المنطقة جعلته تهديدًا للنظام. على هذا النحو، في العام 1994، تعرّض مسجده، مسجد فايز، لهجومٍ بواسطة خمسين جرّافة ورافعة وسُوِّيَ بالأرض. واغتيل كرم بور بعد ذلك. وفي منطقة تايباد، قُبِضَ على الإمام مولوي إبراهيم سيفي زاده في العام 1991 وجُلِدَ بتهمة انتهاك الأمن القومي والتجديف. وقد أُجبِرَ على ترك البلاد والهروب إلى أفغانستان حيث اغتيل قبل عامين. في العام 2010، تم اعتقال الشيخ غُرَيشي، الزعيم السنّي في منطقة تالش، ونُفي، وحلّ محله “فاها بينا”، الذي تولى البرامج التعليمية للسنّة.

الزرادشتيون

في العام 2020، اهتزّت الجالية الزرادشتية الأصلية  على وقع نبأ مقتل زعيمها أراش كسراوي ورفاقه. دعا الزرادشتيون إلى إجراء تحقيق شامل واعتقال الجاني، لكن المدعي العام المحلي أعلن أن المُشتَبه به انتحر، ولم يُترَك أمام الأسرة أي سبيل قانوني. يتبع زعيم المجتمع “الرسمي” الجديد، أردشير خورشيديان، بشكل دقيق إيديولوجية النظام. حتى أنه يُروّج لما يُسمّى بالإمام الثاني عشر، النبي الخفي المعروف بالمهدي، على الرغم من حقيقة أن هذا الأمر هو عقيدة الإسلام الشيعي وليست له علاقة بالديانة الزرادشتية.

المسيحيون

تأثير النظام الخبيث في القيادة المسيحية في إيران ليس معروفًا بشكل كافٍ بين المجتمع الدولي. في العام 2014، تم عزل فيكتور بيت تمراز، القس الإيراني الآشوري على مدى أعوام لكنيسة شهرارة الخمسينية في طهران، بعنفٍ من على منبره. وقد تعرّض للحبس الانفرادي لمدة 65 يومًا وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة 10 سنين لممارسة قيادته الدينية. أُغلِقَت الكنيسة وجُرِّدَ المصلّون من ملاذهم ورجال الدين.

لكن قبضة الدولة على القيادة الدينية للأقليات ما زالت قائمة أيضًا بين الكنائس الباقية. “نعلم أن هناك دائمًا وكيلًا حكوميًا أو عميلًا مزدوجًا يُراقب الخطب والوعظات وأنشطة الكنيسة للتأكّد من أننا لا نتحدّث ضد الحكومة ولا نُعبّر عن مشاعر سلبية تجاه النظام”، قالت جوليانا تيمورزي، المرشحة لجائزة نوبل للسلام في 2021 ورئيسة مجلس الإغاثة العراقي المسيحي، التي غادرت إيران بسبب الصعوبات والتمييز التي واجهتها كمسيحية مُتديّنة.

كان المجتمع الآشوري المسيحي البالغ من العمر آلاف السنين في إيران يضم حوالي 90 ألف عضو قبل الثورة الإسلامية. ولكن، في أعقاب ذلك، أجبرت الضغوط على المجتمع، مدفوعةً في المقام الأول بجنسية الدرجة الثانية والبيئة المُعادية، الكثيرين على مغادرة البلاد والانضمام إلى الشتات، مما قلّل عددهم إلى أقل من 7,000 شخص. قالت تيمورزي: “هذا النزوح الجماعي يتحدث عن نفسه. هذا شكلٌ من أشكال الإبادة الجماعية الدينية”، حيث لا يتم إراقة الدماء ولكن يتم القضاء على حضارةٍ تدريجاً لأن شعبها “يتعرّض للقمع والسخرية والمضايقة بسبب عقيدته”. أولئك الذين بقوا هم من كبار السن والعجزة  إلى جانب عدد صغير من المسيحيين الشباب الذين لم يروا مجتمعهم يتمتع بأيِّ قدر من الحرية وبالتالي يفتقرون إلى الرؤية لاستعادة حقوقه.

السكان الآشوريون ليسوا المجموعة المسيحية الوحيدة المُضطَهَدة من قبل النظام. تُجبَرُ المجتمعات الأخرى على الالتزام بالقيود مثل حظر مراسم العبادة بالفارسية والتبشير أو الانخراط في محادثات خارجية حول عقيدتها، فضلاً عن إجبارها على إشراك غير المسيحيين في احتفالاتها.

وأشار منصور برجي، مدير المناصرة في منظمة الحقوق الدينية المادة 18، إلى أنه في مناسبات عدة لم يُسمَح للقادة المسيحيين المُنتَخبين من المجتمع المحلي بأداء واجباتهم واضطروا إلى التنحّي لصالح شخصيات مُعَيَّنة من قبل الحكومة. وأوضح برجي أيضًا فارقًا بسيطًا مفاجئًا في اضطهاد الأقليات الدينية: على الرغم من النزوح الجماعي للمسيحيين، “يفضل النظام الإيراني وجود بعض المسيحيين في إيران، بشرط أن يمتثلوا لمطالبه وينشرون دعاية الدولة بأنها متسامحة تجاه الأديان الأخرى”.

لوضع نفسها على أنها تحافظ على تقاليد التسامح الديني الراسخة في البلاد، سمحت الجمهورية الإسلامية للجماعات الدينية أن يكون لها تمثيلٌ محدود في البرلمان الإيراني، لكن سلطاتها مُقيَّدة بشكل شديد. الأكثر شهرة هو يوناتان بتكوليا، النائب المسيحي الآشوري الإيراني، الذي يقدم صورة من التسامح والتعددية في إيران؛ ويدافع عن طموحاتها الخارجية؛ وينتقد كل شيء من دولٍ مثل الولايات المتحدة وإسرائيل إلى نوابٍ في هولندا وجماعاتٍ دينية في أوستراليا. يلعب قادةٌ، مثل بتكوليا، دورًا على المسرح العالمي من خلال تقديم شهادات زائفة لحرية الدين في إيران، وتتمثّل مهمتهم المحلية في فرض القيود التي تفرضها الجمهورية الإسلامية. والمثال الأكثر وضوحًا هو مشاركتهم في الانتخابات الإيرانية غير الشعبية، والتي قاطعها المواطنون من جميع الأديان على نطاق واسع. في إطار الحفاظ على الوضع الراهن للنظام، يوضح برجي أن “أي [زعيم مسيحي] يتجاوز هذا الخط سيصبح محبوبًا وسرعان ما يتم نفيه”.

اليهود

إستخدمت الجمهورية الإسلامية أيضًا تكتيكَ إقحامِ القادة في المجتمعات المحلية لاختراق المُجتمع اليهودي. الحاخام يهودا جيرامي، شابٌ يتمتع بشخصية كاريزمية رُسِم في “كلية نير إسرائيل الحاخامية”، ترقّى في صفوف رجال الدين اليهود في إيران وتمّ تقديمه إلى الخارج على أنه “الحاخام الرئيسي” لإيران. رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة تمت الموافقة عليها مُسبقًا من قبل وزارة الإرشاد واسُتخدمت بلا شك لتوليد معلومات استخباراتية للحكومة الإيرانية.

يبدو أن الحاخام جيرامي مُهتمٌّ بصدقٍ بنجاح وسلامة مجتمعه. ومع ذلك، فقد رُسِمَ حسب تقليد الأشكناز لحاباد، مع ثقافة وممارسات تختلف عن تقاليد اليهود الإيرانيين المزراحيين التي تعود إلى 3000 عام إلى بابل القديمة. الحاخام جيرامي يقود الجيل المقبل من يهود إيران بعيدًا من هذه الجذور. هذا النوع من التوتر بين حاخامٍ خارجي يخترق التقاليد الدينية المحلية ليس فريدًا في إيران؛ لقد شوهدت في بلدان أخرى في السنوات الأخيرة أيضًا. على سبيل المثال، يقدم الحاخام جيرامي ارتداء شعرٍ مُستعار بين النساء اليهوديات المُتديّنات، وهو تقليدٌ شائعٌ بين النساء الأرثوذكس اليهوديات في الغرب، لكنه لم يكن أبدًا جُزءًا من الممارسة اليهودية الإيرانية.

في الخارج، أثارت مواقف الحاخام جيرامي الدهشة كما القلق بين اليهود من جميع الأطياف. لم يقتصر الأمر على دعمه للنظام ببيانات مثل تعبيره عن تعاطفه بعد اغتيال قاسم سليماني، بل رفض التنديد بخطابه المُعادي للسامية وإنكار المحرقة (الهولوكوست).

كما هو الحال مع جميع الأنشطة التي تُنسّقها وزارة الإرشاد الإيرانية، فإن تحركات الحاخام جيرامي في الخارج مُخَطَّطة بعناية وتهدف إلى إيصال رسالة. في رحلةٍ استغرقت شهرين في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، زار مناطق يقطنها عدد كبير من السكان اليهود، مثل نيويورك ولوس أنجلوس ومنطقة العاصمة واشنطن الكبرى. يجب الاعتراف بأن انتماء جيرامي إلى حاباد يتيح له الوصول إلى شبكة دولية من القادة والمجتمعات اليهودية المعروفة بخدماتهم الاجتماعية والعطاء الخيري. تمت تغطية رحلته من قبل الصحافة اليهودية الأميركية، حيث أشادت إحدى المجلات الأرثوذكسية الهامشية بـ “الحرية الدينية” و”الجالية اليهودية المزدهرة” في إيران – وهو دليلٌ على نجاح الحاخام جيرامي في توسيع شبكته الدولية وإيصال رسالة وزارة الإرشاد الإيرانية.

يجب أن يكون هذا أيضًا بمثابة تذكير بأن المسؤولين المُنتَخبين الأميركيين وغيرهم من صانعي السياسة يجب أن يُمارسوا شكوكًا عميقة عند التعامل مع كبار الشخصيات الدينية الإيرانية. الحقائق على الأرض في إيران ليست بالضرورة كما قدّمها رجال دين من ديانات مختلفة يزورون الولايات المتحدة. في حين أن الفصل بين الكنيسة والدولة هو قيمة غربية أساسية، فإن هذا أبعد ما يكون عن الحالة في الجمهورية الإسلامية.

الآفاق

تنظر غالبية البلدان بشكل مناسب إلى الحرية الدينية على أنها حقٌّ أساسي من حقوق الإنسان – وهذا يعني السماح للناس بالعبادة كما يشاؤون، وتمكين المجتمعات من اختيار قادتها، والسماح للجماعات الدينية بالحفاظ على تقاليدها. ترفض الجمهورية الإسلامية منح الأقليات الدينية الخاصة بها هذه الحرية الأساسية. وهذا مُعبِّرٌ وتذكيرٌ واضح بأنه على الرغم من دعايتها، فإن الحكومة في طهران لا تلتزم إلّا بالحفاظ على سلطتها، وهي مستعدة تمامًا للتضحية بحقوق مواطنيها وحرياتهم من أجل القيام بذلك.

  • مَرجان كيبور غرينبلات هي مُؤسِّسة ومديرة مؤسسة “التحالف من أجل حقوق جميع الأقليات” (ARAM)، وهي شبكة من النشطاء التي تُروِّج لحقوق الإنسان في إيران، وباحثة غير مقيمة في برنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن. يمكن متابعتها على تويتر‘لى: @MarjanKG. الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراؤها الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى