كيف منع الأردن هجمات “داعش” الكبرى

في بداية آذار (مارس) الجاري، داهمت قوات الأمن الأردنية بعض الخارجين على القانون من تنظيم “داعش” في مدينة إربد بالقرب من الحدود مع سوريا، وقتلت أو جرحت عدداً منهم وإعتقلت آخرين. وهذه العملية هي من العمليات الإستباقية التي تقوم بها قوات الأمن الأردنية والتي نجحت حتى الآن في حماية المملكة الهاشمية من هجوم واسع النطاق من المجموعة الإرهابية المتشددة.

الملك عبد الله الثاني: عرف كيف يتعامل مع إحتجاجات 2011
الملك عبد الله الثاني: عرف كيف يتعامل مع إحتجاجات 2011

عمان – ليلى الشامي

للوهلة الأولى، كان الأردن يبدو للخبراء بأنه سيكون هدفاً رئيسياً لتنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضاً ب”داعش”). لقد ضرب هذا التنظيم المتطرف تقريباً جميع الدول المجاورة للمملكة الهاشمية. في أيار (مايو) 2015، قام بهجوم دموي على مسجد في المملكة العربية السعودية. في تشرين الثاني (أكتوبر)، فُجّرت طائرة روسية في مصر وإدّعى مسؤوليتها. في كانون الثاني (يناير) هاجم “داعش” مركز تسوق عراقي، كما إستهدف قوات النظام السوري وقوات المعارضة على حد سواء لمدة عامين الآن. منذ العام 2014، قتل “داعش” ما يقرب من 18,000 مدني عراقي. وفي العام 2015 وحده، قتل نحو 2,000 مواطن سوري.
علاوة على ذلك، يواجه إقتصاد المملكة الهاشمية تحديات خطيرة، مع وصول نسبة بطالة الشباب إلى 28.8 في المئة، وفقاً لإحصاءات منظمة العمل الدولية الأخيرة. لقد دفع الوضع الإقتصادي بعض الأردنيين — حوالي 2000 — إلى مغادرة البلاد للإنضمام إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، وفقاً لمسؤولين حكوميين. (وقد أشارت دراسة لبنانية أخيراً ذكرها مساعد وزير الدفاع الأميركي مايكل مبكين إلى أن الإعتبارات المالية هي عامل مهم، ولكن بالتأكيد ليست الوحيدة، التي تدفع المدنيين للتجنّد والإلتحاق ب”داعش”).
بعبارة أُخرى، يبدو أن البلاد جاهزة ومستعدة للمتاعب. لكن تنظيم “الدولة الإسلامية” لم ينفّذ أي هجوم واسع النطاق داخل المملكة. وتفيد معلومات متضاربة ومتنازع على صحتها، بأن الوفاة داخل البلاد من حوادث مرتبطة ب”داعش” تقف عند عشرة أشخاص على الأكثر. فما الذي فعله ويفعله الاردن بشكل صحيح ليبقى بمنأى عن الأحداث التي تلف جيرانه؟
الواقع أن المتابعين لشؤون المملكة يجمعون على أن قبض التنظيم الإرهابي على الطيار الأردني معاذ الكساسبة وإحراقه علناً داخل سوريا شكّل لحظة لتوحيد البلاد. في حين أن 72 في المئة من الأردنيين قبل شهر من هذه الحادثة كانوا يعتقدون أن “داعش” جماعة إرهابية، فإن هذه النسبة بعد قتل الكساسبة حرقاً قفزت إلى 95 في المئة من السكان. في الوقت عينه، هاجمت جماعة “الإخوان المسلمين” النافذة في الأردن ما فعله “داعش”، ووصفت القتل ب”الشنيع” و”الإجرامي”.
مع ذلك، لا يمكن أن يفسّر الغضب الشعبي بعد إحراق الكساسبة الوحشي تماماً نجاح عمّان في تجنب هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية”. بعد كل شيء، لقد عرضت المجموعة الإرهابية وحشية مروعة في كل مكان ذهبت إليه. الحقيقة الثانية التي تحمي الأردن، في الحقيقة، هي أجهزة الأمن المُدرّبة تدريباً جيداً في البلاد. “لدى الأردن أجهزة عسكرية وأمنية قوية رغم المشاكل الإقتصادية”، يقول حسن أبو هنية، المؤلف المشارك لكتاب “تنظيم الدولة الإسلامية” والجهادي السلفي السابق الذي سجن 12 مرة. حاملاً التصنيف السابع عالمياً، حسب وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بالنسبة إلى النفقات العسكرية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الأردن يحافظ على حوالي 100,000 جندي في الخدمة الفعلية و65,000 في الإحتياط، وفقاً للتقارير.
علاوة على ذلك، بتعاونه مع كبار وكالات الإستخبارات الغربية، فإن لدى الأردن عقوداً من الخبرة في مجال مكافحة الإرهاب. حتى أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية لديها كوادر تقنية “موجودة في الواقع” في مقر مديرية المخابرات العامة الأردنية، وقد قامت الوكالتان بتنفيذ عمليات مشتركة رفيعة المستوى. وكان أحد أكبر الانقلابات الإستخباراتية لعمّان هو توفيرها المعلومات الحاسمة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية التي أدّت إلى قتل قائد تنظيم “القاعدة في العراق” أبو مصعب الزرقاوي. مشيداً بمديرية المخابرات الأردنية، قال الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية مايكل شوير لصحيفة لوس أنجليس تايمز، “إن مديرية المخابرات العامة في الأردن تصل إلى نطاق أوسع [في الشرق الأوسط] من الموساد”. وفي مقال نشرته “ذي أطلانتيك”، وصفها المؤلف جيفري غولدبرغ بأنها “الأكثر إحتراماً بين المخابرات العربية”.
مع ذلك، حتى القوة العسكرية في الأردن لا يمكنها أن تفسّر تماماً كيف إستطاعت البلاد تجنب هجمات “داعش” حتى الآن. لدى مصر جيش كبير ومموَّل تمويلاً جيداً أيضاً، لكن المسلحين المصريين التابعين ل”الدولة الإسلامية” نجحوا في إيجاد أرضية مضيافة في سيناء. هنا، يبدو، كما يقول أهل الخبرة، أن الفضاء السياسي الأكثر إنفتاحاً نسبياً في الأردن هو المفتاح. خلال إنتفاضات “الربيع العربي” في 2011، إعتمدت عمّان النهج السلمي الذي تجنّب الخسائر الكبيرة، في حين أن النظامين السوري والليبي إستخدما القوة المُفرطة لقمع خصومهما السياسيين (الأمر الذي أدّى في وقت لاحق إلى تنفير أجزاء واسعة من البلاد وخلق الإستياء الذي إستغله “داعش”). على سبيل المثال، رداً على إحتجاجات مناهضة للفساد، أقال عاهل الأردن الملك عبد الله بسرعة رئيس الوزراء سمير الرفاعي جنباً إلى جنب مع مجلس الوزراء. وقد أجّلت الحكومة الإنتخابات البرلمانية لمدة عامين حتى كانون الثاني (يناير) 2013، وتجنبت قوات الأمن إلى حد كبير حملة قاتلة ضد المتظاهرين، خلافاً لما حدث في دمشق وطرابلس الغرب وبنغازي.
إضافة إلى ذلك، بعدما ثارت الإحتجاجات في مدينة معان في العام الفائت بسبب مزاعم عن عنف الشرطة، فقد إستقال وزير الداخلية حسين المجالي بسرعة، وأقالت الحكومة الأردنية مدير مديرية الأمن العام توفيق الطوالبة. لقد منع قرار عمّان الحاسم الفوضى على نطاق واسع. بإختصار، على الرغم من أن النزاع كان يمكن أن يتحوّل بسرعة دموياً جداً، مع إستعداد المسلحين المتطرفين لإستغلال الإستياء، فقد إستجابت الحكومة الأردنية إلى بعض مطالب مواطنيها، وحافظت على وحدة الأمن في المنطقة.
ونتيجة لإستجابة الحكومة ورد فعلها بالنسبة إلى “الربيع العربي”، فإن “الأردن من بين عدد قليل من الدول العربية — على الرغم من أنه ليس ديموقراطياً — الذي لا تزال لديه مساحة مفتوحة للناس للتعبير عن همومهم ومطالبهم”، يقول عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمّان.
من ناحية أخرى، إن دور الإسلاميين في الأردن أمر بالغ الأهمية أيضاً. لقد رفض السلفيون الأردنيون البارزون، بمن فيهم عمر محمود عثمان الملقّب بأبي قتادة وعصام طاهر البرقاوي الملقب بأبي محمد المقدسي، إصدار فتاوى تدعو إلى العنف ضد النظام الأردني وحتى أنهم أدانوا “داعش” علناً. كان المقدسي المرشد الروحي للزعيم السابق الأردني لتنظيم “القاعدة في العراق”، أبو مصعب الزرقاوي (أحمد فاضل نزال الخلايلة). وهو يعتقد بأن “الدولة الإسلامية” هو تنظيم “منحرف” إيديولوجياً. وبالمثل، فإن أبا قتادة هو من المساندين ل”جبهة النصرة” في سوريا، وكان أدان ذبح “داعش” للصحافيين وإعتبره بأنه “غير إسلامي”.
علاوة على ذلك، وعلى النقيض من النضال الدموي الذي ساد بين جماعة “الإخوان المسلمين” والحكومة المصرية، فقد أنشأ الملك عبد الله وفرع جماعة “الإخوان المسلمين في الأردن علاقات أكثر تسامحاً. وعلى الرغم من أنها تسعى إلى الإصلاح، فإن جماعة الإخوان لم تدعُ إلى إنهاء النظام الملكي في الأردن. كما أن عمّان لم تتبع مسار المملكة العربية السعودية بإعتبار جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن بأنها “منظمة ارهابية”، وسمحت للأردنيين المهتمين في الإسلام السياسي اللاعنفي العمل بأمان في البلاد.
الواقع أن عدم قيام النظام بحملة عنيفة ضد إسلاميي الأردن، ولد حافزاً لدى الأفراد للبقاء ومعارضة الحكومة بدلاً من المغادرة والانضمام إلى المعركة في مكان آخر. مع قتل النظام السوري أكثر من 100,000 شخص من المدنيين، فهناك منطقية مفهومة للأردنيين ال2000 الذين إنضموا إلى “داعش” للذهاب إلى سوريا لإستهداف نظام الأسد ومعارضيه بدلاً من العمل في المملكة الأردنية الهاشمية السلمية نسبياً.
وهذا هو المكان الذي تأتي منه أولويات “داعش” الخاصة. وكما أوضح الرنتاوي: “الأردن حتى الآن ليس على [قائمة] صدارة أولويات أهداف تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة. لديه أهداف أكثر أهمية فى الوقت الحالي”. لدى “داعش” مقاتلون موالون في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلا أن المجموعة لم تُعلن عن فرع أردني. وإعتبر عدنان أبو عودة، رئيس الديوان الملكي السابق والسفير السابق في الأمم المتحدة، بأن قلة السكان الشيعة في الأردن هو عامل. لقد هاجم “داعش” في كثير من الأحيان أهدافاً شيعية في لبنان واليمن. ويبدو أيضاً أن المجموعة المتطرفة عازمة على الصدام الإيديولوجي مع الرياض حول من يمثل الإسلام الحقيقي، لذلك قد تكون أكثر إهتماماً في أهداف في المملكة العربية السعودية.
للتأكيد، لم تتجنّب المملكة الأردنية تماماً العنف. وفي حادث متنازع على كيفية حصوله ولماذا، قتل ضابط شرطة أردني في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، خمسة متعاقدين يعملون مع مديرية الأمن العام. في العدد رقم 12 من مجلته، “دابق”، أشاد تنظيم “الدولة الإسلامية” بالهجوم. ومع ذلك، فقد قال وزير الداخلية الأردني سلامة حماد أنه كان في الواقع “هجوماً فردياً”، مشيراً الى مشاكل فيزيولوجية ومالية كان يواجهها ويعاني منها الضابط. الدوافع الحقيقية، بطبيعة الحال، لا تزال غير واضحة. ولا يمكن لأي بلد أن يضمن أنه سوف يستطيع صد الإرهاب إلى الأبد. ولكن من خلال المحافظة على مستوى عال من الكفاءة المهنية بين قوات الأمن التابعة له، والرد على الإحتجاجات بطريقة سلمية نسبياً، وإقامة علاقات بناءة مع الإسلاميين، فإن الأردن قد إستطاع الحدّ من خطر “داعش”. وفي منطقة تبدو أنها تتهاوى، فهذا هو إنجاز يستحق الإعتراف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى