هل يصبحُ الهيدروجين مِفتاحَ تحوّلِ الطاقة في الخليج؟

يظهر الهيدروجين حالياً كوقودٍ مهم في تحوّل الطاقة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وتبدو كلٌّ من الإمارات والسعودية رائدتين في هذا المجال.

“نيوم” السعودية: ستنشئ أكبر مصنع في العالم لتوليد الأمونيا الخضراء من الهيدروجين

هاني مكارم*

مع تزايد اهتمام الدول الغنية بالهيدروكربونات في الخليج وسعيها للحدّ من انبعاثات الكربون، يتّجه البعض في المنطقة نحو الهيدروجين مُتعدّد الألوان كحلٍّ أكثر استدامة من الناحية البيئية.

إلى جانب المصادر المُتجدّدة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يُنظَر إلى الهيدروجين على أنه وقودٌ مُحتَمَلٌ مُنخفِض الكربون أو خالٍ منه، وهو مفتاح الانتقال والتحوّل بعيداً من الوقود الأحفوري.

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن هناك أنواعاً مختلفة من الهيدروجين لها تأثيرات مختلفة في البيئة.

على سبيل المثال، يتم توليد الهيدروجين الأزرق عندما يخضع الغاز الطبيعي لعملية إعادة تشكيلٍ بالبخار. على الرغم من أن هذه العملية تُنتِجُ أيضاً ثاني أوكسيد الكربون، إلّا أن الغالبية العظمى منه يتم التقاطها وتخزينها، وبالتالي إنتاج وقودٍ مُنخَفضِ الكربون.

الشكل الأكثر مُلاءمة للبيئة هو الهيدروجين الأخضر، والذي يتم توليده من طريق تقسيم الماء من خلال عملية تُسمّى التحليل الكهربائي، الذي يُنتج الهيدروجين والأوكسجين فقط. مدعوماً بمصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يُعتَبَر الهيدروجين الأخضر الوقود الأكثر فاعلية للمستقبل، على الرغم من أنه يُمثّل حالياً 0.1٪ فقط من الهيدروجين المُنتَج على مستوى العالم.

الهيدروجين الرمادي هو الشكل الأكثر شيوعاً للوقود وقد تم إنتاجه لسنوات عديدة. يتم توليده من خلال عملية تشكيل بخارية مماثلة لتلك الخاصة بالهيدروجين الأزرق، على الرغم من عدم التقاط ثاني أوكسيد الكربون المُنتَج الثانوي، ما يؤدي إلى تأثير بيئي أكثر أهمية.

على غرار الهيدروجين الأخضر، يتم إنتاج الهيدروجين الوردي أيضاً من طريق التحليل الكهربائي، على الرغم من أن العملية تعمل بالطاقة النووية بدلاً من الطاقة المُتجدّدة.

على الرغم من أن الهيدروجين شكّل 4٪ فقط من استهلاك الطاقة العالمي في العام 2019، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، يُشيرُ بعض التقديرات إلى أنه قد يصل إلى 18٪ بحلول العام 2050.

الخليج يتحوّل

في حين أن الهيدروجين لديه القدرة على تحويل صناعة الطاقة العالمية، فإن دول الخليج على وجه الخصوص ستستفيد.

بالنسبة إلى الهيدروجين الأخضر، فإن المُكوّنَين الرئيسيين اللذين يجب النظر إليهما هما الكهرباء المُتجَدّدة والمُحلّلات الكهربائية. قال أحمد علي عتيقة، الرئيس التنفيذي للمؤسسة العربية للاستثمار البترولي، لـ”أسواق العرب”: “تتمتع المنطقة بميزة تنافسية عندما يتعلق الأمر بتوليد الكهرباء المُتجدّدة مُنخفضة التكلفة”.

“بالنسبة إلى الهيدروجين الأزرق، تتمتّع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بميزة تنافسية من حيث قاعدة مواردها الوفيرة، وانخفاض تكلفة موارد الغاز الطبيعي، والوصول إلى آبار النفط المُستَنفَدة لتخزين ثاني أوكسيد الكربون”، كما يضيف.

في ضوء ذلك، اتخذت دولٌ عدة خطوات مهمة لتطوير قدراتها، حيث كانت الإمارات من الدول الرائدة في المنطقة في هذا الصدد.

في أيار (مايو)، أعلنت منطقة خليفة الصناعية في أبو ظبي (كيزاد)، وهي وحدة تابعة لموانئ أبوظبي المملوكة للقطاع العام، عن خطط لتطوير منشأة خضراء لإنتاج الهيدروجين والأمونيا في المنطقة.

وستستثمر شركة “هيليوس إندستري” للمركبات الخاصة في المشروع مليار دولار في بناء المحطة التي ستعمل بالطاقة الشمسية. بمجرد اكتماله بالكامل في العام 2026، ستكون للمصنع القدرة على إنتاج 40 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً، والتي سيتم تحويلها إلى 200 ألف طن من الوقود الناقل، الأمونيا الخضراء، للنقل.

تبع ذلك إعلان موانئ أبوظبي في أوائل تموز (يوليو) عن توقيعها اتفاقية مبدئية مع شركة أبوظبي الوطنية للطاقة لمناقشة تطوير منشأة خضراء للهيدروجين والأمونيا بقدرة 2 جيغاواط، وتقع أيضاً في مدينة خليفة الصناعية.

وفي تطور آخر، أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) في أيار (مايو) أنها تعاونت مع شركة الكيماويات المحلية “فيرتيغلوب” (Fertiglobe)، التي تمتلك فيها حصة 42٪، لتطوير منشأة للأمونيا الزرقاء في الرويس. من المقرر افتتاح المنشأة في العام 2025، وستبلغ طاقتها الإنتاجية مليون طن سنوياً.

من ناحية أخرى، أثبتت المملكة العربية السعودية على أنها لاعبٌ رئيس آخر في سوق الهيدروجين المُتنامية.

في تموز (يوليو) من العام الفائت، أعلنت “نيوم”، المدينة الذكية قيد الإنشاء في شمال غرب البلاد، التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، أنها وقعت اتفاقية مع شركة الغاز الأميركية “إير برودوكتس” (Air Products) والشركة المحلية “أكوا باور” لبناء منشأة للأمونيا الخضراء بتكلفة 5 مليارات دولار تعتمد على الهيدروجين. وقد وصفتها الشركتان بأنها الأكبر من نوعها في العالم، حيث سينتج المصنع فيها 650 طناً من الهيدروجين يومياً و 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً بمجرد أن يتم تشغيله في العام 2025، مما يوفر ما يقدر بنحو 3 ملايين طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً.

وفي الوقت عينه، في سلطنة عُمان، ترأس شركة النفط المملوكة للحكومة “OQ” “كونسورتيوماً” لتطوير مشروع يعمل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح قادر على إنتاج ملايين الأطنان من الهيدروجين الأخضر الخالي من الكربون سنوياً.

إلى جانب ذلك، أعلنت شركة “كونسوليدايتد كونتراكتورز كَمبَني” (Consolidated Contractors Company) ومقرها اليونان، في أيار (مايو)، أنها أبرمت صفقة مع شركة “فيوجِن فيول غرين” (Fusion Fuel Green) الأيرلندية لتطوير مصانع هيدروجين أخضر في جميع أنحاء الخليج، وبالتحديد في سلطنة عُمان والكويت وقطر.

في كثيرٍ من الحالات، حدّدت الحكومات والشركات على حدٍّ سواء الاستخدامات المختلفة للهيدروجين، من تزويد مركبات النقل العام في دبي بالوقود، إلى تشغيل الإنتاج الصناعي في أبو ظبي – وكما أوضحت “أسواق العرب” سابقاً، تشغيل سفن الشحن من أجل الحد من أثار الكربون في صناعة الشحن.

تطوير سوق التصدير

بالإضافة إلى الاستخدام المحلي، تتطلع الحكومات في المنطقة إلى الاستفادة من خبراتها في تصدير الوقود السائل لتطوير صناعة فعالة لتصدير الهيدروجين.

على هذا النحو، يظهر الهيدروجين كحلّ للمساعدة على تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي والطاقة.

واستكمالاً لجهود أبوظبي لتوسيع طاقتها الإنتاجية من الهيدروجين، وقعت “فيرتيغلوب” في آب (أغسطس) ثلاث صفقات منفصلة لشحن الأمونيا الزرقاء إلى الشركات اليابانية “إنباكس” (INPEX) و”إيدميتسو” (Idemitsu) و”وإيتوتشو” (Itochu).

بهدف تسليط الضوء على القطاع بغية زيادة صفقات التصدير في المستقبل، أصدرت أدنوك في تموز (يوليو) دراسة مشتركة مع عدد من الشركات اليابانية استكشفت إمكانية تصدير مليون طن من الأمونيا الزرقاء إلى اليابان سنوياً، بينما وقعت في آذار (مارس) إتفاقية مع “جي أس إينيرجي” (GS Energy) الكورية الجنوبية لاستكشاف فرص تصدير الهيدروجين.

سلمت أرامكو السعودية أول شحنة من الهيدروجين الأزرق في العالم إلى اليابان في العام الفائت، حيث أشارت الشركة إلى أنها تعمل بنشاط على استكشاف أسواق التصدير المُحتَملة في آسيا.

من جانبها، سيستهدف مشروع الأمونيا الخضراء لشركة “هيليوس إندستري” (Helios Industry) الواردات بشكل أساس إلى الولايات المتحدة وأوروبا بمجرد بدء الإنتاج في الربع الثاني من العام 2024.

التحدّيات

بينما يُوفّر وقود الهيدروجين فوائد كبيرة في الانتقال بعيداً من الوقود الأحفوري، فإن الصناعة لديها بعض العقبات التي يجب التغلّب عليها لتحقيق إمكاناتها.

على الرغم من وعده، يرى العديد من المُحللين أن الهيدروجين يلعب فقط دوراً ثانوياً في مزيج الطاقة في الشرق الأوسط على مدى العقود المقبلة. وأحد العوائق الرئيسة للتوسّع هي التكلفة.

“يلعب الهيدروجين دوراً حاسماً في توفير الطاقة مع خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. إذا كان البحث والتطوير سيساهمان في نجاح الشركات وأهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأوسع نطاقاً، فإن الاستثمار الكبير مطلوب في المراحل الأولى من أيّ تقنية معينة، قبل وقت طويل من وجود أي يقين بحدوث اختراق”، قال علي الجنابي، رئيس مجلس إدارة شركات “شل” في العراق والإمارات العربية المتحدة.

ويضيف: “الوقود الذي يعتمد على الهيدروجين ليس استثناءً من ذلك، حيث عملت “شل” على هذه الفكرة في وقت مبكر من التسعينات الفائتة. “شل” هي طرف من مبادرات عدة تهدف إلى تشجيع اعتماد الهيدروجين في النقل، ونحن نستكشف حلولاً لتوفير الهيدروجين للمنازل والشركات، فضلاً عن المصافي والمصانع”.

على الرغم من وجود إقبال كبير على أنواع الوقود البديلة للمساعدة على خفض انبعاثات الكربون، فمن المرجح أن تُكلّف مشاريع إنتاج وتصدير الهيدروجين مليارات الدولارات، مما يتطلب التزاماً كبيراً من المستثمرين المُحتَمَلين.

“بغض النظر عن اللون، فإن العقبة الرئيسة أمام تطوير اقتصاد الهيدروجين هي الخدمات اللوجستية. يجب تخزين الهيدروجين ونقله إلى المستهلك بطريقة فعّالة من حيث التكلفة. ومع ذلك، فإن إنشاء البنية التحتية اللازمة سيكون مكلفاً نسبياً”، قال أسامة الجربي، العضو المنتدب لمنطقة قطر في “شركة اتحاد المقاولين” (Consolidated Contractors Company).

“لكي يكون الاستثمار مُجدياً اقتصادياً ويُولّد عائداً مُناسباً وفي الوقت المناسب على الاستثمار، يجب أن تكون أحجام الهيدروجين التي سيتم نقلها كبيرة بما يكفي. لذلك، في الأيام الأولى لصناعة الهيدروجين، كان التحدّي يكمن في زيادة الإنتاج وجعل العملية مستدامة تجارياً”، على حد قوله.

وتأكيداً على هذه المخاوف، ذكرت وسائل إعلام دولية في وقت سابق من هذا العام أن الدول المنتجة للهيدروجين في الخليج كانت تبحث عن مستثمرين لشراء حصص في منشآت تصدير الهيدروجين بالإضافة إلى توقيع عقود توريد طويلة الأجل قبل المضي قدماً في المشاريع.

  • هاني مكارم هو مدير تحرير “أسواق العرب”.
  • شارك في هذا التقرير مراسل “أسواق العرب” في أبوظبي عمّار الحلّاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى