مَوبوؤون بلا وباء، إرحمنا يا الله!

بقلم البروفسور بيار الخوري*

تخرج الشابة الصينية لتتسوَّق أغراض المنزل في أحد شوارع المدينة الراقية الناطقة بلغة الضاد، يلحظها البائع فيُطلق العنان لموروثه الغرائزي صارخاً: “كورونا”.. “كورونا”!!  ويعلو صراخه المسعور من حنجرة تستمد جبروتها من مناداته على بضاعته.

تنتشر نكاتٌ كثيرة على مواقع التواصل الإجتماعي تُحوّل مأساة الوباء إلى تندّر تَهكُّمي فيه من فراغ النفس قدر ما فيه من السطحيّة العنصرية.

صحيحٌ أن رهاب كورونا ينتشر بشكلٍ واسع في أصقاع الأرض، لكن خلف ذلك الرهاب ميولٌ في النفس البشرية يصعب تفسيرها بالخوف وغريزة البقاء.

إنَّ النزعة العنصريّة في الغرب مفهومة، رغم كونها غير مُبرَّرة. مفهومة لأن الأمم الكبرى يَحكُمها رهابٌ أكثر عمقاً هو رهاب صراع الأمم. تلك أممٌ تعرف أن أمةً بَنَت نفسها بالعَرَق والتضحيات الكبيرة قد تفوّقت على أممٍ حكمت حركة التاريخ من عروشها منذ مئاتِ السّنين.

ليس ما كتبته مجلة “دير شبيغل” الإلمانية وصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، ولا ما قاله وزير التجارة الأميركي ويلبر روس، ولا ما ذكره المواطنون الصّينيّون عن الاضطهاد الذي يتعرضون له في شوارع متروبولات الغرب غير مفهوم.

لأن ذلك تعبيرٌ عن غضب دفين، غضب السيّد الذي يرى أبناء الفلاحين قد تعلموا وبرعوا وسبقوا أبناءهم. غضب أسياد العالم الذين امتصوا دماء شعوب الكوكب، وهم يرون الآن المارد الذي اضطُهِدَ طويلاً يعود مارداً.

نفهم عنصرية “المتروبول” ولكن لا يُمكِن فهم عنصريّتنا. ما هو ذلك المجد الذي سلبه الصينيون منّا؟ ما هي تلك الأسواق والخيرات العالمية التي كنا نسيطر عليها وطردنا الصينيون منها؟ ما هو ذلك التفوّق العلمي الذي كنا نحوذه فقارعنا الصينيون به؟ أم انه تعاطفنا مع مسلمي الإيغور الذين لم نعرفهم يوماً قبل أن تُنبِّهَنا إلى وجودهم المصالح الغربية؟ ( لقد أرسل الله كورونا إنتقاماً للإيغور! مهلاً أين يعيش الإيغور؟ على القمر؟ أليسوا صينيين مُعرَّضين للوباء؟)

شابٌ من “لاوس” يعيش في أوروبا يقول على صفحته: أنا أفتخر حين ينظر إليّ الناس وفي عيونهم الخوف من كورونا، لأني أحسُّ أنهم لا يُميّزون بيني وبين الصينيين. أنا أفتخر بجنسيتي، لكني أعرف ان احترامهم للصينيين يفوق خوفهم منهم وهذا امتياز لا يحوزه أبناء بلدي.

يُقيم الكوريّون عرساً جماعياً بالكمامات والقفازات تضامناً مع ضحايا الوباء وتتلهى شعوب أخرى بالتهكم الغرائزي.

“انا لستٌ وباءً” يقولوها الصينيون المهاجرون، لا لاستعطاف انسانيتنا بل لتذكيرنا أننا بشرٌ.

نحن أضعف حتى من أن نمتلك حق التهكّم. لا تتهكّم كي لا يبتليك الله بأدهى على مَن تتهكّم أو مما تتهكّم عليه، يقول كبار السّن. يا رب العرش لا تدخلنا في التجربة فنحن موبوؤون بلا وباء.

“الحكمُ عليك يتوقف على مدى قوتكَ” – جان دو لافونتان.

  • البروفسور بيار الخوري هو كاتب في الإقتصاد السياسي ونائب رئيس الجمعية العربية – الصينية للتعاون والتنمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى