إيران دَعَمَت الأسد، لكنها تُريده أن يبقى منبوذاً

مايكل يونغ*

عندما ضُبِطَ وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، على شريط تسجيل في الأسبوع الفائت ينتقد سيطرة الحرس الثوري الإسلامي على السياسة الخارجية لبلاده، كانت التداعيات واضحة. قال ظريف: “في الجمهورية الإٍسلامية الميدان العسكري هو الذي يحكم (…) “، قبل أن يضيف: “لقد ضحّيتُ بالديبلوماسية من أجل الميدان العسكري، بدل أن يخدم الميدان الديبلوماسية”.

من نواحٍ عديدة، أخبرنا ذلك كثيراً لماذا إيران تجد نفسها في لحظة حاسمة فيما هي تحاول تعزيز قوّتها في دول عربية عدة: اليمن ولبنان وسوريا والعراق. من خلال التركيز كلياً على الحفاظ على رقابة مُشدَّدة، بغض النظر عن التداعيات المُدمِّرة لمثل هذا النهج على البلدان التي توجد فيها، تُوَلّد إيران استياءً مُتزايداً من وجودها.

كأدواتٍ رئيسة لمثل هذه الهَيمنة، تسبّب الحرس الثوري الإيراني ووكلاؤه المحلّيون في تدمير الدول العربية التي انخرطوا فيها. دمّرت الحرب سوريا واليمن. لبنان صار مُفلساً، ونفوذ “حزب الله” يُثبط المساعدة العربية، والجماعات الموالية لطهران في العراق منعت الدعوات للإصلاح وتطبيع البلاد مع جيرانها خوفاً من أن تدفع إيران الثمن.

لكن شيئاً ما يتغيّر. لقد أدّى انتهاء الحرب في سوريا إلى دفع بعض الدول العربية لإعادة تحديد علاقتها بنظام الرئيس بشار الأسد. بالنسبة إلى هذه الدول، فإن التكلفة الهائلة لإعادة الإعمار، إلى جانب الرغبة الروسية القوية في استقرار الوضع السوري من خلال إعادة دمج البلاد في الحظيرة العربية، قد خلقا فُرصاً تُربِك إيران وتجعلها مُضطربة.

إن احتضان سوريا من قبل الدول العربية، خصوصاً عودتها إلى جامعة الدول العربية، قد يسبقه نقاش حول ما يمكن أن يقدمه كل طرفٍ للآخر. يُدركُ الإيرانيون أن المطلب العربي الأول من الرئيس الأسد سيكون أن يبتعد من إيران. في حين أن الرئيس السوري لن يذهب إلى أبعد ما تريده الدول العربية، فقد يحاول توسيع هامش مناورته في ما يتعلق بإيران.

في غضون أسابيع قليلة، ستكون هناك انتخابات رئاسية في سوريا. القيمة الديموقراطية فيها ولها ستكون ضئيلة أو معدومة، لكن الأسد سوف يستخدم التصويت لإعادة تشغيل حكمه. قد يكون أحد الطموحات هو إشعال مواجهة بين إيران وروسيا من أجل تعزيز سلطته التي لا تزال هشّة. لديه حليف مهم في الروس، وهو عاملٌ آخر قد يُشغل بال المسؤولين ذوي التوجّهات الأمنية في طهران.

تعتقد روسيا بوضوح أن الطريقة المُثلى لتهدئة الوضع في سوريا هي تسهيل الدعم العربي لإعادة الإعمار السوري وتأمين التأييد العربي لنظام الأسد. وقد زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دول الخليج في آذار  (مارس) حيث ناقش سوريا من بين أمور أخرى. وتُشير زيارته آنذاك مع وزيري الخارجية القطري والتركي في الدوحة إلى أن روسيا يمكن أن تلعب دوراً في سدّ الفجوات بين دول المنطقة التي لا تزال مُنفصلة عن سوريا.

من وجهة نظر إيران، فإن مثل هذه الديناميكيات تحدث في سياقٍ ديبلوماسي ليس لها فيها سوى حضور أصغر. عملية أستانا، التي شاركت فيها إيران، لم تعد تعمل. ومع ذلك، لا تزال طهران تحتفظ برافعات كبيرة لتشكيل نتائج إيجابية. في سوريا، لها تأثير كبير في المؤسسات العسكرية والأمنية الرئيسة للدولة. كما أنها تحتفظ بقوة كبيرة في لبنان، حيث يُمثّل “حزب الله” الفاعل الذي من المرجح أن لا يتأثر كثيراً من انهيار البلاد.

ومع ذلك، هناك أيضاً مشاكل مُحتَمَلة في المستقبل. فيما ينخرط المزيد من الدول في تطبيع العلاقات مع الوضع في سوريا، فإن حرية الأسد ستكون أوسع لاستعادة بعض القوة والنفوذ من الإيرانيين — في سوريا وحتى في لبنان. مع تدهور الوضع اللبناني، من المرجح أن تكون النتيجة المزيد من التشرذم. وهذا يعني أن “حزب الله” ستكون لديه وسائل أقل للسيطرة على الوضع في البلاد من خلال مؤسسات دولةٍ آخذة في التآكل الآن، ما يفتح مساحات أوسع للآخرين للعب دور.

من شبه المؤكد أن تُفسّر سوريا العلاقات المُحسّنة مع الدول العربية على أنها دعوة لإحياء شبكاتها وحلفائها في لبنان، وقد تحظى بدعم عربي إذا كانت النتيجة هي تقليص مدى نفوذ “حزب الله” وإيران جزئياً. مع الانتخابات الرئاسية اللبنانية المتوقع إجراؤها في العام المقبل، من المرجح أن تدفع دمشق من أجل انتخاب سليمان فرنجية حليف الأسد المُقرَّب.

في ضوء هذه التطورات، يكتسب الاتفاق النووي أهمية جديدة بالنسبة إلى طهران. إذا تم التوصّل إلى اتفاق، فسيسمح لإيران استخدام الإيرادات المُتَوَقَّعة لتعزيز موقعها في كلٍّ من سوريا ولبنان. لكن هذا لا يعني تقويض الأهداف العربية والروسية، فالتوصّل إلى وضعٍ محصلته صفر في سوريا أمرٌ مشكوك فيه للدول العربية وروسيا، كما هو الحال بالنسبة إلى إيران.

ما هو متوقع هو وضعٌ قد تضطر فيه إيران إلى تقاسم المزيد من القوة في بلاد الشام مع الدول العربية وروسيا، كخطوة ضرورية نحو إعادة تأهيل سوريا الإقليمي. وأصلاً، لتركيا وإسرائيل رأيٌّ وموقف في ما يحدث في سوريا، وكيف أن تعامل الأسد مع كلا البلدين سيؤثر في إيران. قد يعتقد الحرس الثوري الإيراني أن كثرة الطهاة ستُفسد مكانته الإقليمية، لكن ميل إيران لتدمير الدول العربية في أماكن وجودها يجعل مثل هذا التدخّل أمراً لا مفرّ منه.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى