حَربُ غزّة لها تَداعِيات، والحربُ في لبنان لَيسَت واحدةً منها في الوَقتِ الراهن
مايكل يونغ*
لا يزالُ لبنان جبهةً مَنسيةً في الحرب المُستَمرّة في قطاع غزّة، على الرُغم من مقتلِ أو جرح أكثر من 1300 لبناني، من المدنيين والمقاتلين، منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر)، وتهجير أكثر من 93,000 شخص، ومواجهة العديد من القرى الحدودية الجنوبية الدمار الكبير. ومع ذلك، يعتقدُ بعضُ المُراقبين أنَّ هذه قد تكون البداية فقط بمجرّدِ انتهاءِ العمليةِ العسكرية الإسرائيلية في غزّة.
ويتلخّصُ مَنطِقُ هؤلاء في أنَّ إسرائيل، بعد أن تَفرُضَ إرادتها في القطاع، سوف تجدُ حافزًا لفعلِ الشيءِ نفسه في لبنان، وخصوصًا للسماح لعشرات الآلاف من سكانها في الشمال الذين تمَّ إجلاؤهم بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) للعودة إلى ديارهم. بالطبع، في النهاية لا بدَّ من التوصّلِ إلى نوعٍ من الاتفاق، حيث أنه من غير المرجَّح أن يقبلَ الإسرائيليون العودة إلى الوَضعِ الذي كان قائمًا على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
مع ذلك، هناكَ عواملُ عدّة قد تُعَرقِلُ هذا التوقّع. العاملُ الأوّل والأكثر وضوحًا هو أنَّ القتالَ في غزّة لم ينتهِ بَعد، ولا يبدو أنه يقترب من نهايته. والأهم منه أنَّ هذا قد أدّى إلى انقساماتٍ داخل الحكومة الإسرائيلية، وبين الحكومة والجيش، حولَ ما يجب أن يأتي بعد ذلك. يرفضُ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسليم السلطة إلى إدارةٍ فلسطينية في غزة، الأمرُ الذي تركَ جيشه يُقاتلُ من دونِ نهايةٍ سياسيّةٍ واضحة.
في ضوءِ ذلك، يبدو من غير المُرَجّحِ أن نكونَ على أعتابِ حَربٍ لبنانية. علاوةً، فإنَّ العواقبَ الإقليمية المُترتّبة على مثل هذه الحرب ستكون وخيمة، في وقتٍ تسعى الولايات المتحدة من جهة، وإيران و”حزب الله” من جهةٍ أخرى، إلى تجنُّبِ أيِّ تصعيدٍ قد يؤدّي إلى حريقٍ إقليمي. إنَّ تبادُلَ إطلاقِ النار الأخير بين إيران وإسرائيل، والذي بدا وكأنّهُ مُصَمَّمٌ لتجنُّبِ الأسوَإِ، أكّدَ من جديدٍ إحجامَ جميع الأطراف عن الانخراطِ في تصعيدٍ كارثي.
ولكن ربما تكون هذه هي النتيجة إذا فعلت إسرائيل في لبنان ما فعلته في غزة. في حالِ تعرّضَ “حزب الله” لتهديدٍ جدّي، فإنَّ إيران لن تقفَ مكتوفةَ الأيدي وتسمحَ بحدوثِ ذلك. فهي لم تفعل ذلك عندما كان الرئيس السوري بشار الأسد في خطر قبل عقد من الزمن، ومن المؤكّد أنها لن تفعل ذلك إذا كان حليفها اللبناني في خَطَر.
لكن هناكَ أيضًا قضايا أوسع نطاقًا. كانَت للصراعِ المُستَمِرّ منذُ ما يقرب من ثمانية أشهر في غزة تداعياتٌ كبيرة مُثيرة للانقسام في جميع أنحاء العالم، وخصوصًا في الدول الغربية. ويبدو من غيرِ المُحتَمَلِ أن تكونَ لدى إسرائيل الحرّية الكافية للشروعِ في حربٍ كبرى في لبنان بعد وقتٍ قصير من غزة، حربٌ يُمكنُ أن تكونَ أكثرَ تدميرًا وأطولَ أمَدًا.
لا شيءَ يمنعُ إسرائيل من الغزو، ومن غير المُرجَّح أن تتركها واشنطن في مأزق. مع ذلك، نظرًا للغضبِ السائد في إدارة جو بايدن بسبب رفض نتنياهو تقديم خطّةٍ سياسية واقعية لغزة، فمن العدل الافتراض أنَّ الأميركيين سيُفكّرون طويلًا ومَلِيًّا قبل دَعمِ عمليةٍ إسرائيلية كبيرة في لبنان عندما تظلُّ النتيجةُ غير مؤكَّدة والمخاطرُ عالية جدًا.
إنَّ تداعياتَ حربِ غزة، وخصوصًا القتل الوحشي الذي ارتكبته إسرائيل لما يزيد عن 35 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وفقًا للسلطات الصحّية المحلية، تسببت في إحداثِ احتجاجات في العواصم الغربية، وبخاصة في الجامعات. ومن المُحتَمَلِ أن يُكلِّفَ ذلك بايدن إعادة انتخابه، حيث يَحرُمُ الأميركيون العرب والمسلمون والعديد من الناخبين الشباب الرئيس من أصواتهم احتجاجًا على سياساته في غزة. وهذا قد يُفقِدهُ الولايات المُتأرجِحة الرئيسة.
حتى في إسرائيل، لا بدَّ أنَّ هناكَ قدرًا كبيرًا من الإرهاق من حربِ غزة، وهي واحدة من أطول الحروب التي خاضتها الدولة العبرية على الإطلاق. إنَّ اتباعَ ذلك على الفور بحملةٍ أكثر تعقيدًا في لبنان يُمكِنُ أن يُثيرَ ردَّ فعلٍ سلبيًا من جانب الإسرائيليين. وفي حين تُظهِرُ استطلاعاتُ الرأي أنَّ الكثيرين من الناخبين سيؤيّدون الحرب، يعتقدُ عددٌ كبير منهم أيضًا أنَّ نتنياهو يُطيلُ أمَدَ القتال للبقاء في منصبه.
مع ذلك، حتى لو لم يوافق الأميركيون على توسيع نطاق الحرب، فإنَّ هذا لا يعني أنهم سيعارضون تصعيدًا محدودًا على طول الحدود يهدف إلى جعلِ “حزب الله” أكثر مرونة في المحادثات حول الترتيبات الأمنية الجديدة مع إسرائيل. في الواقع، قد يكون مثل هذا السيناريو حتميًا، ويرجعُ الأمرُ جُزئيًا إلى أنَّ “حزب الله” قد ساعدَ على تحقيقِ ذلك.
عندما زار المبعوث الأميركي آموس هوكستين بيروت قبل بضعة أشهر، قيلَ له إنَّ “حزب الله” لن يُناقِشَ أيَّ شيءٍ قبلَ انتهاءِ الحرب في غزة. ووافقَ هوكستين على هذا الشرط، مُدرِكًا أنه بمجرّدِ استيفائه، فإنه سيسمح لإسرائيل بنقلِ قواتٍ إلى الحدود اللبنانية وزيادة النفوذ الأميركي والإسرائيلي في تحديدِ واقعٍ جديدٍ في المنطقة.
مع ذلك، إذا كان هذا هو تفكيرُ الأميركيين، فإنهُ يُشيرُ إلى أنهم والإسرائيليين يُفضّلون في نهاية المطاف المحادثات على حرب واسعة النطاق. ويتمثّل هدفهم، الذي يعكس المُقترحات الأميركية والفرنسية، في انسحابِ وحدات النخبة ل”حزب الله” من الحدود، وإن لم يكن بالضرورة إلى نهر الليطاني كما هو مُبَيَّن في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى حرب لبنان في العام 2006؛ انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية؛ مزيد من الحرية لقوة الأمم المتحدة في جنوب لبنان؛ إنهاء التحليق الجوي الإسرائيلي؛ وترسيم الأجزاء المتنازع عليها من الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
سوف يرفضُ “حزب الله” علنًا عددًا من هذه الشروط. ومع ذلك، فمن المُحتَمَل أيضًا أن يحسبَ أنه يمكن التلاعبُ بالعديدِ منها لصالحه. على سبيل المثال، لن يمنعَ الجيش اللبناني أبدًا الشباب الشيعة من دخولِ القرى الحدودية التي هي موطنهم الأصلي. وهذا يعني أن الحزبَ، مقابل تنازلاتٍ شكلية تؤدّي إلى الهدوء على طول الحدود (تهدئة رغبات الحزب)، سيحتفظُ مع ذلك بطريقةٍ لإعادةِ انتشارِ أعضائه خلسةً في المناطق الحدودية.
من الخطَإِ أن نؤكّدَ بثقة زائدة أنَّ حربَ لبنان لن تندلع، لأنَّ كلَّ شيءٍ من المُمكِنِ أن يسوءَ في الشرق الأوسط هذه الأيام. ومع ذلك، فإنَّ العناصرَ التي تعملُ ضدَّ صراعٍ واسع النطاق لا تقلُّ قوّةً عن تلك التي تعمل لصالحِ صراعٍ واسع النطاق. والوقت سيُحَدِّدُ النتيجة التي ستسود.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.