لبنان: تَمَخَّضَ الجَبَل فَوَلَدَ فأراً

بقلم عرفان نظام الدين*

السؤال المؤلم الذي أُثيرَ ليل الثلاثاء الفائت (21/01/2020) على كل لسان في لبنان هو: هل من أجل هذا النشاز والتَجَاهُل لإرادة الشعب قامت الثورة الرائدة ودُمِّر ما بقي من  اقتصاد البلاد، وأُفقِرَ العباد، وطُرِدَ مَن طُرِد من عمله، وأُغلِقَت مؤسسات وشركات؟

وهل من أجل هذه الحكومة الهجينة ورئيسها حسان دياب الذي أُلِّفت له كشاهد زور تَرَكُوا له مهمة البصم ثار الشعب وانتفض على الفساد والهدر وطالب باسقاط النظام حاملاً شعار “كلهن يعني كلهن”، فإذا بكل شيء يتوقف عند استقالة الرئيس السابق سعد الحريري وحكومته كأنه كان الوحيد المقصود بحمل الأوزار بينما يبقى كل شيء على حاله من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وكبار الموظفين المتهم منهم والبريء؟

حكومةٌ غريبةٌ عجيبة تُمثّل لوناً واحداً وفريقاً واحداً، وتخضع لطرف  أساسي قوي هو “حزب الله”. ورغم ذلك إستغرق تشكيل  الحكومة أسابيع عديدة، “تناتش” فيها الحلفاء الحقائب والمغانم، إلى أن فُرِضَ الحل فرضاً ليرضخ رئيسها رغم مقاطعة طائفته السنية الرئيسة، وتجاهل الحراك باستبعاد رموزه من الحكومة.

حكومةٌ ستُدار ب”الريموت كونترول” لأنها لن تتمكّن من إدارة الأزمة لوحدها، بل تحتاج إلى بوصلة خارجية وتمضي في طريق الأخطاء والخطايا التي درجت عليها الحكومات السابقة من دون أن تتعلّم من الدروس والعبر، ولا من نبض الشعب وصوته المدوّي.

ومهما قيل عن أهداف التشكيل، فإن من الواجب القول أن قبول هذه الصيغة سيكون مستحيلاً ويُضعف إمكانات حصولها على الثقة في البرلمان، وقبلها  ثقة الشعب المُنتَفض الذي لم يعد يملك شيئاً من حقوقه وأمواله وجُرِّدَ حتى من الأمل.

فقد سادت خيبة أمل كبيرة على وجوه الجماهير بعد أن تَمَخَّضَ الجبل فوَلَدَ فأراً، خصوصاً وأن الإقتصاد قد دُمِّرَ، وأن المصارف شبه مشلولة وجمّدت ودائع المواطنين وبينهم  فقراء وأصحاب معاشات تقاعدية ومُدَّخرات تركوها لآخر العمر.

والاهم من كل ذلك فقدان الثقة بلبنان واقتصاده ومصارفه، ما يعني أنَّ من المستحيل جذب استثمارات جدية لسنوات مقبلة أو الحصول على مساعدات وهبات وقروض في بلد وصل حجم ديونه الى حوالي ١٠٠ مليار دولار  .

حتى ثقة المواطن اللبناني مفقودة خصوصاً من المغتربين الذين كانوا يَضخّون في لبنان أكثر من سبعة مليارات دولار، منها تحويلات تُنعِش حياة عشرات الالاف من الأهالي وتُحرك الإقتصاد وتُخفف من حدة  الأزمة .

وهكذا يبدو أن حالة حافة الإنهيار ستنتقل الى مرحلة جديدة ودقيقة بعد أن تحوّلت من مجرد أقوال ونظريات إلى حقيقة لا مجال لإنكارها … فماذا ستُحقّق هذه الحكومة؟ وكيف ستكون ردات الفعل الداخلية والخارجية؟ وهل ستقبل ثورة لبنان الخضوع مرة اخرى للأمر الواقع القائم على الإستهتار بحقوق الشعب وتطلعاته والتوجه الى حكومة اللون الواحد بدلاً من حكومات الوحدة الوطنية والحد الأدنى من التضامن.

كل المؤشرات تُشير الى أن الثورة ستشهد تصعيداً بشكل أو باخر بعدما بدأت الشوارع تكتظ بالمُعتَرضين وسط مخاوف من الآتي الأعظم، وندعو الله ألّا يكون العنف عنوانه، مع دعاء دائم بان يحمي الله لبنان ويُنجّي شعبه من الفتنة المُدَبَّرة، والإستهتار به وبمطالبه المُحِقّة.

  • عرفان نظام الدين كاتب وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى