لبنان: تراجع أسعار النفط كبح تفاقم الأزمة الاقتصادية

تقابل إيجابيات أنتجها تراجع سعر النفط العالمي على الدول المستهلكة ومنها لبنان، فرضيات عن سلبيات يمكن أن يفضي إليها على المديين المتوسط والطويل، ما ينسجم مع رأي صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أن التراجع “يخفف كلفة الإنتاج في قطاعات كثيرة ويؤثر إيجاباً في المستهلكين، لكن التأثير يتقلّص مع زيادة خسائر الدول المنتجة”.
وفي لبنان، وفقاً لوزير المال السابق جهاد أزعور، شكّل ذلك “عنصراً إيجابياً ساهم في إبطاء تراجع المؤشرات الاقتصادية وتحديداً في كبح إزدياد العجز في ميزان المدفوعات المتوقع بين ملياري دولار و3 مليارات في العام 2015، استناداً إلى مصرف لبنان المركزي، مقلّصاً قيمة الفاتورة النفطية إلى ثلاثة مليارات دولار بعدما كانت 6.5 مليارات دولار على أساس 110 دولارات للبرميل”. وقال: “أفضى ذلك إلى توفير أعباء على خزينة الدولة، وإلى تحسّن في القدرة الشرائية للمواطن”، مضيفاً عاملاً آخر عزّزها وتمثل في “تراجع أسعار صرف اليورو والمواد الأولية، ما خفّف وطأة التراجع الاقتصادي الذي كان يؤثر في الوضع المعيشي، إذ يستورد لبنان بنسبة 45 في المئة من حاجاته الاستهلاكية من أوروبا”.
وتُضاف إلى العناصر الخارجية، على ما أوضح، “قدرة الاقتصاد اللبناني على التكيّف مع مستوى النمو المنخفض الذي يسجله للعام الخامس على التوالي ويقلّ عن 2 في المئة، وإمكانات المؤسسات الاقتصادية المنتجة على إعادة النظر في أسواقها للتخفيف من انعكاس الاقتصاد عليها، ما ساعد في إبطاء تفاقم الأزمة”. لكن أزعور لم يغفل أن قطاعَي السياحة والعقارات، “كانا الأكثر تأثراً بالأزمة لارتباطهما المباشر بالوضع الداخلي”، واصفاً حال السياحة بـ”المنكوبة”، فيما رأى أن القطاع العقاري يمكن أن “يمرّ في سنوات يشهد خلالها جموداً ليتحرك مجدداً بعدها، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من القطاع ليس مبنياً على الاستدانة، لذا يستطيع المستثمر تحمّل مرحلة الأسعار المنخفضة أو ضعف السوق”.
وفي مقابل إيجابيات انخفاض سعر النفط والتكهنات باستمرار هذه الوتيرة أقلّه على مدى الفصول الثلاثة الأولى من السنة، شدد على ضرورة “متابعة تداعيات هذا الانخفاض في المدى المتوسط على قدرة اللبنانيين العاملين في الدول المنتجة للنفط على الاستمرار في عملية التحويلات”، على رغم إعتباره أن “الوضع السياسي الداخلي إنعكس على تدفق الاستثمارات أكثر كثيراً من تراجع سعر النفط”. وميّز هنا بين “التحويلات المرتبطة بالشريحة التي تحوّل أموالاً لأسرها وأهلها والتي لم تتباطأ ولم تتوقف، وبين تلك التي توظف في القطاعات مثل العقار والتي تراجعت بسبب عدم الاستقرار السياسي”.
وقال “حتى اليوم لم يؤثر التراجع في النمو الاقتصادي في دول الخليج في فرص عمل اللبنانيين، لأن الإصلاحات المالية المرتقبة فيها، والتي برزت في بعضها بإعادة النظر في سياسة الدعم والاتجاه إلى تنفيذ شراكة أوسع مع القطاع الخاص، ستساهم في استقرار الأوضاع وفي خلق فرص لمشاريع جديدة، ما يعني إستبعاد مخاوف على فرص اللبنانيين”.
وأكد ضرورة “التطلع إلى ارتفاع معدلات الفوائد العالمية ومدى تأثيره في الإقبال في الاستثمار في الأوراق اللبنانية أو في الودائع المصرفية، بعدما عزّزت الفوائد العالمية المتدنية التوظيف فيها بفعل العائد المرتفع الناتج من الفارق بينها وتلك المحلية وكانت مغرية للمستثمرين”. وشدّد أيضاً على أهمية “إدارة الإستقرار باعتماد سياسة استباقية على الصعيد المالي للتحوّط لأي تطور سلبي خصوصاً أن إدارة الحكومة للملفات الأساسية لم تكن مشجعة أبداً العام الماضي، والاستفادة من تراجع سعر النفط لمعالجة عجز الكهرباء وعدم استخدام الوفر المحقق منه في مكان آخر غير مجدٍ”.
وخلص أزعور إلى أن الاقتصاد “يملك القدرة على التحمّل ووصل إلى نقطة استقرار ولو كانت هشة، مكّنته من الاستمرار على رغم المؤشرات السلبية”.
وتخوّف رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان صلاح عسيران، من إنعكاسات تراجع سعر النفط هذه السنة “على حركة التصدير إلى الدول المنتجة له، إذ على رغم استفادة لبنان من نتائج هذا الانخفاض على صعيد ميزان المدفوعات وعلى الخزينة اللبنانية”، لم يستبعد “تقلّص الصادرات إلى أسواق مثل دول الخليج التي شكلت رئة الاقتصاد خلال العام الماضي، وأفريقيا الغربية التي تعتمد في دخلها الوطني على عائدات النفط، وبرزت ملامح ذلك في الربع الأخير من العام 2015، بتدني الصادرات 14 في المئة”. وقال: “في حال إستمر التراجع سينخفض التصدير 15 في المئة هذه السنة، وهو رقم مرتفع، نظراً إلى تراجع المتوافر المالي والطلب نتيجة تدني النمو”. ولم ينكر مخاوفه من أن يؤدي ذلك أيضاً في المدى المتوسط إلى “هبوط تحويلات المغتربين والعاملين في الدول المنتجة للنفط”.
وعزا تراجع التصدير إلى دول أفريقية منتجة للنفط إلى “النقص في العملات الأجنبية التي كانت تؤمنها العائدات النفطية المتراجعة، وإلى دول الخليج بفعل توقع هبوط النمو الاقتصادي الذي يفضي تلقائياً إلى تراجع الطلب”.
وفي قراءته نتائج العام 2015، رأى أن ذلك “لم يكن سهلاً على الاقتصاد نتيجة الأزمة السياسية الداخلية وتداعيات الأوضاع الأمنية في دول الجوار، والتي انعكست سلباً على الصادرات الصناعية والزراعية”. إذ لفت إلى “انقطاع شبه كامل عن السوق السورية، وخسارة 90 في المئة من حصتنا في السوق العراقية بسبب عرقلة وصولنا إليها، بعدما قطع “داعش” الطريق بين كردستان وتركيا من جهة والسوق العراقية من جهة أخرى، وكان المسار الذي استفدنا منه لسبعة أشهر، يمر عبر طريق بحرية من طرابلس إلى مرفأ مرسين التركي وبعده براً إلى العراق. وخسر لبنان أيضاً السوق اليمنية التي كنا نصدّر إليها بقيمة 30 مليون دولار سنوياً، وأكثر من 80 في المئة من السوق المصرية التي تعاني من ندرة في العملة الصعبة وتحديداً الدولار، نتيجة التراجع الملحوظ في حركة السياحة وكانت مصدراً للعملات الصعبة، وأكثر الصناعات تأثراً هي المولدات والمحولات الكهربائية والأسمدة”.
وكشف أن تركيا “تعمل بإجراءات مشكوك فيها، وهي أقل الدول عدالة في المعاملة بالمثل، إذ لا تسمح باستيراد أي سلعة تُصنّع لديها، ما يخالف شروط اتفاق التجارة الحرة. في حين زاد تصدير منتجاتها في ظل غياب إجراءات حمائية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى