الصحافة النسائية وتسخيف عقل المرأة!
بقلم جوزف قرداحي
في العام 1982، كانت مجلة “الحسناء” اللبنانية كغيرها من المجلات الفنية والنسائية، تلملم أنفاسها وتنفض عن مكاتبها غبار الحرب جراء الإجتياح الإسرائيلي الذي وصل الى بيروت، وكان صاحبها الشيخ عفيف الصايغ، يواكب الحدث ويتابع المسائل والقضايا الإجتماعية الإنسانية من خلال التحقيقات الميدانية في مجلته ذات الطابع النسائي– الفني. وكنت حينها في بداية عهدي بالصحافة الفنية، حين طرحت عليه فكرة تغطية النشاطات السياسية في قالب إجتماعي، إنطلاقاً من مبدأ أن السياسة “إبنة المجتمع” وأن السياسي يتعاطى الشأن الإجتماعي من خلال نشاطاته. وإقترحت عليه تغطية الحدث الأبرز الذي ينتظره اللبنانيون ويتابعونه بأمل كبير، وهو حفل قسم يمين رئيس الجمهورية الشيخ أمين الجميل، الذي فاز بأعلى نسبة من اصوات النواب، مبايعة له وكتعويض معنوي عن إستشهاد شقيقه الرئيس المُنتخَب الشيخ بشير الجميل.
توجهتُ الى وزارة الدفاع في منطقة اليرزة بعدما إستحصلت على إذن من مجلس النواب لتغطية جلسة القسم، ودنوت من أحد رجال الأمن الذين كانوا يحرسون القاعة التي تُعقد فيها جلسة القسم، مبرزاً التصريح. ولكنه نظر إلي بدهشة، وقال ساخراً: “منذ متى صارت النساء تهتم بالسياسة!”، وقبل ان يأذن لي بدخول القاعة، تصاعدت قهقهات ساخرة من عدد آخر من رجال الأمن فور معرفتهم بهوية المجلة التي أمثّلها. الأمر الذي جعل بعض الزملاء يبادر الى تهدئة خاطري، فقال لي أحدهم ممازحاً: “سامحك الله، بدلاً من أن تبحث عن المتاعب في أحضان الجميلات، جئت تبحث عنها هنا، بين هؤلاء الخناشير!”. وقال لي زميل آخر: “عالمان متناقضان مع أنهما يلتقيان في بعض الجوانب: السياسة والفن… فالفضائل في السياسة مهما كانت نبيلة هي رذائل، فيما الرذائل في الفن مهما كانت قبيحة فهي فضائل!”.
حكمة فيها شيء من الماكيافيلية، رواها لي زميل في ذلك الوقت المبكر من حياتي المهنية، حفظتها عن غيب، وجعلتني ألتصق اكثر بالصحافة الفنية، وأنستني الألم الذي أصابني في حفل القَسَم الرئاسي جراء القهقهات الساخرة من رجال الأمن، الذين عذرتهم، بُعيد إكتشافي عالم النساء الحقيقي في الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه، وللأسف الشديد… عالم بأمه وأبيه، عطّله عقل الرجل وتربيته في مجتمع ذكوري، ما يزال يرى في المرأة حتى الساعة، وسيلة للمتعة الجنسية، والإنجاب لا أكثر ولا أقل. وهو واقع إرتضته المرأة، وللأسف الأشد، جاعلة من نفسها عن “سبق إصرار وترصد“، أداة يتصيّدها الرجل بأمواله، ونفوذه وسلطته.
وهو ما جعل الصحافة الفنية والنسائية بغالبيتها العظمى في لبنان والعالم العربي، تساهم في تسخيف عقل المرأة، وتُبعدها عن قضاياها الأساسية، لاغية دورها كعنصر مكمّل لدور الرجل في المجتمع. فانقسم دور المرأة العربية إلى هدفين ومهمتين، خطيرين للغاية. دور لها في الدول النامية والفقيرة، نتيجة الحروب، أو نتيجة أنظمتها الديكتاتورية المنغلقة إقتصادياً، وهو: تصدير المتعة إلى أثرياء البترول، والتعامل مع جسدها، كسلعة أو أداة تجارية، عليها صيانتها عبر جراحات التجميل المبالغ بها، ومدّها بالاكسسوارات الضرورية، لـ“بزنس” المتعة، مثل: حشو وتكبير الصدر، نفخ وتدوير الأرداف والمؤخرة، لمزيد من الترغيب والإثارة!
أما دور المرأة في الدول العربية، الغارقة في ترف البترول، والثراء الفاحش، في أنظمة أيضاً منغلقة وشبه متخلفة، فإنحصر أيضاً في مهمة لا تختلف كثيراً عن مهمة المرأة في الدول النامية، وهي تقديم المتعة للرجل، وتكريس نفسها لانجاب أطفاله، ولكن عبر “الجنس الحلال“!
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.