لوليتا… لوليتا… عروس الحب الممنوع (3 من 3)

“لوليتا” في فيلم أَدريان لاين

هنري زغيب*

لِماذا قامت هذه الضجة عند صُدُور رواية “لوليتا” سنة 1955؟

كانت صادمة في أوساط القرَّاء، كما سنقرأُ في الخريف قريبًا (تشرين الأَول/أكتوبر المقبل) في “يوميات” فيرا يـيـفْـسـيــيــڤــنا نابوكوڤ (5 كانون الثاني/يناير 1902-7 نيسان/أَبريل 1991) زوجة الروائي الشهير ڤلاديمير نابوكوڤ (22 نيسان/أَبريل 1899- 2 تموز/يوليو 1977).

ماذا في هذه “اليوميات”، وفي صفحاتها أَضواء غير معروفة على رواية “لوليتا”. ولِـمَ كل تلك الضجة عند صدور رواية “لوليتا”؟

“لوليتا” على المسرح

أَصداء “لوليتا”

في مقال كتبه براين بُوْيْدْ (أُستاذ الأَدب في جامعة أُوكلند-سكوتلندا، والمتخصِّص في نابوكوف سيرةً ومسيرةً) جاء أَن نابوكوف قال سنة 1947 لصديقه الكاتب والناقد الأَدبي والصحافي إِدموند ولسون (1895-1972) إِنه يكتب نصّين: الأَول قصة قصيرة عن رجل كان مغْرَمًا بالفتيات القاصرات سيُعَنْوِنُها “المملكة البحرية”، والنص الآخر شكلٌ جديد من سيرة ذاتية سيُعَنْوِنُها “الرجل المعنيّ”. من هنا أَن الإِلماح إِلى تلك القصة الباكرة في بال نابوكوف، كانت من تأْثير آلن بو في قصيدته.

ومن التأْثيرات أَيضًا أَن نابوكوف، تمامًا مثل الروائي الإِيرلندي جيمس جويس (1882-1941) وروائيين معاصرين آخرين، كان معروفًا بإِلْماحه إِلى كُتَّاب آخرين وبمقاطع ساخرة من كتاباته. من هنا استمدَّ بعض خيوط روايته “لوليتا” من قصص أُخرى، بينها قصص وروايات فرنسية من غوستاف فلوبير ومرسيل بروست وميريميه وبلزاك وسواهم.

ومن الذين تأَثَر بهم نابوكوف أَيضًا: الكاتب فرانز كافكا (1883-1924) أَحد أَبرز كُتَّاب القرن العشرين. وكان نابوكوف معجَبًا به ويُدرِجُه في ذكْره مع جويس وبروست.

“لوليتا” مسرحية غنائية

شهرة “لوليتا” خارج الكتاب

رواية “لوليتا” (اسم الدلال الإِسباني لدولوريس) أَثارت جدَلًا كبيرًا عند صدورها، لنَسْجها قصةَ المدرّس الخمسيني همبرت همبرت وعلاقته الغرامية الصاعقة مع ابنة الثانية عشرة دولوريس هاز، وخطفه إِياها وتحرُّشه بها بعد زواجه من أُمها.

تحوَّلت الرواية مرتين إِلى فيلم سينمائي: الأُولى سنة 1962 مع المخرج ستانلي كوبريك، والأُخرى سنة 1997 مع المخرج أَدريان لاين. كما تحوَّلت مسرحيًّا أَكثر من مرة، ومرتين للأُوبرا، ومرتين للباليه، ومرةً لمسرحية غنائية في برودواي. وكثيرًا ما خرَجت في لوائح أَفضل الكتب (منها لائحة جريدة “التايمز” لأَفضل 100 رواية، وجريدة “لو موند” لأَفضل 100 كتاب في القرن العشرين، وسواهما).

أَنهى نابوكوف كتابة الرواية في 6 كانون الأَول/ديسمبر 1953 بعد استغراقه خمس سنوات في كتابتها. ولأَن موضوعها جريْءٌ ومناقضٌ محرَّماتٍ وممنوعاتٍ، كان ينوي إِصدارها باسم مستعار: “فيفيان داركْبْلوم”. رفضَت أَكثر من دار نشر أَميركية إِصدارها، فتحوَّل إِلى فرنسا وقدمتْه الكاتبة والمترجمة دوسيا إِرغاز إلى دار “أُولمبيا” للنشر، فقبِلَتْها ونشرتْها باسمه الصريح، وصدرت بالإِنكليزية في أَيلول/سبتمبر 1955 بغلاف أَخضر. وسرعان ما نفدَت طبعتها الأُولى من 5000 نسخة، من دون أَي مقال حولها، إِلى أَن صدَر في نهاية 1955 مقال في لندن نشره الروائي الإِنكليزي غراهام غرين (1904-1991) في جريدة “صانداي تايمز” معتبرًا أَن “لوليتا” بين أَفضل ثلاث روايات لسنة 1955.

“لوليتا” في الترجمة العربية

لوليتا “الممنوعة”

غير أَن جوردان غرين (رئيس تحرير “صاندي إِكسبرس”) هاجم الكتاب واعتبره مُـخِلًّا بالأَخلاق ومضرًّا للجيل الجديد، ما استدعى صدورَ أَمرٍ رسمي لموظفي الجمارك بمنع دخول الكتاب إِلى المملكة المتحدة.

في فرنسا كذلك، أَصدر وزير الداخلية أَمرًا بمنع انتشار الرواية في البلاد، واستمر المنع نحو سنتين.

وكان لتوَلِّي منشورات “وايندفيلد ونيكولسون” إِصدارها في لندن سنة 1959 جدَل واسع أَدَّى إِلى محاكمة نيغل نيكولسون (أَحد شريكَي دار النشر) وإِنهاء حياته السياسية.

ثم صدرَت للرواية ترجمتان: هولندية وأَلمانية، وأُخْـرَيَان سويديتان رفضَهما المؤَلف لسوء ترجمتهما، فأُتلفَت نُسَخُهما جميعًا.

انتشار أَقوى من المنع

بالرغم من تلك المخاوف لدى الناشرين الأَميركيين، صدرَت الرواية لدى منشورات پوتنام في آب/أُغسطس 1958، ونفدَت نسخُها كليًّا فصدرت لها 3 طبعات في مدى أَسابيع قليلة، وبلغَت مبيعاتها 100،000 نسخة في أَول ثلاثة أسابيع، وهو أَعلى رقم مبيعات منذ صدور رواية “ذهب مع الريح” (1936) لمارغريت ميتشِل (1900-1949).

سنة 2007، في إِحصاء عالَمي لـ”أَفضل 100 رواية في القرن العشرين”، احتلَّت “لوليتا” المركز الرابع، واعتُبرت إِحدى أَكبر الأَعمال الأَدبية في تاريخ الأَدب العالَمي.

وفي الأَدب العربي كذلك

كان للرواية تأْثير كبير لدى صدورها بالعربية، في ترجمة سهيل إِدريس الذي أَصدرها في “دار الآداب” – بيروت سنة 1988 في 406 صفحات، وأَعاد طباعتها مرارًا لرواجها الواسع في أَرجاء الدول العربية.

كما كانت لوليتا موضوع قصيدة شهيرة لنزار قباني بالعنوان ذاته، جاء فيها:

“صار عمري خمسَ عشْرة

صرت أَحلى أَلف مرة

لم تَعُد تقْنعني قطعةُ سكَّر

ودمًى تطرحها بين يديّ

صرت أَنتَ اللعبة الكبرى لديّ

لا تعاملْني بشكل أَبَويّ

فلقد أَصبح عُمري خمسَ عشْرة”…

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى