لا شرقية ولا غربية

بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*

وفجأة توقّفت “زيتونة”، وقد إختطفها الواقع الكئيب من ثرثرات نسوة أخفين توتّرهن خلف نظارات شمسية قاتمة. “ها هو الموت يقترب”، قالت إحداهن وهي تنظر بعين ذاهلة صوب زوارق إفترشت الماء من كل جناح. وعلى مبعدة ثمانين كيلومتراً من حدود غزة، عقد الصمت شراع سفينة ظنت أنها قادرة على إقتحام كنوز سليمان في غفلة من كهنة المعبد.
لم تقاوم “زيتونة” كما فعلت “مرمرة”، لأن نسوة السفينة تعلّمن من تاريخ الرجال أن الدولارات قادرة على إزالة الدماء المُتخثٍّرة فوق العتبات المُقدّسة، وأن سلطان المسلمين مُستعدٌّ لبيع الأضرحة مقابل صفقات الغاز والسلاح.
وفوق مياه غزة غير الإقليمية، وقفت النسوة كعلامة تَعجُّب لا محلّ لها من التطبيع، تُسائلهن الجغرافيا عن أجنداتهن وولاءاتهن، ويُسائلهن الغزاة عن سر قدومهن من وراء المحيط إلى بلد غير ذي زرع نسيه التاريخ. وأمام قسوة اللحظة أدركت “ميجير ميريد” الفارق بين السلام في شرق إيرلندا والسلام في شرقنا، وأن حصولها على جائزة نوبل في العام 1978 لا يضمن لها خروجاً آمناً من مياه إسرائيل غير المُقدّسة. فالسيف في إسرائيل أصدق إنباء من الكتب والأنواط والجوائز.
وفوق مياه غزة الراكدة، أدركت “ماراما ديفدسون” أن حصانتها البرلمانية لا تتجاوز حدود نيوزيلندا، وأنها أمام قوات خفر السواحل الإسرائيلية مجرد عابثة تتجاوز خطوط التاريخ الحمر.
ولعلّ “جانيت إسكانيلا” تدرك جيداً وهم يقتادونها اليوم نحو ميناء أشدود أن الإرهاب ليس حكراً على المُحَجَّبات وربّات الحجال، ولكنه سبة تطال كل من يتجرأ على الذات السامية المُقدّسة وإن كانت يسارية من السويد.
ولكن ما بال “آن رايت” التي عملت في الديبلوماسية الأميركية ما يربو على تسع سنوات تغامر بتاريخها الحافل بالصور التذكارية وبسمعة زوجها الكولونيل المتقاعد في رحلة محفوفة بالخطر فوق مركب قد لا يعود إلى مينائه الأول؟ لعلّها روح المغامرة التي جعلتها تتقاعد في العام 2003 إحتجاجاً على غزو العراق وقتل المدنيين العزّل هناك بدم بارد.
ولكن ما شعور عجينة والشرباصي وهما يرون النائبة الجزائرية سميرة ضوايفية وهي تترك مقعدها في البرلمان الجزائري شاغراً متنازلة عن راتبها وربما ما تبقى لها من أيام لتطالب بحق نساء غزة في الحفاظ على عذريتهن، وحق رجال غزة في الحياة والحرية؟
وما شعور جيوشنا العربية وهي تقف خلف أسيجتها ترعى، وهي تتابع النسوة اللواتي يأتين من كل فجّ عميق ليدافعن عن مقدساتنا ولا تحرك ساكنا؟ وماذا نقول لنساء غزة اللواتي ينتظرن النساء على الضفة الأخرى من الأمل، بعد أن نفضن أيديهن من الرجال؟
خمس عشرة إمرأة بحجم الحلم يلقيهن القدر دفعة واحدة في محيطنا الراكد، فيحرك دوائر إستفهام كبيرة عن سر صمتنا المريب إزاء كافة الإهانات التي نتعرض لها من الماء إلى الماء .. شعوباً وجيوشاً وحكومات.
خمس عشرة امرأة خرجن من رحم المروءة ليضعننا في بؤرة خجل كبيرة تشمل أوطاناً بأسرها شغلها سعر البترول وسعر العملة وسعر الرغيف عن ممارسة أدوارها النبيلة في محيط يزداد بشاعة كل صباح.
تُرى من سيبكيهن اليوم، وما جدوى البكاء؟

• أديب وكاتب وإعلامي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى