لا بلادهم… ولا شعبهم

بقلم راشد فايد*

أسبوعٌ، ويَنقَضي شهرٌ على تصدّي الرئيس سعد الحريري لمهمة تشكيل حكومة جديدة، والأسبوع نفسه، ليمر الشهر الثالث على استقالة حكومة الدكتور حسان دياب. قبلهما، كان الحدث التاريخي انفجار مرفأ بيروت، الذي غطّى غباره كل المآسي الوطنية السابقة، التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكنه لم يمح الصِغر الذي يسم الحياة السياسية منذ جاء أهلها من حواجز الميليشيات الى تحت قبة البرلمان، وجلبوا معهم منطق الأتاوة السياسية الى جانب الأتاوة المالية التي اتقنوها، لا تأخذهم عنها “سنّة ولا نوم”، ويمر دمار بيروت، بكل منهم، وكذا انهيار الليرة، وكوفيد 19، والجوع، “ووجهه وضاح وثغره باسم”، كأنما هذه مآسٍ في بلاد أخرى، وضحيتها شعب لا صلة لهم به.

ما حرّك الحياة السياسية، مع اقتراب العام الأول للإنتفاضة، كان مجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت ليستنجد، من أجل لبنان، بما ترسّب من الوطنية المُفتَقَدة لدى الطبقة السياسية، فانصاع الجميع لاستدعائه إياهم الى قصر الصنوبر ليكرز فيهم ويُلقّنهم درساً في الوطنية علّها تدفعهم الى تشكيل حكومة جديدة، تتبنّى برنامجاً إصلاحياً، لا يحتاج استنباطه عبقرية خاصة، لشدّة وضوحها، من فضيحة الكهرباء المتمادية، الى الفساد المالي الاداري، الى التحقيق الجنائي في دور مصرف لبنان، والمعابر الشرعية وغير الشرعية للتهريب الى سوريا، من الدولار الاميركي، الى الفيول، والكبتاغون، وكذا المساعدات الدولية والأممية التي تحوّلت الى مادة نهب مالي تحت أنف الدولة “القوية” وفوقه.

كان مفاجئاً ان يتجاوب الجميع مع “إرشاد” ماكرون، لا سيما “حزب الله” الذي تمثّل بالاعلى مرتبة سياسية لديه، وهو النائب محمد رعد رئيس كتلته النيابية، لكن، وعلى طريقة “خُذ وطالب” التي اختطها رئيس تونس الراحل، الحبيب بورقيبة، كان دأب الحزب، منذ صلب عوده، في الثمانينات من القرن الفائت، أن يواجه الأمور، إذا تعقدت، بمنطق تمرير العاصفة، ليطْبق على مسارها لاحقاً، إما بحركة مباشرة منه، خصوصا في الشارع، أو بـ”تشغيل” أدواته، كما حين استخرج من قبعه الحاوي “التكتل التشاوري” السنّي في مجلس النواب، وألحقه بالصاق شتات نواب بالنائب طلال أرسلان لاستيلاد “كتلة ضمانة الجبل”، ليعطل ولادة حكومة العهد الاولى 9 أشهر.

عملت القوى المُتمكّنة على إفراغ المبادرة من محتواها، برغم أنها، تُمدّد حياة الطبقة السياسية، وتُعطي شرعية دولية للحزب، ما اضطر ماكرون إلى العودة، ثم كان أن شجع الرئيس الحريري على التقدم بمبادرة لتشكيل الحكومة. لكن من الواضح أن الحزب يقود، من الخلف، تمديد عمر التكليف حتى تنجلي الصورة الدولية بالإنتخابات الرئاسية الأميركية، لعل موازين القوى تتيح له وضعاً أفضل، سواء مع دونالد ترامب، إن عاد، أو مع جو بايدن إن وصل.

في الإنتظار، يُحاول التحالف الشيعي تثبيت تعديلات على اتفاق الطائف، ليس أقلها شيعية وزارة المال.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى