بَعدَ الهُدنة: تَصعِيدٌ أم تَبرِيد؟!

عرفان نظام الدين*

نجحت الهُدنةُ الأولى في قطاعِ غزّة جُزئيًا في التقاطِ الأنفاسِ وتَبريدِ الأجواءِ من دون أن تُعطِيَ انطباعًا أو تلميحاتٍ إلى وَقفِ الحرب الإسرائيلية، أو التَمهيدِ لحلولٍ تَضَعُ حدًّا لماساةِ الشعب الفلسطيني.
المُلفِت في العملية هو تنفيذُ بنود الصفقة بانتظام دقيق، رُغمَ التأخير الذي حصل في اليوم الثاني من جانب “حماس” في تسليم الدفعة الثانية من الأسرى الإسرائيليين. وهذا يعودُ إلى نجاحِ الوسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة وضغوط الرئيس جو بايدن، إضافةً إلى حاجة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لحلّ قضية الرهائن والأسرى لتخفيف الضغوط الشرسة ضده التي كادت أن تطيحه.
بدايةٌ متواضِعة ونجاحٌ جُزئي للمرحلتين الأولى والثانية بدون تحديدِ مَسارِ خارطة الطريق حسب نوايا كلّ طرف، فهناك مراحل اخرى تُحدّدُ إمكاناتِ الانتقال إلى طَرح مبادرة واضحة للتفاوض بين إسرائيل وحركة “حماس” حسبما لمّحَ الرئيس بايدن حول إمكان توسيع بنود الصفقة للوصول إلى حلٍّ يوقفُ الحربَ الجائرة ويُنهي ماساة أهلنا في غزة.
وبالطبع فإنَّ هذا الأمرَ يَحمُلُ في طيّاته صعوبات جمّة إن لم يكن استحالة نظرًا للنوايا الإسرائيلية الخبيثة والبدء بتنفيذ المؤامرة التي تكشّفت تفاصيلها ومنها: تقسيم غزة إلى شمالٍ وجنوب مع تركيز دعائم الاحتلال ببقاء القوات الاسرائيلية إلى أجَلٍ غير مسمى؛ المرحلة الثانية تقوم على تهجير مئات الألوف من اللاجئين إلى صحراء سيناء وتحويل الجُزء المحتل من غزة إلى كيان احتلال وتهويده.
ولكن ما هي إمكانيات تنفيذ هذه المؤامرة؟ مهما استخدمت إسرائيل من قوة مُفرِطة فإنّها ستفشل بعد أن فشلت الحرب البرية رُغم حجم الدمار والتهجير لأسبابٍ عدة بينها تهالك الاقتصاد إذا طال أمدُ الحرب، وعدم القدرة على مواجهة حرب شوارع تُسقِطُ المزيدَ من القتلى والجرحى الإسرائيليين إضافةً إلى المأزق الذي ينغص حياة نتنياهو.
أما الأسبابُ الأخرى للفشل فهي: رفض مصر والأردن القاطع لتهجير أي فلسطيني؛ إصرارُ الرئيس الأميركي على رفض خطة التهجير وطرحه مبادرة لمفاوضاتٍ شاملة تطرحُ حلّ الدولتين؛ تغيّرُ اتجاهات المجتمع الدولي لدعم اسرائيل وتزايد المعارضة العربية والشعبية للغزو الوحشي.
لهذا يجب انتظارُ مسارَ مجريات الهدنة وإمكانات تمديدها وسط سباق محموم بين الحلِّ السلمي واستئناف الحرب التي ستكون شرسة ومُوَسَّعة لتشمل لبنان ومناطق أخرى وتضع العالم كله في دائرة الخطر.
أما الحلول المطروحة فلم تختمر بعد وتتراوح بين تسليم السلطة الفلسطينية مقاليد غزة وبين إرسالِ قواتٍ دولية للإشراف على الأمن وهي تواجَه بمعارضةٍ وصعوبات. ومن جهتها تطرحُ إسرائيل ملامح حلٍّ شبيهٍ بعملية إجلاء المقاومة الفلسطينية عن بيروت في العام ١٩٨٢، أي بإخراج حركة “حماس” من غزة بعد تسليم أسلحتها وجعل القطاع منطقة منزوعة السلاح. وكلُّ هذه مُجَرد أفكارٍ لحلولٍ ينقصها الدعم والغطاء العربي والدولي. وما علينا إلّا انتظار نتائج السباق المحموم بين السلام والحرب ونضع أيدينا على قلوبنا خوفًا وقلقًا من اتساعِ الحرب وتوسيع رقعة الدمار… ويا أمان الخائفين.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى