قراءة في أقوال الأمير محمد بن سلمان عن إسرائيل
بقلم باسم رحال
في مقابلة أخيرة مع رئيس تحرير مجلة “أطلنتيك” جيفري غولدبيرغ ، أثار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تعليقات كثيرة على ما قاله عن إسرائيل. لقد أكمل ولي العهد أخيراً جولة في الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أسابيع، هدفت إلى تقديم صورة أكثر حداثة للمملكة العربية السعودية، إضافة إلى تعزيز الدعم الأميركي لخلافته على العرش عندما تحين الساعة.
أحد التصريحات حول إسرائيل، الذي رواه غولدبيرغ، أثار إهتماماً كبيراً: “في الواقع، عندما سألتُ [الأمير] عمّا إذا كان يعتقد أن الشعب اليهودي له حق في دولة قومية على الأقل في جزء من وطن أجداده، قال: أعتقد أن كل شعب، في أي مكان، له الحق في العيش في بلاده المسالمة. أعتقد أن لدى الفلسطينيين والإسرائيليين الحق في أن يكون لكلّ منهما دولة خاصة”.
بالنسبة إلى غولدبيرغ، يُمثّل هذا البيان شيئاً جديداً. وقد عزّز المفاوض الأميركي السابق للسلام دينيس روس هذا الرأي. وأوضح أن “القادة العرب المعتدلين تحدّثوا عن حقيقة وجود إسرائيل، لكن الإعتراف بأي نوع من “الحق” في أرض اليهود الأجداد كان خطاً أحمر لم يعبره أي زعيم عربي حتى الآن”.
ربما، ولكن عند قراءة ردّ محمد بن سلمان، يبدو أن غولدبيرغ وروس قد بالغا فيٍ التفسير. إن غولدبيرغ هو الذي وضع السؤال ليشمل ذكر أرض اليهود الأجداد، في حين ردّ الأمير بما يُمكن وصفه بأنه جواب مُصاغ، والذي شمل جملة “أي مكان”، عن حق اليهود والفلسطينيين في العيش بسلام في دولة خاصة بكل منهما.
كما قال الأمير لغولدبيرغ، عندما سُئل عما إذا كان لديه إعتراض ديني على إسرائيل: “لدينا مخاوف دينية حول مصير المسجد الأقصى في القدس وحول حقوق الشعب الفلسطيني. هذا هو ما لدينا. ليس لدينا أي إعتراض على أي شعب آخر”.
لا شك في أن السعودية إتخذت موقفاً أكثر تصالحية تجاه إسرائيل مما كانت عليه في السابق. لكن حتى الآن، في تصريحاتها العامة، كانت المملكة حريصة على ألّا تتعارض مع الإجماع العربي حول فلسطين. لقد تبنّى السعوديون مقاربة مختلفة مع إسرائيل لأن كلاهما لهما عدو مشترك يتمثل بإيران، ولم يعد السعوديون يثقون بالولايات المتحدة للمساعدة على إحتواء الجمهورية الإسلامية. لكن في حين أن البعض إعتبر هذا الموقف كخطوة أولى للتطبيع بين المملكة وإسرائيل، فمن المرجح أن السعوديين يسعون ببساطة وراء مصالحهم السياسية، وبأقل تكلفة لهم.
أولئك الذين يريدون أن يُصدِّقوا بأن هناك أكثر من مجرد إنتهازية سعودية في اللعب هنا، يشيرون إلى التقارير الأخيرة التي تُفيد بأن السعوديين وقّعوا على مسودة خطة سلام أميركية بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي تُعتَبر أكثر ملاءَمة لإسرائيل مقارنة بالفلسطينيين. وقد نفى السعوديون ذلك، لكن هناك شكوكاً مستمرة بأن المملكة كانت على علم، ولم تُعارض قرار إدارة ترامب بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ربما، لكن ذلك قد لا يُخبرنا بقدر ما يعتقد البعض. إن المملكة تحتاج إلى مغازلة الإسرائيليين، وتبدو قابلة للتصديق في قيامها بذلك. في الوقت نفسه، عَالِمين بأن الرئيس دونالد ترامب كان مُصرّاً على قراره بشأن القدس، فإن السعوديين لم يُبدوا أي إهتمام بالتعبير عن إستيائهم خوفاً من تنفيره وتنفير إسرائيل، إذ أن تركيزهم الأساسي مُنصّبٌّ على بناء تحالف ضد إيران.
الواقع أنه يبدو أكثر منطقية أن نضع تصريحات الأمير محمد في سياق مبادرة السلام العربية التي وافقت عليها الدول العربية في قمة زعمائها في بيروت في آذار (مارس) 2002. في حين أن وجهات النظر السعودية المزعومة للإقتراح الأميركي المُقبل حول السلام الفلسطيني – الإسرائيلي لم تُعرَف بعد، فمن الأفضل التمسك بما تم التصريح به علناً. وتندرج ملاحظات الأمير الشاب لغولدبيرغ في إطار مبادرة المبادرة العربية، التي أطلقها قبل عقد ونصف من الزمن ولي العهد حينها الأمير عبد الله، الذي أصبح لاحقاً ملكاً.
وتفتتح مبادرة السلام العربية بذكر إقتراحات السلام التي طرحها عبد الله لإسرائيل، والتي طرحت للمرة الأولى في مقابلة مع توماس فريدمان، الكاتب الصحافي الأميركي في صحيفة “نيويورك تايمز”. لقد دعا عبد الله إلى إنسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية التي إحتلت منذ حزيران (يونيو) 1967، وفقاً لقراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338 وأكدهما مؤتمر مدريد في العام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام. بالمقابل، ستوافق الدول العربية على سلام شامل مع إسرائيل.
في ما يتعلق بالإنسحابات الإسرائيلية، فإن الخطة العربية تؤكد من جديد على القرار 242، من دون ذكره بالتحديد، وتدعو إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم 194. كما تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة سيادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 4 حزيران (يونيو) 1967، وهي الضفة الغربية وغزة، وعاصمتها القدس الشرقية. في المقابل، فإن العرب سيعتبرون نزاعهم مع إسرائيل منتهياً، وسوف يوقّعون إتفاقات سلام لتوفير الأمن لجميع الدول في المنطقة. وتحث المبادرة الإسرائيليين على قبول هذه الشروط، بحيث يمكن للعرب وإسرائيل “العيش بسلام وحسن الجوار وتوفير الأمن والإستقرار والرخاء لأجيال المستقبل”.
لم يكن هناك أي شيء في تصريحات الأمير محمد إلى غولدبيرغ خرج على وجه التحديد عن سياق المبادرة العربية. وفي تأكيده على مبدأ المعاملة بالمثل لحقوق الإسرائيليين والفلسطينيين في العيش في دولتين مسالمتين، ردّد الأمير ما قيل في العام 2002، واضعاً كلا المجتمعين على قدم المساواة مع بعضهما البعض. وبعبارة أخرى، فإن تصريحات الأمير محمد أعادت صياغة السياسة السعودية الماضية، وإن كان ذلك في شكل مختلف نوعاً ما عن السابق.
إن المغازلة والتغليف مهمّان بلا شك في العلاقة السعودية – الإسرائيلية. لكن كان هناك الكثير من مبادرة السلام العربية أكثر من المغازلة والتغليف. لقد كان إقتراحَ سلامٍ عربياً حقيقياً، واحدٌ مضمونٌ من قبل السعوديين ضد معارضة عنيدة من بعض الأفرقاء العرب، ولا سيما الرئيس السوري بشار الأسد، والذي خرج من قمة عربية مثيرة للجدل برئاسة حليف الأسد الرئيس اللبناني إميل لحود. لم تردّ إسرائيل أبداً بأي حماسة على الخطة العربية، واصفة إياها بـأنها لا تشكل “بداية جيدة”، وكان رد الفعل لا يتناسب بأي شكل مع ما تستحقه المبادرة.
ويبدو أن هذا يكشف عن أنه لم يعد أحد يتذكر مبادرة السلام العربية، على الرغم من أنهم يعطون أهمية كبيرة لأقوال الأمير محمد. لقد أكد غولدبيرغ أن الأمير كان أول زعيم عربي يعترف بحق الشعب اليهودي في أن يكون له دولة خاصة به. وإذا كان القادة العرب قد ذكروا مصطلح “الشعب اليهودي” أم لا في بيروت، فإن إعترافهم بحق إسرائيل في الوجود بسلام كان إلى حد كبير الشيء عينه. هذا هو السبب في أن بيان غولدبيرغ غير صحيح.