هل هناك أمَلٌ لروحاني كي يصبح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية؟

على الرغم من مهاجمة المُتشدِّدين له ومُطالبَة البعض منهم بمقاضاته وعزله، فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني ما زال على ما يبدو يطمح لكي يخلف المرشد الأعلى علي خامنئي، لكن لم يبقَ لديه سوى ورقة رابحة واحدة للبقاء في السباق.

آية الله علي خامنئي: هاجم روحاني وسياساته؟

بقلم أليكس فاتنكا*

يوم الثلاثاء الفائت (28/08/2018)، مَثَلَ الرئيس حسن روحاني أمام مجلس النواب الإيراني للدفاع عن سجل حكومته الإقتصادي. الحضور كان عدائياً. قبل يومين، كان المجلس أزاح وزير الإقتصاد مسعود كارباسيان من منصبه، وهاجم، قبل ذلك، وزير العمل علي ربيع. وتم عزل كلاهما بتهم تصل إلى عدم الكفاءة.
كان مُثولُ روحاني أمام البرلمان فرصةً له للردّ والتنديد بمنافسيه، الذين أصدر بعضهم ضده تهديدات بالمقاضاة والعزل. ومع ذلك، في هذه اللحظة، كان بالكاد يُدافع. بدلاً من ذلك، دعا بشجاعة إلى الوحدة ضد “تلك الشخصيات المُعادية لإيران التي تجلس الآن في البيت الأبيض”.
لا شك أن سياسات واشنطن في عهد الرئيس دونالد ترامب تُشكّل عاملاً رئيسياً في الهبوط الإقتصادي المفاجئ الذي أدّى إلى خسارة العملة الإيرانية، الريال، نصف قيمتها منذ نيسان (إبريل) الفائت. لكنها ليست السبب الوحيد؛ حتى أن روحاني إعترف بذلك في ملاحظاته. وقال إن الإقتصاد السليم يتطلب “الإستثمار الأجنبي والإستقرار السياسي المحلي”. المنافسون والخصوم الذين حثّهم روحاني على التوحّد معه ضد الولايات المتحدة هم أنفسهم الذين قوّضوا بشكل منهجي الثقة في السوق الإيرانية وخلقوا فوضى سياسية داخلية منذ فترة طويلة قبل تنصيب ترامب.
ومع ذلك، إختار روحاني عدم فتح هذه العلبة الخاصة المليئة بالديدان. لقد قَبِل على ما يبدو أن يلعب دور كبش الفداء، ويمشي في مسارٍ أكثر حذراً من الناحية السياسية للحفاظ على رئاسته وقوته، بما في ذلك المحاولة في النهاية ليصبح المرشد الأعلى لإيران. لكنه مخطئ، ومن المرجح أن يدفع ثمناً باهظاً لاختياره عدم الهجوم.
* * *
إن مقاضاة كارباسيان، التكنوقراط المتدني المستوى والذي لا يتمتع بنفوذ سياسي يُذكر وإعتلى منصبه منذ عام فقط، هي مثال توضيحي. لم يكن لديه أبداً القدرة على إدخال أيٍّ من الإصلاحات الاقتصادية الخطيرة التي تحتاجها إيران – وهذا بالكاد كان سراً. وكما قال أحد البرلمانيين الذين دعموا مساءلة وزير الإقتصاد في أثناء النقاش، فإن كارباسيان كان مجرد فاكهة متدلية مُنخفضة سهلة القطاف. “لو إستطعنا، لكان ينبغي علينا أن نُقاضي روحاني”، قال إلياس هزراتي من على المنصة في المجلس. في الواقع، كان على البرلمان أن يصل ويتعقّب أكثر بكثير من الرئيس إذا أراد التغيير الإقتصادي.
إن أهم ثلاثة أسباب صارخة لإخفاق الإقتصاد الإيراني هي السياسة الخارجية المتشددة التي تُقوّض الثقة المحلية والدولية في كل منعطف، والفساد المستشري، والمحسوبية الضخمة التي تنبع من عادات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بتفضيل المزايا الاقتصادية لمؤيديه المتشددين. وعلى المستويات الثلاثة، خامنئي هو الذي يملك السيطرة وليس روحاني.
على سبيل المثال، قلّة في طهران تنكر في مجالسها الخاصة أن السياسة الخارجية الإيرانية المتشددة والمتطرفة مسؤولة عن المشاكل الإقتصادية للبلاد. عندما سُئل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في نهاية الأسبوع الماضي على التلفزيون الوطني عن السبب الذي يجعل إيران تواجه الكثير من المتاعب في علاقاتها مع العالم الخارجي، سارع بالرد: “لأن هذه هي الطريقة التي إخترناها للعيش”. إن إيران، إدّعى، تدفع ثمن وجود سياسة خارجية مستقلة ولوقوفها في وجه الولايات المتحدة.
قد تكون مثل هذه الإدعاءات صحيحة منذ أربعين سنة عندما بدأت الجمهورية الإسلامية الأولى طريقها الخاص. إنها ليست كذلك اليوم. في الظهور التلفزيوني نفسه، ناضل ظريف ليشرح لماذا تستمر دولته المستقلة للغاية في تلبية المطالب الروسية – في إحدى القضايا المثيرة للجدل الأخيرة بتخفيف موقفها بشأن ترسيم المياه الإقليمية في بحر قزوين – أو لماذا أعطت إيران السفن التجارية الصينية الحق في الصيد في المياه الإيرانية.
حتى أن المواطنين الإيرانيين العاديين يرون بشكل متزايد أن سياسة بلادهم الخارجية ليست مدفوعة ذاتياً ومستقلة وهي بالغريزة أكثر معاداة للولايات المتحدة. هذا الإنحناء يدفع، بدوره، طهران إلى أن تصبح عميلة لبكين وموسكو، اللتين لديهما أجنداتهما الخاصة، وتَسعَدان باستغلال المواجهة الإيرانية – الأميركية على حساب الشعب الإيراني.
بالطبع، روحاني ليس بريئاً في كل هذا. لقد سوّق وباع نفسه كرجل يستطيع إنقاذ البلاد من كارثة إقتصادية ويُعيدها إلى الإحترام الدولي. بدلاً من ذلك، فإن إيران أسوأ حالاً من أي وقت مضى.
لقد أصبح الإصلاحيون والمعتدلون الذين صوّتوا له ينظرون إليه على أنه إنتهازي من دون رغبة حقيقية في إحداث تغيير سياسي جاد. (بعد كل شيء، الدولة اليوم هي دولة بوليسية بقدر ما كانت عندما تسلم السلطة لأول مرة في العام 2013). وإتّهمه المتشدّدون بأنه مهووس بالغرب وبالتالي غير جدير بالثقة.
هذا يعني أن يد روحاني مرتبطة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. عندما ألمحت شخصيات قريبة من الرئيس الإيراني في الأسابيع الأخيرة إلى لقاء مُحتَمل بينه وبين ترامب على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر)، شنّ المتشددون حملة دعائية عامة ضده. وفي خطاب ألقاه في 13 آب (أغسطس)، حذّر خامنئي صراحة من مثل هذه القمة. “إذا كان هناك المزيد من المفاوضات مع الأميركيين، فلن تكون مع هذا الرجل [ترامب]”. وفي الوقت نفسه، ألقى المرشد الأعلى باللوم على روحاني لأنه تصرّف بسذاجة خلال المفاوضات النووية في العام 2015 واتّهمه باجتياز بعض “الخطوط الحمر”. علماً بأن خامنئي نفسه كان أطلق محادثات نووية سرية مع الأميركيين في عُمان قبل أن يتولى روحاني منصبه.
وبشكل أكثر حدة، بدأ خامنئي إلقاء اللوم علانية على روحاني لسوء الإدارة الإقتصادية والفساد الذي أصاب البلاد. (تُصنِّف منظمة الشفافية الدولية إيران كواحدة من أكثر الدول فساداً في العالم، وراء باكستان ومصر والبرازيل). وحسب رواية خامنئي، فإن العقوبات تضرّ، ولكن مشاكل إيران لها علاقة بالسياسات الداخلية السيئة. ومع ذلك فإن المرشد الأعلى لم يعترف أبداً بأنه، بصفته الحاكم النهائي للنظام طوال السنوات الـ29 الماضية، هو المسؤول عن تلك السياسات.
ليس هناك شك في أن روحاني قد أعطى الكثير من العَلَف لمنافسيه عندما يتعلق الأمر بالفساد أيضاً.
على سبيل المثال، كان شقيقه الأصغر وشقيق النائب الأول للرئيس متوَرِّطَين في الفضائح الأخيرة. وفي مرة أخرى، تعرّض لإنتقادات بسبب رواتب سخية تلقاها مسؤولون عاملون في الدولة في فضيحة عُرفت باسم “فضيحة قسيمة الدفع” (payslip-gate). لكن الرئيس المنتخب ليس في قلب مشكلة الكسب غير المشروع في إيران؛ هذا الشرف يذهب إلى المرشد الأعلى غير المُنتَخب. يُشرِف خامنئي على شبكة واسعة من المصالح الإقتصادية، بما في ذلك، بحسب مارك دوبويتز وسعيد غاسميني نجاد اللذين يكتبان لصحيفة “وول ستريت جورنال”، تنفيذ وصية الإمام الخميني بواسطة مؤسسة المستضعفين، وآستان قدس رضوي، اللتين تبلغ قيمتهما معاً حوالي 200 مليار دولار وتلامسان كل ركن من أركان الإقتصاد الإيراني.
* * *
قد لا يقع اللوم على روحاني وفريقه بالنسبة إلى معاناة إيران، لكنه يبدو سعيداً تقريباً بالسماح لوزرائه المُستَهلَكين بتحمل تبعية المواجهة. وهذا أمر منطقي: من وجهة نظره، فإن الأمر الأكثر أهمية هو أن يجتاز فترته الرئاسية بشكل جيد ويُبقي نفسه مرشحاً للوظيفة النهائية، القيادة العليا، والتي ستكون جاهزة للوصول إليها يوم وفاة خامنئي (79 سنة). ونظراً إلى بروز روحاني في السياسة منذ العام 1979، فقد كان مرشحاً مُحتَملاً لهذا المنصب منذ فترة طويلة، ومن الأسلم الإفتراض أنه رأى الرئاسة كمنبر قيّم لتعزيز موقعه في السباق (خصوصاً إذا مات خامنئي في أثناء وجوده في المنصب). لا يزال روحاني يأمل أن يظل في السباق حتى لو مات خامنئي بعد إنتهاء فترة رئاسته، وهذا هو سبب تردده في ردع منتقديه.
ربما كانت لاستراتيجية روحاني ميزة من قبل، لكن حالة الإقتصاد الإيراني صارت مُتردّية للغاية بحيث جعلتها بعيدة من المنطق الآن. ويبدو الاقتصاد الإيراني بشكل متزايد مستعداً للتدهور. بعد إنهيار الريال، إرتفع سعر بعض المواد الغذائية بنسبة 50 في المئة، وأصبح نقص المياه والطاقة أمراً معتاداً. في الوقت نفسه، تُظهر البيانات الرسمية الإيرانية إنخفاضاً بنسبة 72 في المئة في دخل العمال العاديين منذ السنة الفارسية الجديدة، التي بدأت في آذار (مارس). ليس من المستغرب، على مدار العام الماضي، أن الإحتجاجات العامة أصبحت روتينية، كما أدت حملة يومية في وسائل الإعلام الإجتماعية لتحديد حالات المحسوبية ومحاباة الأقارب بين الموالين للنظام ببعض المسؤولين إلى الإستقالة من مناصبهم.
هذا المستوى من الغضب نادر ومن المرجح أن يغلي أكثر. إن الدعوات للإطاحة بمسؤولين معينين، مثل روحاني، تحوّلت فعلياً إلى غضب ضد النظام بأكمله. ليس من المرجح أن يقوم خامنئي، في الواقع، بعزل الرئيس. من الأفضل بكثير إبقاؤه ضعيفاً وفي منصبه، حيث يمكن توجيه كل الغضب واللوم في العالم إلى بابه. ومن غير المحتمل أيضاً أن يقوم الجمهور بتفكيك النظام بأكمله. ومع ذلك، فقد دفعت هذه الدعوات طهران بالفعل إلى الاستجابة لمطالبها بطريقة ما. في الواقع، لم يكن جنون الإتهامات الأخير وفصل بعض المسؤولين من الخدمة سوى محاولة للإظهار بأن النظام لا يصمت ويستجيب للرأي العام.
لا يتعيّن على روحاني قبول كونه كبش الفداء إلى الأبد. صحيح أن القيام بذلك ساعده على تجنب الخلاف مع خامنئي، الذي يحتاج روحاني إلى مؤيديه المتشددين على الأرجح في حال أراد الوصول إلى المنصب الأعلى. لكن عند نقطة معينة، فإن تحمّل اللوم سيسبب ضرراً لسمعته والذي سيكلفه عدم دعم الإصلاحيين في الحكومة له، الذين سيلعبون أيضاً دوراً في إختيار المرشد الأعلى التالي، وخسارة الجمهور، الذي أظهر إهتماماً أكثر من المعتاد في الإصلاح الجذري لنظام الحكم في إيران.
يمتلك روحاني بطاقة واحدة للعب، وهي العودة إلى الوعود الإصلاحية التي قدمها في العام 2013 وفي حملة إعادة إنتخابه في العام 2017.
عليه أن يرد بقوة وبطريقة جديرة بالثقة. يستطيع أن يشير، على سبيل المثال، إلى أن وزارة الخارجية لا تُقرّر سياسات إيران الخارجية المثيرة للجدل في الشرق الأوسط. إن هذا الأمر يقوم به جنرالات الحرس الثوري الإسلامي المدعوم من خامنئي. ويُمكنه أيضاً أن يشير إلى أن وزير دفاعه لا يختار مكان وتوقيت إختبارات الصواريخ الباليستية المثيرة للجدل، أو أن وزارة الاستخبارات ليست وراء توقيف المواطنين أصحاب الجنسية المزدوجة – وهما النشاطان اللذان أثارا غضب ترامب. ربما يكون قد فات الأوان لإنقاذ سمعته في إيران ، لكن بديل روحاني – لاسترضاء المتشددين، بمن فيهم خامنئي نفسه – لن ينجح بعدما بدأ الاقتصاد في التراجع. إحتاج المرشد الأعلى والموالون له إلى شخص يُلام مكانهم، وكان روحاني مناسباً لذلك.
في قلب رسالة روحاني السياسية في 2013 و2017 كان الوعد بإصلاح سياسي وإقتصادي أساسياً، بما في ذلك المفاوضات مع خصومٍ أجانب مثل الولايات المتحدة. وإذا لم يتمكن من تحقيقها، لأن خامنئي لن يسمح بذلك، فعندئذ سينقل روحاني قضيته إلى الشعب. إن المزيد من التعديلات الوزارية أو التجاهل فيما يمثل وزراؤه العاجزون أمام البرلمان لن يساعد أحداً.

• أليكس فاتانكا هو زميل كبير في معهد الشرق الأوسط. وهو مؤلف الكتاب المقبل “صنع السياسة الخارجية الإيرانية: الإيديولوجيا المتنازع عليها، والمنافسات الشخصية والنضال الداخلي لتحديد مكان إيران في العالم”. إتبعه على تويتر على:@AlexVatanka و @AlexVatanka
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى