التكنولوجيا تطمس العادات

بقلم نهاد بدر*

تُهيمن التكنولوجيا الحديثة بشكل كبير على حياتنا اليومية وتدخل في كل تفاصيلها حتى وصل الحال الى الإستغناء عن بعض الادوات التقليدية والإستعاضة عنها بأدوات أخرى إلكترونية او تقنية. لا أحد ينكر مدى أهمية هذه الثورة التكنولوجية في تسهيل حياتنا اليومية مع الأخذ بعين الإعتبار السلبيات التي لحقت بالمجتمع وأهمها ما يُسمّى “بالإدمان التكنولوجي” الذي بدوره أدّى الي تفكك أو تقلّص الكثير من عوامل التواصل الفعلي والجسدي والروحي بين الأفراد، مع أن التكنولوجيا قد فتحت من جانب آخر ووسّعت مجالات من خلال خلق مواقع التواصل الإجتماعي، وتوفير طرق سهلة للإتصال، وإن كانت قضت على غالبية العادات والتقاليد المُتعارَف عليها في المجتمع.
في بدايات التكنولوجيا ظهر “البريد الإلكتروني” (الإيميل) حيث حلّ تدريجاً مكان البريد العادي الذي كنّا ننتظر وصوله بفارغ الصبر من خلال ساعي البريد، كما كنا نحتفظ بالرسائل لقراءتها اكثر من مرة، ولكن هذه العادات طمسها البريد الإلكتروني وقلّل من عمل ساعي البريد ومن الوقت المُنتظر، ثم ظهرت كذلك الهواتف النقالة التي تحمل خدمة الرسائل القصيرة وقلّلت بدورها من وظيفة البريد الإلكتروني.
في المناسبات السعيدة والحزينة كان البشر يتواصلون من خلال الزيارات المُتبادلة بين الأهل والأصدقاء ليعبّروا عما في داخلهم ويشاركون بارواحهم واجسادهم بما عودتنا التقاليد عليه في معظم المناسبات، والتي بدأت تتلاشى تدريجاً بالتواصل من طريق الإتصال الهاتفي بدلاً من الزيارات، إلى أن وصل الحال بنا بارسال رسائل قصيرة فقط من خلال الهواتف الجوّالة لتهنئة شخص أو المباركة في عيد او حتي تعزيته من دون صوت أو حضور.
وصل “الزلزال ” مع إنشار بما يعرف بالهواتف الذكية (Smart phones) التي غيّرت بشكل كبير في نمط حياة الإنسان وطريقة عيشه، وأصبحت رفيق الفرد الذي لا يخرج من البيت او يتحرك إلّا بعد أن يتاكد أنه بصحبته، ناهيك عن المخاطر الصحية والمشاكل الاسرية والمجتمعية المترتبة على الإدمان المفترض لهذا الإستخدام.
نفتخر عندما نرى أطفالنا في أول أعمارهم يُجيدون إستخدام الهواتف والأجهزة الذكية، ونعتبره تقدماً، ونقوم بتشجيعهم على إعتبار ان ذلك يساعد على توسيع مداركهم وإن كان الأمر يصل بهم بعد ذلك الى حد الإدمان. فبمجرد ان تاخذ من الطفل هذا الجهاز يقوم بالبكاء والصراخ، وإن أردت تهدئته تعيده له، وإن أردت اطعامه تقوم اولاً بفتح الجهاز له حتى تتمكن من تغذيته، والطفل لا يدري ماذا يأكل ولا حتى يشعر بطعم الغذاء.
لا نُريد ذكر الأضرار الصحّية بل والنفسية الناتجة من هذا الإستخدام، ومنها الإنطواء، وعدم النوم السليم، وضعف النظر والتركيز، وإبتعاد الاطفال من الألعاب البسيطة المعتادة والتي تؤدي إلى تحريك الجسد بل وتلعب دوراً في تقوية اليدين والرجلين ومنها التعود على المشاركة واللعب مع الكبار والأطفال الآخرين.
على مستوى العلاقات الأُسَرية نرى إنشغال افراد العائلة بهذه الأجهزة في أثناء زياراتهم لصلة الرحم، فبدلاً من الجلوس مع أقاربهم والتحدث اليهم والإستمتاع بالوقت في الطريقة المعتادة، فإننا نرى كل فرد يجلس في إحدى الزوايا وينشغل في إستخدام هذه الأجهزة الي حين الإنتهاء من الزيارة، حتى لو قررت العائلة الذهاب الى أحد المطاعم للتجمع، فنرى الشيء عينه يحدث مع الجميع صغاراً وكباراً في إنتظار حضور المأكولات، ومن ثم العودة الي هذا الإستخدام بمجرد الإنتهاء من الطعام والإنتظار لمغادرة المكان، ناهيك عن حوادث الطرق بسبب إستعمال هذه الاجهزة في أثناء القيادة، وللمشاة من خلال إستخدامهم السماعات المثبتة بالأذنين والمتصلة بهذه الاجهزة.
من يقوم بقراءة هذا المقال يعتقد ان الكاتب ضد التطور، وأنه فقط قام بتسليط الضوء على الجانب السلبي للموضوع ونسي أو تناسى كل إيجابيات التكنولوجيا التي يستخدمها بشكل يومي، وحتى في ادوات وطرق كتابته لهذا المقال. بل ولم يذكر إن كان في الإمكان العودة الى زمن ما قبل هذه الثورة وهل كانت البساطة افضل!
انا اعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وأعشق التكنولوجيا، وأتابع التطور بإستمرار، وإبتعادي منها أصبح مستحيلاً. وأفهم عدم السيطرة عليها كما أشتاق إلى الأدوات البدائية سواء منها ألعاب الاطفال من تركيب مكعبات الي اللعب ب”البنانير” او “الحجلة” الى إستخدام تدريجي للحاسوب منذ انشائه كمن يعيش في هذا العصر ويفضل سماع اغاني زمان التي تحمل في معانيها الكتير من المعاني المفقودة حالياً.
إن مُتغيرات العصر تفرض علينا هذا الواقع، وكما أننا نُقارن الماضي بالحاضر ونتحسر عليه، سوف يكون لأبنائنا والأجيال المقبلة حصة في مقارنة الحاضر بما يخبىء لنا المستقبل من تطور في عالم التكنولوجيا ليبرهن لنا ان عجلة الحياة غيّرت طبائع الناس وطمست الكثير من العادات والتقاليد.

• خبير في مجال التكنولوحيا الرقمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى